الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٩ مساءً

قصة تدمير الاتصالات 1

عبد الرحمن البخيتي
الاثنين ، ٠٩ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
هي ليست قصة بالمعنى المتعارف عليه ، ولكنها أيضا ليست قصة من نسج الخيال ، بل أنها اقرب ما تكون للحقيقة لأنها تحاول أن تسلط الضوء على ما جرى ومازال يجري لواحدة من أهم القلاع الاقتصادية والخدمية في اليمن التي دفعت ثمن نجاحها بأنها أصبحت طريدة لكل صياد وهدفا لذئاب الفساد .

وأنا في هذه القصة سأحاول تجنب ذكر الأشخاص وسأركز فقط على مسار الأحداث ونتائجها، واعرف مسبقا ردة الفعل القادمة سلبا وإيجابا نحو كتابتي هذه ولكن لابد من نك الجراح وكتابة التاريخ خاصة أننا كنا جزء منه وعشنا فيه وعاصرنا إحداثه ، ولأجل إيصال الفكرة كاملة كان ولابد من تبسيط الحديث والابتعاد قدر المستطاع عن الكلمات والمصطلحات الفنية لان الغرض في المقام الأول هو مخاطبة غير الفنيين بلغة يفهمونها وعن أشياء يستطيعون القياس والحكم عليها.

وألان لابد من الدخول صلب الموضوع بتذكير الجميع إن الاتصالات ظلت لحوالي عقدين من الزمن وهي رمزا للتطور والنهوض سوا عند المواطنين أو لدى الدولة وذلك قياسا على بقية قطاعات الدولة المختلفة ، وظل الحال كذلك حتى ظهرت أول شركة للهاتف النقال في اليمن ودخول الاتصالات مجال البزنس بتشغيل أول شركة للهاتف النقال (سبأ فون ) بتاريخ 13فبراير2001 وبعدها بأسابيع شركة MTN كشركات خاصة غير مملوكة للدولة.

ومنذ ذلك الوقت تغيرت نظرة البعض عن الاتصالات وانقلب الإعجاب إلى طمع، وأصبحت الاتصالات هدف وصيد دسم يهون في سبيل الحصول عليه كل شي ، ولان من نقصدهم هنا ليسوا أشخاصا عاديين بل هم قريبين من صناع القرار وأحيانا هم من يصنع القرارات بطريقة أو بأخرى ولهم تجارب وخبرات سابقة ومشهورة ، ولكن هم اليوم أمام كيان اقتصادي هائل له قوته المالية وسمعته التقنية وشهرته المعنوية وكل ذلك يصعب الأمور عليهم ، ولكنهم غير مستعجلين فالاتصالات ليست ( مصانع الغزل والنسيج بصنعاء وعدن وليست شركة مأرب للدواجن وليست مؤسسة التجارة الخارجية أو صوامع الغلال أو غير ذلك الكثير ) ومع أنهم غير مستعجلين ولكن يجب البدء بالعمل على تفكيك هذا العملاق الاقتصادي ونشر الفساد فيه والعبث في أوصاله حتى يضعف ويسهل ابتلاعه .

