السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤١ مساءً

الحوثية من صدمة الرحيل الى رحيل الصدمة

يحيى مقبل
الثلاثاء ، ٠٤ يونيو ٢٠١٣ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
لم يكن رحيل حسين بدر الدين الحوثي والصف الأول من رفقة دربه حدث مأساوي أصاب محبيه ومعارفه بالحزن والتحسر ولا حكاية تراجيدية عابرة تستدعي الندب والندم ، بل خلف رحيله شعور باليتم وترك فراغ مهول وفجوة لم تردم ليس في خولان عامر وحدها القبيلة التي احتضنته ورعته والتي فيها تكونت قاعدته الشعبية ، بل امتد ذلك الشعور الى شرق محافظة صعدة الى قبيلة همدان التي ينتمي اليها رفيقه ومحبه المعجب به حد الجنون وزميله في المجلس النيابي عبدالله عيظه الرزامي ابن قبيلة همدان بن زيد الشهيرة والتي تحظى بعصبية قبلية لا تضاهى وتملك من شرعية القوة ما يؤهل ابنها والمنحدر من اسرة مشيخية لخلافة المؤسس الراحل.

كان وقع نبأ رحيل القائد حسين بدر الدين الحوثي على صديقه الحميم وتلميذه المخلص ابن قبيلة همدان بن زيد عبدالله عيظة الرزامي كوقع نبأ وفاة الرسول (ص) على عمر بن الخطاب ، فلم يصدق هذا الأخير نبأ رحيل الرسول وتهدد من يقول بموت النبي بمقولته الشهيرة ))إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي وإن رسول الله والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات )) ،إلا ان عمر بن الخطاب تراجع عن مقولته تلك حين تلا عليه ابي بكر قول الله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ] ولأن للقرآن الكريم سلطة مرجعية عند عمر تضاهي سلطة النبي نفسه فقد تراجع عن انكاره لموت النبي (ص)، أما عبدالله عيظه الرزامي فلم يتراجع لأن شخص القائد المؤسس حسين بدر الدين الحوثي المؤمثل أعلى سلطة مرجعية من أي شيء آخر فالقرآن لا يفهم الا من خلال تفسيراته وتأويلاته.

كانت الرزامات بعد الحرب الاولى هي وجهة من تبقى من الاتباع بعد ان فجعت قبيلة خولان عامر الممتدة غرب محافظة صعدة برحيل القائد وكل رجالات الصف الأول وبعد ان خلت الساحة للمشايخ والذين كانوا قد فقدوا مكانتهم الاجتماعية في ظل تنامي الحركة الحوثية فرأوا في مساندة الدولة ومناصرتها فرصة سانحة في استعادة نفوذهم وسلطانهم ومكانتهم الاجتماعية المهزوزة، فمارسوا الطغيان والوشاية والابتزاز على مواطنيهم لا سيما من عرف بميوله وتعاطفه مع الحوثي، ولأن الفرقة الأولى مدرع والمعروفة بميولها الأيديولوجية السلفية هي المعنية بالأمر فكانت تمارس نهجا اجتثاثي استئصالي للمتأثرين بالفكر الحوثي منطلقة من معرفة سطحية بالمجتمع وقيمه الدينية وخلفياته الثقافية والمعرفية .

أنسل المؤيدون للفكر الحوثي تحت وطأة الضغط المشائخي والعنجهية العسكرية الى الرزامات حيث يوجد أقوى الاتباع المؤيدين لفكر حسين بدر الدين الحوثي عبدالله عيظه الرزامي ليلتحقوا بمن سبقهم من الاتباع ممن لم يتمكنوا من التسلل الى مران اثناء الحرب الاولى.

لم يكن في الساحة في تلك اللحظة غير الرزامي يستطيع احتضان الاتباع ومواجهة الدولة لأنه يستند الى قوة قبيلته او بالأحرى الى جزء منها حيث كان الجزء الاخر يتبع خصمه عبدالله حامس العوجري.

