السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٧ مساءً

عِداءٌ مُزْمن .. ( 3- 4 )

د . محمد ناجي الدعيس
الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
.. إن التجاوزات من قِبل بعض منتسبي النظم الأمنية والعسكرية ــ وهم يد القانون ــ يشمل غالبية الحياة المجتمعية تقريباً كالبلدية، والضرائب، والقضاء، والنيابة، والعدل.. الخ، ناهيك عن ما يحدث من اختلالات داخل بعض أقسام الشرطة وإدارات الأمن ومصلحة السجون وداخل النظم الأمنية والعسكرية نفسها من ممارسات تتنافى ومبادئ أخلاقياتها، والتي تُفضي في مجملها إلى قضايا شائكة حتى إذا ما خضنا فيها، وهي من تسهم في تأصيل المورث العدائي وتعميقه ليس لدى غالبية المواطنين فحسب، بل وبين النظم ذاتها.. وبسبب إساءة استخدام مهام المهنة ومعاييرها مع الآخرين يتداول بعض الناس مفاهيم مشفرة فيما بينهم يطلقونها على بعض منتسبي الأمن مثل ألحُرابي، النُماسي.. الخ، والامتعاض من مخالطتهم ومجالستهم خوفاً من رفع تقارير مغلوطة أو مشوهة ــ لغرضٍ أو آخر ــ عن حياتهم وعلاقاتهم أو حتى أحاديثهم، ومن الأهمية البالغة أن تستند تلك التقارير إلى المعلومة الدقيقة والصادقة حفاظاً على الأمانة وعدم ظلم الآخرين.

نحن هنا لا ننكر ما حققته بعض أجهزة الشرطة والأمن من نجاحات نسبية في مهامها الموكلة إليها ولكنها قد لا تكون بمستوى الطموح المتوخى، إما بسبب التحديات الداخلية والخارجية المفروضة عليها وإما بسبب تقادم بعض القوانين ونمطية التفكير لدى القائمين عليها التي تشكل عائقاً قوياً أمام التغيير والتحديث إما عن جهل علمي أو مهني فيسبب إحباط لدى المرؤوسين باللجوء إلى وسائل غير مشروعة مادية ومهنية.. ومن الضرورة أن تمثل النظم الأمنية المختلفة علاقات شبكية متكاملة فيما بينها لا تنافر وتداخل بين السلطات والصلاحيات التي تؤدي إلى عراك قادة النظم تُشغلهم عن مهامهم الرئيسة وترهل هياكل نظمهم، وهي ما أوجدت عدم الثقة فيما بينها من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى.. وقد يكون في تشخيصنا لواقع الشرطة والأمن مؤلم للبعض وشفاءٌ لآخر، ولكنها الحقيقة التي يؤمل منها شحذ همة الخيرين من قادة تلك النظم لإصلاح ما أعوج منها..

وحتى نكون على حيادية أو نقترب منها في طرحنا، فيجب أن لا ننسى بأن العسكري من الشرطة والأمن هو في الأصل يحمل صفة مواطن كما ذكرنا سابقاً، فهو يعانى من كل شيءٍ يعكر صفو المجتمع، كالغلاء وتراجع الدخول وفقدان العدالة، وفي تأمين صحته واستقرار حياته..الخ، كما أن أسرته تعانى من الخوف عليه والفزع من انتشار الجرائم، وتقاسى الحرمان والفقر، وتراجع مستوى المعيشة، وارتفاع مصاريف متطلبات حياتهم من غذاء وتعليم ومواصلات ومسكن..الخ، تماماً كجميع الأسر في المجتمع.. فرجل الشرطة والأمن الوطني والشريف يقاسمنا معاناة الظلم وقسوة العيش ليلاً ونهاراً، ورغم ذلك تبقى نظم الشرطة والأمن هي الشماعة الأخيرة التي يعلق عليها السياسيون خطاياهم، وتبقى النظم الأمنية المختلفة وخصوصاً وزارة الداخلية بكامل تكويناتهم هي الجهات التي تقف في وجه مدافع الرأي العام في أزمات قد لا تكون مرتكبتها بمفردها، وفى خلافات وصراعات تسهم في ظهورها جميع النظم الاجتماعية بنسبٍ مختلفة تتحمل النظم الأمنية والعسكرية النسبة الأكبر منها.. ومن وجهة نظري إن استعادة الأمن في الشارع اليمني تبدأ في أن يتحمل الجناة الحقيقيون مسئوليتهم عن هذا الإفساد المجتمعي، وأن لا يحملون هذا الجهاز القومي مسؤولية آثام لم يقترفوها، وأن لا يطالبونهم بحلول لخطايا لم تكن يوماً بأيديهم بل فرضت عليهم من القادة وشركائهم، وفى المقابل فإن النظم الأمنية المختلفة يقع عليها البدء في محاسبة بعض المسيئين لها من منتسبيها، لتعيد زرع ثقة المواطنين المفقودة بالعسكري في دائرة الشرطة والأمن، فلغة العصر تُفرض على تلك النظم أن تصنع جسوراً للتواصل مع الناس بحلول مبتكرة ومبادرات شجاعة لا ابتزاز فيها، جسورٌ تؤكد أن الشرطة والأمن والمواطنين في خندقٍ لمعسكرٍ واحد ضد خصم واحد هو منع الجريمة ورفع الظلم ومحاربة الفساد والإرهاب والتطرف بكل أنواعهم..