ولان المثل يقول ( ما توقز الحبة إلا من داخلها ) ، ولان قيادة الاتصالات في تلك الفترة طلب منها البدء بعملية خصصه لبعض مكونات الاتصالات بحجة إشراك المواطنين في عملية الاستثمار وبناء الاقتصاد وتعميم الفائدة على اكبر شريحة من المواطنين فكان جواب وزير الاتصالات يومها الرفض لهذا المنطق بحجة منطقية هي أن عملية الخصخصة سيستفيد منها جزء بسيط من الشعب بينما الاتصالات هي ملك كل الشعب وترفد خزينة الدولة بعشرات المليارات سنويا يستفيد منها الشعب كله ، ولم يمض على ذلك سوى فترة قصيرة حتى تم تغيير قيادة الاتصالات بقيادة جديدة وكان ذلك بتاريخ 4-4-2001 وهو تاريخ البداية لتدمير الاتصالات الذي فهم يومها انه تم وضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب ، ودارت عجلة التغييرات داخل الاتصالات واختلط الحابل بالنابل وصار كل شي ممكنا فالفني يقوده إداري والعكس صحيح خاصة وقد رافق ذلك ضخ سيولة نقدية غير مسبوقة في الاتصالات ووزعت المكافئات وصرفت الأموال لمن يستحق ومن لا يستحق لموظفي الاتصالات ولغيرهم وفتحت مشاريع كانت جاهزة من السابق كمشروع 300الف خط و500 ألف خط وغيرها من المحطات والأعمال التي كانت جاهزة أو في طور التجهيز قبل التغييرات ، والمال يذلل الصعاب ويعمي البصائر والأبصار ، ولهذا السبب تجد أن الذين وظفوا في هذا العهد يسمونه بالعهد الذهبي للاتصالات وهو بالفعل بالنسبة لهم عهدا ذهبيا عهد اكتب مذكرة واحصل على مكافئه ، و أصبحت عادة لديهم حتى بعد أن نفدت الأموال وقل الدخل ،

ونتيجة لهذا العبث المالي نسي الجميع أو أكثرهم حتى التفكير أو التساؤل لماذا ألان ؟ لان الكل مشغول بحصاد ثمار التعب والنجاح الوهمي ، وصرفت المليارات حوالي 44 مليار ريال كانت مدخرات والتي جُمعت على مدى عشرين عام وكانت الاحتياطي النقدي للاتصالات أو أي كيان اقتصادي له خطط ومشاريع كل ذلك صرف في بضع سنيين، وفتح باب التوظيف وتضاعفت الأعداد ونضبت الموارد وزاد الحمل على الحمال وأقصي المختص ، وحل الإداري محل الفني والفني محل الإداري ، وجي ببعض مدراء وموظفين من خارج الاتصالات وتعيينهم في مناصب كان الأولى بها أبناء الاتصالات و اعتكست الحسبة وأصبح الإداريون 60% مقابل 40% فنيين بعد أن كانت النسبة 75% فنيين و25% إداريين وهو الوضع الأقرب للواقع في مجال أعماله كلها في الأساس أعمال فنية ، ولكن الوضع تغير والمخرج عايز كده ومضت الأعوام ونضبت السيولة ارُجعت الشيكات من البنوك في سابقة لم تحدث في كل تاريخ الاتصالات.

وتلاشت المشاريع على الواقع أما على الورق وفي وسائل الإعلام فكان كل ريال يصرف كمكافئة للموظفين فأنه يسجل كمشاريع نفذت أو تنفذ ، ووصلت الاتصالات لمرحلة الاستدانة من الصناديق والشركات والبنوك وعجزت عن الوفاء بالتزاماتها المادية نحو خزينة الدولة سوى للمالية أو الضرائب ، وارتفعت بعض الأصوات تحذر وتحاول التنبيه لخطورة ما يجري وان الاتصالات تسير في الاتجاه غير الصحيح ونشر ذلك في الصحف والمواقع الالكترونية وغيرها ولكن يا فصيح لمن تصيح ، لا احد يسمع وكما يقول المثل اليمني ( القرش يلعب بحمران العيون )، وألان لم يعد هناك مال والمصروفات أضعافا مضاعفة عن الإيرادات والمشاريع التي يقولون أنها نفذت لا تدر عوائد مثل مشاريع خلق الله ولكنها نفذت وتركت للإهمال وعوامل الزمن ولن نقول أنها لم تنفذت ولا هم يحزنون ، ولكن أصحاب الديون بدءوا بالمطالبة بمستحقاتهم في ذمة الاتصالات ودخلت الاتصالات في حيص بيص الديون فما الذي حدث وكيف اُخرجت الاتصالات من هذه الورطة ؟؟؟؟؟ يتبع