الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥١ صباحاً

مناشير شوقي !

عبدالاله تقي
الأحد ، ٠٤ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
قبل عيد الأضحى بيومين عقد محافظ تعز الأستاذ شوقي هائل مؤتمراً صحفياً طويلاً ناقش خلاله مشاكل المحافظة المتدهورة دون أن يعرض حلولاً لها ودون أن يحدد من القيادة السياسية متطلبات محددة غير هلامية لحلها. لقد أبرز شوقي عنصرين بارزين، في سياق تبريره الجمود التنموي والانحدار الأمني الذي تعيشه تعز، أثارا الحيرة الشديدة وأظهرا تناقضاً واضحاً في تصريحاته وأنه لا يجيد مثل إجادته الأضواء وإنتاج الكلام والمبررات الهلامية ليس إلا.

فالرجل أفاد بتوفر أهم متطلبات النجاح في المحافظة ولم يكشف عن السر المقنع لاستمرار فشله في إدارة مسلسل الفشل الإجتماعي والاقتصادي والأمني. فلقد صرح بأن جميع ممثلي الحكومة والجيش والأمن هناك مطيعون له تماماً وأنه أقال كل من كان يعتقد بفشلهم، كما لم يتهم شباب الثورة هناك بشيء وامتدح تجاوبهم معه وإبداع تفكيرهم ووطنيتهم. من ناحية أخرى، صرح شوقي عن استغرابه لعدم تحقق الانسجام الاجتماعي في تعز، مشيراً إلى أنه من حظ تعز أن العاصمة هي صنعاء والسياسة مركزة في صنعاء والأحزاب في صنعاء والمشاكل الكبيرة في صنعاء، متسائلاً ما الذي يمنع التعزيين الاتفاق وإعادة بناء مجتمعهم!! إستغل الأستاذ شوقي المؤتمر للحديث عن ما يواجهه هناك من قصص غريبة وكيف يقضي يومه، ليشخصن الأمر ويعلم الجمهور فقط أن شوقي يلاقي أقصى درجات الضغوط والجهد دون أن يعلمهم سر عدم تحقق التطور المطلوب منه في ظل غياب مبررات الفشل خاصةً وهو أول وآخر محافظ أثار ضجة إعلامية كبيرة لإقالة مدير أمن المحافظة السابق كشرط مهم ليستمر في قيادة المحافظة.

لا يمكن قبول أي عذر لشوقي المعين منذ مايو الماضي في مقابلة ذلك مع أداء وقرارات محافظ آخر جديد جداً لم يحظ بربع ما حظى به أمين العاصمة الذي أظهر تغييراً ولو محدوداً أرضى الأغلبية من سكانها لاسيما الحيادية مع المواطن والتغيير القيمي للمسئول الحكومي.

ففي الجانب التنموي، استمرت المنظمات التنموية في عملها في المحافظة بينما بدأت المكاتب الحكومية عملها بشكل متواضع لم ترق إلى توقعات الناس ولا تزال مدينة تعز تعاني بشدة من آثار الأحداث بالرغم من عدم كون المال هو المشكلة الرئيسية كما أفاد المحافظ.

وفي الجانب الأمني، فلا يمكن قبول عدم تبريرات شوقي الهلامية في الحفاظ على أمن المحافظة حتى إلى ما قبل شهر يوليو، خاصةً وقد بدأ مدير امن المحافظة السابق بالتمكن من إحلال الاستقرار الملحوظ في تعز بعد أسبوعين فقط من مقتل المعلم الأمريكي قبل تعيين الأستاذ شوقي محافظاً. فلقد قام شوقي في شهر رمضان المبارك بإجراء بعض الأنشطة المنهجية الاجتماعية والتوافقية التي قام بها مدير الأمن الأسبق والتي شرحها بالتفصيل مقال سابق لي وعقد اجتماعات واتفاقات (ميثاق شرف) مع كافة الأطراف السياسية والاجتماعية المؤثرة، إلا أن شوقي لم ينجح في الوصول إلى مرحلة استخدام مناشير قطع السلاح بسبب فشله في تحقيق نتائج ومخرجات تلك الأنشطة الاجتماعية. ومهما يكن سبب ذلك، فالرجل مسئول عن ذلك كون الوضع انحدر في عهده وهو القابض على صلاحياته الكاملة.

ليس هذا المقال هجوماً على الاستاذ شوقي الذي يتمتع بحب مجتمعه له، لكنه لنقد المبررات المتناقضة التي ساقها في مؤتمره الأخير ولإلقاء الضوء على إمكانيات تمتع بها المحافظ الشاب ولم يتعامل معها بكفاءة كما توقع الملايين من سكان تعز. ومن المنطقي أن يجري المحافظ تقييماً محايداً عن أسباب انحدار الأوضاع الأمنية وجمود الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المحافظة والخروج بتوصيات للحلول المناسبة لعلاج أسباب التدهور. كما ينبغي عليه التخفيف من الظهور الإعلامي المكثف والتوقف عن إعادة إنتاج قالب الزعيم الرمز والمقدس في الصحف الرسمية للعاصمة الثقافية.