إن مهام النظم العسكرية الوطنية وقادتها كثيرة وكبيرة، وهي تُختزل بقيامهم بكل عمل يحول دون وقوع الجريمة في المجتمع، والمحافظة على أمن الوطن واستقراره، وعدم تسرب الفوضى والفسادِ بين أفراده حتى يهنأ الجميع بحياةٍ آمنةِ سعيدة، فمن مهام أفراد الشرطة والأمن : ـ

أولاً: حفظ النظام وتطبيق القانون فهو أساس العدل الذي يمثلان يداه، وإعادة الثقة فيهما بين أفراد المجتمع ورجال الشرطة والأمن على السواء، وأن إقامة الحدودِ الصادرة بحق المجرمين واجب وطني لا تخضع لأي معيارٍ سوى تحقيق العدالة بين الناس كافة.

ثانياً: التخطيط المنبثق عن المعلومة الدقيقة والصادقة لاتخاذ القرار السليم لمداهمةُ المجرمين والخارجين عن القانون في الأماكن التي يتم التأكد من تواجدهم فيها، خلال قيام رجال الشرطة والأمن بالمراقبةِ الدائمةِ والمستمرةِ للتحقق من أهدافهم المشبوهة وضبطهم وهم متلبسون بجرائمهم.. والسهر على استتباب أمن الوطن والعمل على راحة الجميع، من خلال القيام بالدوريات المتتابعة على مدار اليومِ والليلة في الطرق العامة، وفي داخل الأحياءِ والمجمعاتِ السكنية.

ثالثاً: بما أن رجل الشرطة والأمن هو رجلٌ مجتمعي فلزاماً عليه أن يخدم الآخرين بوجهٍ بشوش ولباقة حديث كل في تخصصه بمسؤولية مهنية طوعية دون مقابل ــ سياحية أو مرورية، وفي منافذ الحدود..الخ ــ فسجيته الحلم والصبر كمطلب أساس لمهنته، والعمل على تعويد الناس وإلزامهم بممارسة الطاعة للقانون، من خلال سلوكيات القدوة العسكرية لرجل الشرطة والأمن للقانون وعدم الخروج عنه، حتى لا تعم الفوضى، ويصبح الفساد عرفاً يحكم المجتمع.

رابعاً: تجسيد روح المحبة للوطن في الأداء بالمحافظة على مكاسب الوطن وأموال الناس وممتلكاتِهم الخاصةِ والعامة بغض النظر عن المنطقة أو القبيلة أو المكانة الاجتماعية، وصونها من أولياء الشيطان ومن في فلكهم.

خامساً: أن يظهر رجل الشرطة والأمن بمظهر لائق، في لبسه وفكره فهو من يتصدي لأهل البدع ــ الفتن ــ والأهواء ممن يحدثون ظواهر جديدةً داخل المجتمع تدعو للفرقة وتخالف منطق الإنسان في حق المواطنة العادلة والمتساوية. ...يتبع