فالأخوين يحيى ومحمد بدر الدين الحوثي لم يكونا متحمسين في البداية لمشروع اخيهما بما فيه الكفاية ، وكان الأول حينها عضوا في مجلس النواب وعضوا في الوساطة وفي تلك الاثناء فضل البقاء في صنعاء بعيدا عن ساحة المواجهة
وكذلك فضل الثاني البقاء في الظل ، كما انهما يفتقدان في تلك اللحظة لحظة ما بعد الرحيل الحاضن الاجتماعي (القبيلة)الذي كان للمؤسس الراحل كما هو لعبدالله الرزامي ايضا كان محمد والذي يتمتع بقدرة قيادية وتنظيمية بعيدا عن قبيلة خولان عامر _الحاضنة الأولى _ من البداية وكان يسكن ضحيان المنتمية الى قبيلة جماعة ، ايضا لم يكونا ذوي سابقة فلم يشاركا في الأولى كل هذا جعلهم غير منظور اليهم لسد الفراغ الذي خلفه رحيل المؤسس.

كان عبد الملك الحوثي قد توجه فيمن توجه الى الرزامات وكان حينها في الهامش ، فشخصيته القيادية وكاريزماه لم تتبلوران بعد.

دارت رحى الحرب الثانية في الرزامات بعد ان احتضنت الاتباع والمؤيدين وبعد أن وجهت الدولة اليها حملة عسكرية
كان المقاتلون بقيادة الرزامي قد تعلموا من حرب مرآن الأولى ان التمسك بالجغرافيا خطأ قاتل فحين رأوا انهم يخوضون حربا خاسرة انسحب من تبقى منهم ،كانت الجماعة مثخنة الجراح بل على الشفير ومما زاد الطين بلة انشطار الجماعة في ظروف يكتنفها الغموض .

رغم ان عبدالملك الحوثي لم يكن في المتن حين كانت رحى الحرب الثانية تدور في الرزامات ،الا انه كان ذو رأسمال من سابقة و حظوة عند أخيه حسين فقد خاض غمار الحرب الأولى الى جنبه ، كما كان رفيق ابيه المحبب وكان يتلقى على يديه دروس في علوم القرآن و الفقه واللغة واصول الفقه وعلم الكلام والتاريخ ، وحين غادر والده اليمن الى طهران خوفا من السلطات أقام معه طيلة مدة اقامته هناك وتفرغ لمساعدة ابيه في تفسير القرآن الكريم، ومن هنا تكونت خلفيته الثقافية.

إذا لم تنشأ شخصية عبدالملك الحوثي من فراغ بل كانت له حظوظ وفيرة اذا ما قورنت بحظوظ بقية اخوته.

لم يكن لافتقاد عبدالملك الحوثي الحاضن الاجتماعي في تلك اللحظة الزمنية التي تلت الحرب الثانية أي اهمية لأنه كان في جغرافيا فارغة ومفتوحة بين اليمن والسعودية لا تخضع لسلطان أحد ما جعلها قبلة جاذبة وبيئة حاضنة ومأوى آمن .

أشرنا فيما سبق الى ان ضغط العسكر المتحالفين مع المشايخ والوجاهات القبلية جعل الكثير من مؤيدي المؤسس الراحل ينسلون خفية الى الرزامات لخوض غمار الثانية ،ايضا فقد خلقت ممارسات العسكر والمشايخ الاستفزازية من غير المتعاطفين مع الحوثي متعاطفين ومؤيدين وان لم يشاركوا في الحرب الثانية لكنهم بعد الثانية توافدوا الى مطرة في هجرات فردية وجماعية ليقدموا الدعم والولاء للقائد الشاب وليعلنوا تذمرهم وسخطهم من تصرفات الثنائي الدولة والمشايخ بعد ان استعاد المشايخ الدور السياسي الذي أنيط بهم وهو نتاج مصالح مشتركة بين النخبة السياسية الحاكمة والنخبة القبلية التي كانت قد تهمشت بفعل الحركة ، فمنحت النخبة السياسية النخبة القبلية بعض الأدوار السياسية كثمن وضمانة لاستمرار ولائهم ودعمهم للنظام ، لكنه بالمقابل كثر الناقمين عليهم فكانت مطرة ونقعة بمثابة متنفس حر لكل المتذمرين ، ومن هذه الجغرافيا المفتوحة أديرت اربعة حروب تمددت بعدها الحركة في طول وعرض البلد. ما يشهد لعبدالملك الحوثي بقدرة فائقة على الادارة والقيادة والتنظيم واتخاذ القرار بمساعدة من أترابه ورفاقه المحيطين.