الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٨ مساءً

النائم العام

عبدالاله تقي
السبت ، ٣٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
يوماً بعد آخر، يثبت القضاء اليمني، وخاصةً النيابة العامة، أنه مجرد مؤسسة حكومية مطيعة للسلطة التنفيذية التي تدفع مرتبات أعضائه وتتحكم بميزانيته كرقم غير مستقل عن بنود موازنتها العامة، ولعل أبلغ مثل لهذه التبعية هي صمت مجلس القضاء الأعلى إزاء القرار الجمهور اللادستوري الذي أقال النائب العام السابق دون موافقة المجلس بسبب محاولته مجرد التحقيق مع من ثبت تورطهم في مجزرة الكرامة. ورغم الأحداث الخطيرة التي تعيشها بلادنا بما فيها من مجازر وتدمير ونهب وسلب منذ عام ونصف، يعلن النائب العام مواصلته مسيرة النوم المعهود حتي يُبقي عينيه مغلقتين إزاء ما يحدث. وبعد إعلان الوفاق، يواصل نومه وكأنه تابع سياسي معني بالاتفاق بين الطرفين السياسيين تاركاً حقوق الضحايا ومصائرهم وحياتهم ليقررها الساسة الذين أفسدوا البلاد. وما أرتعبُ منه هو أن لا يستفيق النائم العام إلا على صرخة ضمير انساني قد تنتاب سعادة السفير "السوبرمان" الذي لم يعد يتحرك راكدٌ في هذه البلاد إلا بتدخلاته وضغوطاته السحرية شبه اليومية.

لو أمعنا النظر في الماضي القريب، لأدركنا أن الدُرج الفولاذي للنائب العام هو من يتحمل قدراً كبيراً من مسئولية تفجر ثورة الشباب ضد الفساد الفاضح لرفضه، لعقود وعن سبق الإصرار والترصد، إخراج بلاغات وملفات الفساد إلى منصة القضاء، عدا تلك القضايا البسيطة التي يتورط فيها مساكين اللصوص.

لقد استفحل نوم النيابة العامة تحت تأثير المخدر الحكومي وفشلت في أداء دورها، لتسمح لمؤسسات حكومية غير قضائية أخرى لتولي بعضاً من أدوارها الأساسية، في خطوة تكاد تنفرد بها اليمن مع قلة من الدول الفاشلة. فتلك المؤسسات، مثل وزارة حقوق الإنسان والهيئة العليا لمكافحة الفساد SNACC والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، بمهامها الرقابية والاستقصائية التي تخضع جميعها لتحكم السلطة التنفيذية بشكل أو بآخر هي كلها أجزاء من الأدوار الأساسية للنيابة العامة. كما أن مخرجات استقصاءاتها الثبوتية للفساد تذهب لتدفن أكثر القضايا دسماً داخل درج النائب العام. وهذا بدوره يخلق فساداً أكبر بسبب ضياع عشرات المليارات سنوياً التي تٌنفق على تشغيل تلك المؤسسات ولعدم الاستجابة القانونية بلاغات تلك المؤسسات كتشجيع غير مباشر للفاسدين لمواصلة أنشطتهم.

أثناء ثورة 2011، عمل الصمت المطبق للنيابة العامة إزاء كل الانتهاكات الحقوقية والجنائية الجسيمة على تفاقم الأحداث وزيادة حدة العنف بسبب استغلال المنتهكين لذلك الصمت بجرائم أكثر وحشية وشعور الأطراف المتضررة والثائرة بإنحياز القضاء. فعقب مجزرة جمعة الكرامة وما تلاها من مجازر لم يظهر أي خبر علني على فصل النيابة العامة في تلك القضايا وإظهار نتائج تحقيقاتها للجمهور أو الدفع بتسريع محاكمة المتهمين وكأن الجماهير الثائرة ليست معنية بذلك. وفي حادثة تفجير مسجد الرئاسة، تركت النيابة القضية تحت تحكم الحزب الحاكم وناطقها الرسمي لتوزيع التهم الصريحةَ باتجاه الخصم السياسي لأهداف سياسية محضة دون نفي أو اثبات النيابة لتلك التصريحات الرسمية وتأجيج الصحف الرسمية والحزبية. حتى بعد أمر النيابة بمقاضاة أي تناول صحفي لذلك الحدث، لم تف النيابة بمحاسبة من خالف الأمر القضائي، فسمحت لناطق حزب المؤتمر الشعبي بنشر أسماء المتواطئين في الحادث بشكل حصري ثم العودة إلى الصمت إزاء صحف موالية للحزب وعضو برلماني وثمة قيادات حزبية نشروا جميعهم مؤخرا قصصاً عن الحادث تنطوي على تهم معينة وتؤثر على سير العدالة.

في مثل هكذا ظروف حرجة أمنياَ ووفاقية سياسياً، ينبغي على جهاز القضاء "إظهار" إلتزام الحياد وانحيازه لمصلحة الشعب وأمن الوطن فقط، والبروز إعلامياً وعملياتياً لقتل الاشاعات والمساهمة في ثتبيت الأمن وردع المخربين أياً كان انتماؤهم. وعلى القضاء وقادته أن يفهموا (بعد إنفاذ المبادرة على الأقل) أنه القضاء ليس طرفاً في الوفاق، وأن الدستور لم يتم حله حتى يجمدوا أحكامه، وأنهم لا يملكون أي مبرر وراء تقصيرهم الكبير، وأن ممارسة عمل القضاء واجب وليس خيار.