الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٣ صباحاً

كنس إعاقات الناس أولاً..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ١٤ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
إن ما حدث من تظاهرة ذات قيمة رائعة من حيث الفكرة كفكرة، ولكنها تائهة الخُطى قد يكون بسبب ضبابية الرؤى.. تلك الظاهرة هي ما حدث يوم الأربعاء الماضي الموافق 12 – 12 – 12م، والذي سبقها ثورة إعلامية وإعلانية منقطعة النظير ــ وبعبارة: أنا سوف أشارك وصورة أشخاص لشرائح مجتمعية مختلفة يحملون مكنسة خلا منها المسؤولين ــ ليشارك الجميع باختلاف شرائحهم في نظافة أرض أمانة العاصمة صنعاء لا نظافة عقول وسلوك ناسها، ونتذكر ومعنا أمين العصمة عبد القادر هلال أن زمان كان نسيج من الناس يسكنون صنعاء ــ من كل المناطق ــ يقومون بالكنس أمام منازلهم وكذا الشوارع تقريباً شبه يومي دونما أن يأمرهم بذلك العمل الراقي أحد برغم النسبة المرتفعة بجهلهم الأبجدي، أما اليوم وبرغم نسبة المتعلمين منهم ــ كما يقال ــ كثرت الأوساخ كالنفايات والقاذورات..الخ، حتى أصبحت أمانة العاصمة أشبه ما تكون بمقلب للزبالة ومع الأسف نجد أن الغالب من ناسها يمر بالقرب من تلك القاذورات وينظر بصمت وكأن الأمر لا يعنيه ومنهم من يقوم برميها في أي مكان كان فيه..!! فهل تغير ساكني صنعاء أم تغيرت أرض صنعاء؟ أم أن الأوساخ القذرة العالقة في عقول الناس وسلوكهم احتلت مساحة أكبر عمقاً واتساعاً من تلك التي تقع على شوارع أمانة العاصمة وأزقتها؟ وكان الأمر لا بد أولاً أن نبدأ بكنس وتطهير تلك السلوكيات وعقول أصحابها من مخلفات هي أشد وطأة من التي على أرض أمانة العاصمة حتى يصبح أمر النظافة فكر وسلوك مستدام لدى كل فرد يمني.

تذكرت مقولة لشاب استرالي يبلغ من العمر 29 عاماً، وقد ألّف العديد من الكتب حتى لقّب بأشهر متحدي الإعاقة في العالم وهو بدون يدين ولا حتى قدمين حيث يقول نيكولاس فوجيسيك: " أنا قد لا استطيع أن أصافحك باليد.. لكن ربما اطلب منك أن تحتضنني.. تعلمت إنني لست المعاق الوحيد.. فجميع البشر لديهم إعاقات .. فالخوف إعاقة والتردد إعاقة والخجل ــ المذموم ــ إعاقة.. وأنا أزيد عليه هنا بالقول الجهل إعاقة والتطرف إعاقة والحماقة والجدال إعاقة..الخ وكل فكر عقيم وسلوك سيء يعد إعاقة وخصوصاً إذا كان لدى المسؤول أو العالم وغيره ممن نؤمل فيهم أنهم القدوة..!

ولأن 12/ 12 / 12م، كان تاريخاً مميزاً ولن يعود إلا بعد قرن من الزمن كم كنت أتمنى أن تكون تلك التظاهرة شبيهة به كأن يكرم فيه عمال النظافة ويثبت ما تبقى منهم وترفع مرتباتهم بما يليق ومهمتهم، ويؤمن عليهم لتعرضهم الدائم للأمراض الخطيرة بسبب النفايات التي يقومون بإزالتها من الشوارع؟ كما أن من يعمل منهم لدى المؤسسات لا يتجاوز مرتب الفرد منهم حدود العشرين ألف ريال ومنهم متعاقد أي إذا وافاه الأجل تشردت أسرته..!! إن غرس الولاء الوطني للتلاميذ لا يتأتى من كنس الشوارع وتعرضهم للأذى سواء من قبل سائقي السيارات وعكسهم للشوارع بحجة النظافة أو من تعرضهم للأتربة وحرق إطارات السيارات والزبالة التي تصاعدت منها الأدخنة المضرة بالبيئة وصحة الناس التي قد تصيبهم بالربو وغيره، وفي اعتقادي أن الأفضل كان أن يعطى كل تلميذ وردة أو ما شابهها ليقوم بتقديمها لعامل النظافة كنوع من التقدير لدوره الحيوي وليعرف التلميذ أنه مكمل لدور عامل النظافة للحفاظ على نظافة الوطن وإخراجه بمظهره اللائق به.. إن ما بين المواطن والدولة عقد اجتماعي، أخلّت الدولة ببنود ذلك العقد ومنها ج ما يدفع المواطن كمساهمة شهرية للنظافة وتحسين المدينة دون أن يظهر على أرض الواقع أدّى ذلك وغيره إلى فقدان ثقة المواطن في مصداقية الدولة.. ليأتي مطلب الدولة في مشاركة المواطن وابنه وزوجته في نظافة المكان الذي قد دفع مقابله مسبقاً دون آلية واضحة، فلم تكن المشاركة كما كان متوقع لها.. فأي عدالة تلك يستجاب لها؟ أم أن الغرض تمرير مساعدة أو قرض من دول خارجية وضعت تلك الضجة الإعلامية وظلم بها عامل النظافة المغلوب على أمره؟
ولأننا في اليمن نعاني من ورطة إدارية حقيقية في المجالات كافة بدءً بإدارة السياسة ومروراً بإدارة الذّات وانتهاءً بالنظافة، ولأن هناك عدداً لا بأس به من الذين لم ولن يكتسبوا فن الإدارة السليمة لدفة الأداء الوطني الحقيقية، فيسبب ذلك وبكل أسف إعاقة محورية لكل ما من شأنه تحسين وتطوير حياة الناس واستقرار وطنهم.. لذا نحن فعلاً أخي الكريم أمين العاصمة بحاجة إلى حربٍ جديدة ومن نوع آخر وهي ليس أن نفاخر فيها بقهرنا للقوي، بقدر ما يكون إنصافنا فيها الضعيف كي نتيقن أن النجاح رحلة وليس هدفنا، وان خطواتنا في الحياة لا بد وأن تكون كمن يمشي علي الرمل لا يسمع صوته ولكن أثره واضح.. فيا ترى متى سيعرف قادة النظم ــ المؤسسات ــ والنخب ومن نصبوا أنفسهم أوصياء أن احترام الآخرين فن ليس كل من تعلمه أتقن ممارسته؟.. وأشكرك أخي عبد القادر هلال لما تبذله من جهد خيّر..