الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٩ صباحاً

إهانة المغترب اليمني: هل تحفز ضمائر أعضاء الحوار الوطني؟

د . محمد نائف
الثلاثاء ، ٠٢ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٣٩ صباحاً


هذا سؤال نطرحه على كل من لديه ومن ليس لديه ضمير حي من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني. أنا هنا لن أوجه اللوم إلى الشقيقة السعودية لما يتعرض له أبناء اليمن هناك من تعامل غير إنساني وحملة شعواء لا تفرق بين مقيم بصفة شرعية وغير شرعية لأن هذا شأن الإخوة في المملكة العربية السعودية وإذا أرادت أرض الحرميين أن تعبر عن المعانى الحقيقية للروابط الأخوية والعربية والإسلامية وحق الجوار والروابط الإنسانية التي نسمع عنها في الإعلام الرسمي في البلدين بهذه الطريقة فلا بأس في ذلك، ولكني ألوم الحكومات اليمنية المتعاقبة وألوم أبناء اليمن السعيد وأنا واحد منهم لأننا أهنا أنفسنا وسمحنا للآخر أن يتطاول عليننا و يهيننا و"من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميتِ إلامُ."

قد يقول قائل: كيف أهنا أنفسنا؟ والجواب أخي السائل هو في هذا الاستعراض البسيط لما يجرى لأبناء اليمن على الاقل منذ ستينيات القرن الماضي:

1. الحكومات اليمنية المتعاقبة كانت تسعى دائماً جاهدة لاستعطاف الجارة السعودية للسماح لليمنيين بالسفر والعمل هناك ليس حباً فيهم وخوفاً عليهم ولكن للتخلص من ضغوط البطالة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها والتفرغ للصراعات والمناكفات السياسية والحروب الداخلية، ولم تقم بتقديم بدائل وخلق فرص عمل في الداخل أو تقديم التدريب للراغبين في العمل خارج اليمن بحيث تمكنهم في العمل ليس في الشقيقة السعودية فحسب ولكن أيضاً في دول أخرى في الخليج وغيرها. لذلك ظلت العمالة اليمنية ورقة ضغط سياسي تستخدم وقت الحاجة لجعل اليمن يقدم التنازلات تلو التنازلات للخارج وهناك أمثلة كثيرة لا داعي لذكرها ولكن علينا فقط أن نتذكر ما الذي حدث بعد حرب الخليج الأولى وكم طرد من اليمنيين أثناء وبعد تلك الحرب ونظام الكفالة الذي طبق على اليمنيين منذ ذلك الحين في "الشقيقة" السعودية.

2. لم تتعلم الحكومات اليمنية المتعاقبة مما حدث للمغتربين اليمنيين جراء حرب الخليج الأولى قبل اكثر من عشرين عام. فاليمنيون الذين عادوا في ذلك الحين مازلوا يعيشون في مخيمات في الكثير من المناطق اليمينة حتى الأن، ولم يتعلم اليمني من ذلك الدرس ولم يتعلم القادة اليمنيين ولا الحكومات اليمنية المختلفة واستمروا في استجداء والستعطاف من يسمحون لليمنيين بالهجرة إليهم. بل يمكن أن تجد أن اليمن تستقدم أيدي عاملة من دول عربية وأسيوية وحتى أوروبية للعمل في اليمن وتدفع لهم بالعملة الصعبة، فتستغرب ما الذي يجري في هذا البلد وكيف يفكر القائمون عليه!

3. اليمن لا يقل شأناً عن هذه البلدان التي تنتقم من المغترب اليمني كلما أرادت أن يتحقق لها أمر ما في اليمن ويمكن أن يتحقق لها الاستغناء عن استجداء واستعطاف الدول السماح لليمنيين بالإغتراب فيها والتعرض لكافة أنواع الذل والمهانة والمعاملة غير الإنسانية. فاليمن غنية بالثروات النفطية والسمكية والزراعية والمعادن المختلفة وبإمكانها الاستفادة من هذه الثروات لتحقيق نهضة إقتصادية توازي ما يحدث في البلدان المجاورة. فعلى سبيل المثال، قبل تقريباً ثلاثين عاماً فقط كان عدد هائل من المغتربين العمانيين يعلمون في المملكة العربية السعودية وكان يُنظر إليهم تقريباً بنفس الطريقة التي يُنظر بها الآن إلى اليمني ولم يستصيغ ذلك سلطان عمان بعد زيارة واحدة للملكة العربية السعودية، فطلب من جميع العمانيين العودة إلى عمان وأصبح العماني الآن لا يقل شأناً عن السعودي لأن ضمير السلطان قابوس لم يرضى بالهوان والذل لشعبه، فأعزه وأعزهم الله.

هل يا ترى ستصحوا ضمائر المتحاورين ويستشعروا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ويساهموا مساهمة فعالة وجادة في إخراج اليمن من هذه المآزق المتعددة التي ساهمنا نحن اليمنييون في خلقها لأنفسنا أكثر من غيرنا؟ هل يمكن أن يشعر أي متحاور بالآلام والرعب الذي يعيش فيه المغترب اليمني هذه الأيام ويرتقي بطرحه وأفكاره إلى مستوى الحدث وتقديم مشروع ليمن جديد يشعر فيه اليمني بالعزة والكرامة في بلده أولاً ويفرض على الآخرين احترامه والتأدب في التعامل معه خارج أرضه؟ هل يمكن أن يستشعر المسؤولية من يتحدث عن قضايا مناطقية مهمة ولكنها صغيرة حين تقارنها مع قضايا تمس كرامة وكيان اليمن ككل؟

باختصار، هل يمكن أن تحفز إهانة المغترب اليمني ضمير من نتطلع إليهم هذه الأيام من المشاركين في الحوار الوطني للقيام بلم شمل اليمن والتركيز على القضايا التي يمكن أن تصل بنا إلى ما وصل إليه المواطن العماني من التحرر من التبعية الإقليمية والاعتماد على النفس وانتزاع إحترام الآخرين له انتزاعاً في أسرع وقت ممكن بدلاً من المهاترات والتجاذبات والمناكفات السياسية التي لا طائل منها إلا مزيداً من التشرذم والتمزق ومزيداً من المهانة والإزدراء والابتزاز من قبل الآخرين؟

نسأل الله، مخلصين، أ ن لا يخذلنا فيكم، وأن يحقق لنا بكم وعبركم حلمنا الدائم للعيش بعزة وكرامة في وطنِ جاذبِ لأهله ومواطنيه وليس طارداً لهم، اللهم آمين.