في مارس 2012 وبعد أسبوع واحد فقط من مقتل المعلم الأمريكي في مدينة تعز، ارتفع مؤشر الاستقرار الأمني المرتكز على غياب المظاهر المسلحة في الحالمة من أدنى مستوى على مستوى البلاد إلى أعلى مستوى في تاريخ حكم صالح كما يشهد على ذلك القاطنين فيها. وانهار ذلك المؤشر خلال أحداث مشكلة أمنية تطورت إلى اعتداء جماعي على منشآت رجل الأعمال توفيق عبدالرحيم مطهر في الجندية وانتشار مسلحي ماوية داخل المدينة وحصارهم لمكتب أمن المحافظة ومكتب المحافظة نفسه.

وقبيل الانهيار الأخير كان محافظ تعز قد أصر على رئيس الجمهورية ووزير الداخلية على تغيير مدير أمن المحافظة السابق مقابل ضمان استمرار تحسن الأمن هناك. لكن وبعد أن تحققت رغبته، أزاح المحافظ شوقي أنعم مناشيره القاطعة للسلاح المتجول جانباً، لينهار الأمن مباشرةً وليبدأ هو من نقطة الصفر في إعادة بناء خطة أمنية من جديد تشكل شخصيته السياسية تحدياً لنجاحها الذي قد لا يتحقق إلا بتأييد كافة أفراد وفئات المجتمع الذي يقف معظمه خصماً ضد الطرف السياسي الذي يمثله المحافظ وكافة أجهزته الحكومية والأمنية والعسكرية ذلك الموقف الذي عبر عنه المحافظ في مواقف مختلفة هناك رغم وعده بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية.

وقبل بداية شهر رمضان المبارك، أعلنت صحيفة حشد نت التابعة للمؤتمر عن عزم شوقي تنفيذ تلك الخطوات "وتلميحه بالاستقالة ما لم يستجب قادة المجتمع هناك لدعوته بإقرار وثيقة الشرف" وكانت هذه هي الطريقة التي اعتمدها مدير الأمن السابق في تعزيز أمن المدينة بداية من نهاية مارس.

وكمراقب مهتم لتلك الحالة، كنت قد كتبت مقالاً عن أسباب بداية التحسن بعنوان "دماء أمريكية وراء الأمن في تعز" في 26 ابريل بعد أسبوعين فقط من أداء محافظ تعز اليمين الدستورية، وعزيت ذلك إلى القبض على قاتلي المعلم الأمريكي نهاية مارس مدفوعين من أطراف سياسية بارزة. وفي .......... كتبت مقالاً تحليلياً مفصلاً عن "عوامل استتباب الأمن في تعز" كرد منطقي ومنهجي على اتهامات المحافظ لمدير الأمن السابق العميد علي السعيدي بالتقصير وضعف الشخصية والتشهير به إعلامياً (كأول مسئول حكومي يقوم بذلك في حكومة الوفاق) دون أن يكشف تفاصيل تقصيره وضعفه، وطلع إلى صنعاء ليضع شرطه الوحيد على الرئيس هادي بتغيير الرجل بشخصية قوية مقابل استمراره في قيادة المحافظة، وكان له ما أراد وفي فترة قياسية.
اليوم وبعد تراجع ذلك المؤشر إلى حضيض الفوضى، لا يجد شوقي أنعم أمامه إلا أن يبرر فشله أمام المواطن الضحية باتهام أشخاص يرتبطون بأطراف تحمي الثورة في تعز ثم ينادي باحترام سيادة القانون وهو ممثل القانون هناك، مع وجود لواءين حرس جمهوري يحيطان المدينة بقواتهما ووجود كافة القيادات الأمنية والإدارية للمحافظة من أتباع نظام صالح التي كانت جميعها هي من دفعوا تعز الى هاوية الحضيض في بداية الأمر ثم ثانيةً بعد أن استقر بهم المقام بطرد ممثل الثورة الوحيد في حكمهم التوافقي!
1. برغم استمرار الاعتداءات على ذمة قضية الاعتداء على منشآت توفيق مطهر والاعتداءات المتكررة على قيادات السجن المركزي التي تكرر هروبها باتجاه اللواء 33 والدفاع الجوي ببير باشا، إذا كان شوقي لا يزال مصراً على رؤيته بدور حماة الثورة في عودة اضطرابات تعز وبراءة حماة النظام ومعاونيهم مما يحدث فيها، وإن صدقت صحف نظام صالح بأن اتفاقات السعيدي السابقة مع حماة الثورة في ترسيخ أمن تعز، فمعنى كل ذلك أن العميد السعيدي كان الأجدر في الاستمرار في الحفاظ على أمن المحافظة وليس غيره كونهم جزءاً توازنياً يعادل قوة اللواءين غير الشرعيين الذين تواجدا داخل المدينة وارتكبا الجرائم كما يعلم الجميع.
2. وإن صدق شوقي وصحف نظام صالح بمسئولية حماة الثورة عما يجري من اضطرابات في تعز فأين قوة شخصية شوقي والمقدشي! وأين مناشيرهم؟ وأين قوة القانون التي بدأ شوقي حكمه للمحافظة وهو يتشدق بامتلاكه إياها حتى صدقه كل سكان تعز.
3. بفقدانه التفكير السليم حول الإدارة السليمة للأزمات، وإدارة التوازن، فشل شوقي وقوته ومركزه في إنهاء اضطرابات شركاته، فكيف يتخيل أنه يستطيع أن يدير محافظة كاملة معظم سكانها يقفون في الطرف المضاد للطرف الذي يؤيده ويجامله على حسابهم وباسمهم.
4. لم يبرهن شوقي بنبذه السعيدي والتحجج بضعف شخصيته الا رغبته الاستئثار بمهمة الأمن لنفسه وذلك واضح من عدم اتضاح قوة شخصية المقدشي في أي مناسبة حتى الآن ولم تر على المسرح الأمني إلا وجه شوقي خاصة أن تاريخ المقدشي يحكي أنه ما كان يخرج من إدارة أمن محافظة إلا وترسخت فيها أركان القاعدة.

