السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٤ مساءً

البحث عن وطن..بخمسون ألف ريال

محمد البعوم
الجمعة ، ٠٩ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
إلـى متـى سيظـل هـذا الوطـن يـئـن و يـُعـاني مـن الوجـع ولا يقوى على تضميـد جـراحـاته المــُتخمة في ظـل هـذا الصـراع المـُستميـت بيـن شعـبٍ أبــى إلا التغييــر والحلــم بــوطـنٍ مـُريح , وبيـن حـُكام عنيدون ومــُستبّدون هدفهـم هو الثـروة والجـاه علـى حسـاب الوطــن .إنّ ممــا يـُحزن المـرء حقــاً أنّ يفقـد هويـته الوطنيـة ويـشـُك بـإنتمـائه نتيجـةً للصـراع الطـائفـي وتنـامي العنصـرية وتراكـمات المـاضـي البغيـض. لقـد مـرّ الزمـن وهـو يبتلـع 33 عـاماً مـن الحـكم الإستبـدادي الذي لايـُدمــّر الحـاضـر فقـط بـل يـُسهـم إسهـاماً كبيـراً في تشـويه وإعـاقة المستقبـل أيضـاً .اليمـن ذـلك الوطـن الكبيـر الذي أصبـح تـائهـاً بيـن مـراكز القـُوى التـي لا ترحـم أبـداً وبيـن أحـزاب باتت تـُعاني من الشيخوخـة المـُزمنة وبيـن قبـائل جهـوية قرويـة لا تعـرف إلا لغـة البندقيـة والعيـن الحمـراء .

لقـد ذكـر اليمـن في الكثيـر من الكتب التاريخيـة ومنها التوراة والكتب الإغريقية والرومانية وغيرهـا , ولـم يوصف أي بـلد بالسعيـد على مرّ التـاريخ إلا اليمـن لتعدد حضاراتها المـُهمـّة في تاريخ البشريـة. اليمـن الذي يعتبر الأرض الوحيـدة التـي أحتضنـت اصـل الجنس البشـري والإنسانية جميعـاً وكـانت نقـطة التجمـّع والإنطلاقة الأولى للهجرات البشرية إلى العالم حيث تذكر الكتب والعلوم القديمة أن صنعـاء كـانت تسمى بمدينة سام نسبة إلى سـام بن نوح وهو من الذين نجوا في السفينة وهذا ما يؤيّد أن اليمن كانت محطته وإنطلاقته الأولى وذريته من بعده.لقـد جـاء الإسلام ورفع من شـأن اليمـن عـاليـاً أرضـاً وشعبـاً في كثيرٍ من المواضع . وهـُنا همسـة مسبـوقـة بنهدة تخرج من الأعمـاق قائلةً ذلك كـان شئٌ مـن سـراب المـاضي الـذي أصبـح مدفـوناً في أدراج النسيـان. فالتـاريـخ لـن يـسد رمق جائع , ولـن يـرُد المـظالم , ولـن يـأتي بـدولة وحـاكم عـادل .
اليمـن اليـوم غيـر يمـن التـأريخ والحضارة , اليمـن اليـوم فـي زمـن القـُوى التقليـدية , والطوائف السلالية والحروب الأهليـة , والقلاقـل المناطقية والطبقيـة. اليمـن اليـوم توشـك على التفتّــت ووحـدة الوطـن مـُهددة بالتمـزق والشتـات , وابنـاء اليمـن التي كانت البسمة مرسومـةً على وجوههم ومبشرات التفاؤل باديـةً على ملامحهـم أصبـح يكسوهم اليأس باحثين عن وطن لا يقتل أبنائه ولا يبيـع مواطنيـه بخمسيـن ألف ريـال . وزارة المـُغتربين الـتي أرادت أن تـخدم مواطنيها ببيعهم بخمسون ألف ريال , هكذا أعلنت الوزارة التي لم ترى شيئاً تـُقدّمهُ ولـم تـُجيد خـدمـة أبنـائها المـُغتربيـن إلا بتقـديم عـرض مـُغري جـداً بالتنازل عن الجنسيـة اليمنية مقابل مبلغ زهيـد ودراهم معـدودة هـذا هو يمـن اليـوم بكل حالاته وتصـوّراته. يمـن اليـوم هـو أيضـاً لا زال يمن التراجيديـا بشعـر البردوني والذي لا زال شعره ينبض قائلاً:
فظًيعٌ جهــل مـا يجري
وأفظع منه أن تدري.
يمانيون في المنفى
ومنفيون في اليمن.
جنوبيون في صنعاء
شماليون في عدن
وكالأعمام والأخوال
في الإصرار والوهن .
خطى(أكتوبر) انقلبت
حزيرانية الكفن .
ترقّى العار من بيع ٍ
إلى بيع بلا ثمن .
ومن مستعمر غاز
إلى مستعمر وطني.
لماذا نحن يامربى
ويا منفى بلا سكن .
بلا حلم بلا ذكرى
بلا سلوى بلا حزن

ولكـن لـن نعدم الأمـل في الشبـاب لأنهم الفئـة الواعـدة التـي هُمشّت كثيراً ولا زالت إلا أن سواعدهم قويـّة ودأبهم عنيـد لأنّهم الأمـل الواعـد والغـد المـُشرق الذي لا يخبـو صـوته ولا يـُعدم عطـائه. حـال الوطـن أشبـه مـا يكـون بالجـُملة المـُقتضبه للأديب الإنجليزي كوليردج "مــاءٌ في كــُل مكـان ولا قـُطرةٍ للشراب"