الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٥ مساءً

هل يمكن منع القات في اليمن ؟!

وديع منصور
الثلاثاء ، ٠٧ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
قد يبدو إثارة موضوع القات في هذا الوقت المحير من تاريخ اليمن أشبه بترف فكري . لكن الحقيقة ان هذا الموضوع على قدر كبير من الاهمية في كل الظروف وكل الاوقات .

ففي كل يوم ينفق الملايين من فقراء هذا البلد الملايين إبتغاء نشوة القات على الرغم من أضراره المختلفة التي لاتخفى حتى على الذين يتعاطونه

وأصبحت هذه العادة مثار دهشة وسخرية العالم . فكيف يمكن لبلد نصفه من الفقراء ، والملايين من أطفاله يعانون من سوء التغذية ويستجدي دون توقف المنح والهبات من الغير ومع ذلك يمكن لمردود أسبوع واحد فقط من عائدات القات أن توفر الغذاء لتلك الملايين الجائعة دون الحاجة للمساعدات الغذائية من المحسنين ! وربما لهذا السبب أصبح هناك من ينادي بضرورة ربط تقديم أي مساعدة لليمن بالتخلص من القات اولا .

تجارة القات في اليمن وببساطة ليست كأي تجارة فهي قديمة وراسخة ويلتف حولها الكثير من المزارعين والاسر والتجار والسماسرة والباعة وحتى السياسيون وشيوخ القبائل . إنها منظومة كاملة من التعاملات التي يحرسها الرجال الاقوياء وأصحاب النفوذ ، ويلعب الفساد الحكومي دورا هاما في إستمرارها بل وإزدهارها ايضا .

وفي ظل قوة القبيلة وإنتشار السلاح في اليمن فان هذه التجارة محمية دوما بجدار فولاذي يتعذر على الحكومة ذاتها – لو أرادت – زعزعته .

والشئ الاكيد أن أخر ماتفكر به هذه الحكومة الانتقالية التي ترزح تحت جبال من المشاكل ، او حتى الحكومة التي ستليها ، هو محاربة القات أو حتى وضع برامج لتقنينه ، فلا الوقت مناسب لذلك ، ولاهي تمتلك القدرة للقيام بهذه المخاطرة . بل على العكس فمن مصلحتها أن لاتثير الغبار على سطح هذه القضية المعقدة ، لانها ببساطة ستعصف بها ، وهي أحوج ماتكون لارضاء هذا الشعب الذي يشكو من غلاء المعيشة وتردي الخدمات العامة ومشاكل اخرى لاحصر لها ، حتى ولو كان هذا الارضاء مبعثه نشوة القات .

وبعد الفترة الانتقالية سيكون اليمن على الاغلب بوجه عاصفة الانفصال والفيدرالية والحكم الذاتي وتقاسم السلطة والثروة ، وإزدياد حالات التمرد . أما لماذا سيكون مع كل هذه المشاكل فلانها ببساطة مشاكل يتم ترحيلها للمستقبل وعجزت الحكومة الحالية واصدقائها المخلصين عن توفير الارضية المناسبة لحلها .. ومع إستمرار هذه المشاكل ستنظم أفواج اخرى كثيرة لنادي القات وستقوى جذور تجارته والمنتفعين من وراءه . إنها ليست مشكلة من يزرع القات ويبيعه فقط بل أيضا أولئك الملايين الذين يستهلكونه كل يوم بنهم .

لكن دعونا نتخيل أن اليمن سيتخلص من الفقر والفساد مستقبلا وهذا عندما يحدث فأنه لن يحدث بعد سنوات قليلة ، حينها سيتعين على الحكومة منع حمل السلاح في كل البلاد كخطوة اولى لفرض هيبتها وإنزال العقاب على كل من لايلتزم بالقوانين . لكن منع حمل السلاح سيكون اكثر تعقيدا من منع تعاطي القات ذاته ، إذ ان الحكومة قد تنجح بنزع اسلحة بعض المغلوب على امرهم لكنها ستجد صعوبة بالغة بنزعه من القبائل الكثيرة والمتشددة في حمل السلاح . وسيحتاج ذلك إلى خطة طويلة الاجل عمادها الترغيب وليس الترهيب ومع ذلك لن يستطيع أحد ان يضمن نجاح هذه الجهود الطويلة المضنية !

هل يمكن إذا منع القات في اليمن ؟ والجواب هو نعم ولكن في حالة واحدة فقط وهو إعادة تشكيل النظام السياسي في هذا البلد . فتقسيم اليمن إلى فيدراليات قد يكون الحل الاكثر واقعية للبدء بمحاربة القات ومنع تعطيه أو تقنينه . ففي الجنوب مثلا كانت هناك تجربة سابقة لتقنين تعاطي القات ونجحت هذ التجربة نجاحا باهرا . وتبدو إمكانية تطبيقها مرة أخرى أمرا ممكنا . وحتى منع حمل السلاح يبدو تطبيقه امرا ممكنا كذلك ، بالنظر إلى التجربة السابقة ذاتها .

وستكون هذه هي البداية الفعلية لمنع القات ، أو على الاقل الحد كثيرا من تعاطيه .. حيث تبدأ في بعض الاقاليم المؤهلة لمنعه وتقديم البديل للمزارعين والتجار من الموارد المحلية ، وتستمر حتى تعمّ الجزء الاكبر من البلاد . والحقيقة ان القات يصبح محصنا كما يعرف كل اليمنيين في ظل حمل السلاح وفساد الدولة وسطوة القبائل الكبرى . ولان الجنوب والمناطق الشرقية ومناطق وسط اليمن مؤهلة أكثر من شمال البلاد في هذا الامر فأننا نستطيع القول بثقة ان منع تعاطي القات أمرٌ ممكن ، فقط لو تغير الواقع السياسي لهذا البلد ، ولم يعد موضوع محاربة القات مرتبط بجهاز الدولة في صنعاء .