صناعة البسكوت غير صناعة الأمن
قد يكون شوقي وهو خريج إدارة الأعمال من أمريكا قادراً على إدارة مصانع العائلة باقتدار، لكن سنوات نجاحه هناك قد تجعله مقتنعاً بأن منهج الإدارة العمودية التي يمارسها طويلاً مع وجود الإنصاف في الحقوق وكفاءة أطراف العمل معه ستكون أيضاً ناجحة في إدارة أمن المحافظة التي تفتقد ذلك. في ذات الوقت، يصرح شوقي برغبته بتطبيق الخطة الأمنية التي تم تطبيقها أثناء بطولة خليجي 20 في مدينتي عدن وأبين غافلاً ما درسه عن مبادئ الإدارة أن منهج الإدارة وأدواتها وإجراءاتها تختلف كثيراً بحسب نوعية المجال الذي يعمل فيه. فالإدارة "العمودية" تختلف عن إدارة الأمن "شبه الأفقية" التي تتطلب المشاركة الشعبية والسياسية في صناعة الأمن. .والتي ينبغي أن تضع في اعتبارها تعقيدات واقع المحافظة وتعدد تياراتها الشعبية والسياسية وتساوي القوى السياسية والأمنية فيها والظرف الثوري القائم والتباين السياسي في جهاز الحكم فيها والتي تختلف جميعها جداً عن تلك العناصر في مديني عدن وأبين إبان البطولة. وبالتالي فتطبيق خطة بطولة 20 على واقع تعز لن ينجح ببساطة لأسباب متعددة، فالفترة المستهدفة في تعز طويلة المدى وليست أقل من شهر فقط، كما أن المستهدفين المباشرين في تعز هم جميع أفراد وفئات المجتمع والأطراف السياسية وليس مجموعة محدودة يرفضها الجميع تقريباً، والظرف القائم حاد الاضطراب وليس مستقراً نسبياً، وطبيعة الخطة المرغوبة هجومية إجرائية وليست وقائية، والإمكانيات المتاحة مالياً وفنياً محدودة جداً وليست متوفرة محلياً ومركزياً، حتى العناصر الاستخبارية محدودة ومنقسمة بشكل غير صريح وليس شديد الكثافة والتركز كما كان في عدن آنئذ. ومن ناحية أخرى، فالتحديات التي تواجه أمن تعز أخطر وأكثر تعدداً وتتواجد داخل المدينة والمديريات.
ترتبط فرص نجاح حطة أمن مدينة تعز ومديرياتها الكثيرة بتوفر أو تحسن جل أو بعض العوامل المذكورة آنفاً لكن لا بد هنا أن تكون منهجية الخطة "أفقية"، بمعنى أن يسبق تنفيذ الاجراءات (ذات طابع القوة والضبط) حشد التوافق الاجتماعي والسياسي الواسع على مبادئ مشتركة يطمئن الجميع عبرها إلى إلتزام قيمتي "الإنصاف والحزم" بحيادية عند ضبط أي مخالف لمبادئ ذلك التوافق الذي يتم العمل على توفيره حالياً والذي قد ينهار مجدداً عند الإخلال بقيمتي الإنصاف والحزم حتى في مناسبات أخرى قد تتصل بإدارة الشئون المدنية للمجتمع والدولة كالتعيينات والخدمات والفساد.