الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٢ صباحاً

ابتلاء الشعوب..!

د . محمد ناجي الدعيس
الخميس ، ٢٨ فبراير ٢٠١٣ الساعة ٠٧:٤٢ مساءً

مقال: إن أي مجتمع من المجتمعات كمنظومة لا يمكن أن يقوم إلا على عدد من الأسس السليمة والصحيحة حيث يبقى توافرها أمراً ضرورياً لوجود ذلك المجتمع وحِراكه نحو الرقي والتقدم في محيطه.. فهناك مثلاً الأساس الديني، والفلسفي، والعلمي، والاجتماعي، والثقافي، والفكري، والتاريخي، والنفسي.. الخ، إذْ لا بد أن يكون لدى كل فرد من أفراد المجتمع ــ كعناصر مكونه له ــ إدراك ووعي بتلك الأسس حتى يزاولها بمهارة صحيحة وسليمة لا علل فيها، وان أي جهل بأي منها يُعد أميه يجب محاربتها ونشر الوعي بين الأفراد مهارة ومعرفة نحو إصحاح المجتمع اليمني من أي آفة عقائدية كانت أم غيرها..
وفي عالم اليوم طغت المصالح المادية على غالب أخلاقيات النظم الاجتماعية ــ بدءً من نظام الأسرة وانتهاء بنظم السياسة ــ فأصبحت الحياة تضج بكثير من المتغيرات المجتمعية أثّرت سِلباً على العلاقات الإنسانية الإنسانية، كنتيجة طبيعية لتلبس من زعمت أنها الصفوة معتقدات خاطئة في فهم وممارسة أسس قيام مجتمعاتهم، دونما اكتراث فيما أدخلت تلك المعتقدات الخاطئة من اختلالات أفسدت الحياة المجتمعية وعززت لدى الغالب من الناس صحة الخطأ في المعتقد حتى أصبح أيّ فكر يغطي انحراف المسؤول ويعفيه من المسؤولية يحاول التشبث به ويفرض على الآخرين تصديقه والتعلق به وبإرادة مسلوبة..! ــ فالطالب يعتقد أن الغش من حقه للنجاح، والموظف أو المسؤول يعتقد أن من حقه امتهان المواطن وإذلاله في حقوقه، والتاجر يعتقد من حقه احتكار السلعة لرفع السعر.. وهكذا.. كل ذلك وغيره ناشئ عن التعلّق بفلسفات ذات أسس عقائدية فاسدة حتى وصلت إلى أعلى قمة في هرم النظم الاجتماعية ومنها النظام السياسي.. عقل بتلك البنية هل يستطيع إنتاج الديمقراطية الحقيقية؟ وهل استطاعت تلك العقلية أن تقيم ديمقراطية أو أي بديل آخر على أساس المواطنة المتساوية؟..
إن ابتلاء الشعوب بعقليات تحمل مثل تلك الثقافة كان أحد الأسباب الرئيسة في الكمون والتخلف عن رسم خريطة ذهنية على واقع أوطانهم تحاور الآخر وتستوعبه وتعترف به وبحقوقه بغض النظر عن جنسه ومنطقته وأصله كما هو، إنسان كرّمه الخالق بأن نفخ فيه جزئية ناقصة من روحه الكاملة.. ألا يكفي هذا التكريم الإلهي أن يستوعب الإنسان أخيه الإنسان ويتواضع له؟.. وهل لدى كل المسؤول والنُّخب المجتمعية رؤىً واضحة بما الذي يحتاجه المجتمع أقلّها حتى الآن لتحقيق هذه المعادلة ويواكب مفردات المرحلة كما يتطلب الأمر؟
من أشد مطالب المرحلة إلحاحاً هو عقلٌ يمتلك فيض لأبدال حلول ممكنة لما بعد المرحلة، وفي البدء يعيد الاعتبار والحياة لعلاقة الإرادة المجتمعية اليمنية ــ مثلاً ــ وطمس علاقة الفرض وإلغائها، لأن العلاقة الأولى: هي نتيجة حوار مثمر ثماره التفاهم والحجة أساسه أي عقل لعقل، وهي بالتالي فعلٌ إرادي يحقق التسامح والمحبة والاحترام والثقة بين الناس، وهو أساس لبناء المجتمع وتقدمه. أما العلاقة الثانية: فهي حال تنكُّر لحق الآخر وتجاهلاً لتمايزاته ولخصائصه، وتتجاوز الحوار كوسيلة لفهم الآخر وللتفاهم معه. وهي بالتالي تكون حال مفروضة. وكل ما هو مفروض مرفوض من حيث المبدأ، ومن حيث الأساس، ولذلك فإنها لا تحقق سوى الحقد والبغضاء والكراهية والغُبن وتأصيل انعدام الثقة بين الجميع، وهو أساس لفرقة المجتمع وهدمه..
فإذا كان أحمد التونسي قد قال مقولته الشهيرة " لقد هَرِمنا حتى وصلنا إلى اللحظة التاريخية " أو كما قال، فماذا نقول نحن في اليمن؟ ألا يجدر بنا القول لقد هرمنا ثم حَنِبْنا ولم نصل بعد إلى اللحظة التاريخية التي ننشدها؟!!!.