الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٤ مساءً

مكافحة ظاهرة الغش!

د . محمد نائف
الأحد ، ١٨ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
الغش في التعليم بكافة مراحله في اليمن ظاهرة مخيفة لا تؤثر على مخرجات التعليم فحسب، وإنما على قيم وأخلاق المجتمع اليمني في كل مناحي الحياة، فمن يغش نفسه ويترعرع ويتربى على الغش أثناء المراحل التعليمية من الإبتدائية حتى التعليم العالي على مدى ستة عشر عاماً على أقل تقدير، لا أظن أنه سيتورع عن ممارسة أنواع الغش المختلفة حين تسنح له الفرصة بعد ذلك لأنه لا يعتبر الغش أمرغير أخلاقي ينبذه المجتمع، بل إنه قد يستغرب إن عبت عليه ممارسة الغش!

في سياق الغش في مجال التعليم، حاولت وزارة التربية والتعليم ممثلة بوزيرها التربوي النشط، الدكتور عبدالرزاق الأشول، الحد من ظاهرة الغش المتفشية في المدارس وعلى وجه الخصوص أثناء إختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة هذا العام وذلك عبر وضع أسئلة الإمتحانات على كراسة الإجابة واستخدام نماذج متعددة لكل اختبار وهي إجراءات ومحاولات جادة من قبل الوزارة يجب أن نقدرها ونشكرها عليها غير ان الأمر لا يجب أن يتوقف عند حد منع الطالب من الغش وإنما يجب أن يتعداه إلى الأخذ بعين الاعتبار خطر من يسهل عملية الغش من بعض أعضاء لجان مراقبة الإمتحانات وأفراد المجتمع بصفة عامة.

سمعنا هذا العام وفي الأعوام السابقة أثناء امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة عن قصص غريبة وعجيبة تتمثل في تصرفات من قبل بعض أعضاء لجان المراقبة وأفراد من المجتمع تعمل على تقويض محاولات الوزارة الجادة للحد من ظاهرة الغش في المدارس والمعاهد التعليمية، وإليكم نماذج بسيطة لتوضيح حجم وفداحة تأثير ممارسة الغش على مهنية وأخلاق العاملين في مجال التعليم والمجتمع اليمني برمته:

1. يقوم بعض المراقبين وأعضاء لجان الاختبارات بتسهيل وتذليل ممارسة الغش أثناء الامتحانات وتشجيع الطلاب عليه وفرضه حتى على أولئك الذين ليس لهم رغبة في الغش إما للحصول على مقابل مادي أو لتجنب التصادم مع الطلاب وأولياء أمورهم، وهم بذلك يخونون الأمانة التي أوكلت إليهم، ولا يتطلب هذا الأمر عناءاً كبيراً للتحقق منه، فما على الوزارة إلا أن تكلف لجنة لتقصي الحقائق وذلك بأخذ عينة من الطلاب الذين تقدموا للإمتحانات هذا العام ومقابلتهم لمعرفة ما يحدث في قاعات الإمتحانات من قبل بعض المراقبين وأعضاء اللجان الإمتحانية لأن ما يجري هناك يجهض أي محاولة من قبل الوزارة للحد من هذه الظاهرة المتفشية والمنتشرة بصورة قوية في كل أرجاء اليمن ويشرعن ويعزز ممارستها في مجال التعليم وغيره من المجالات الأخرى.

2. في بعض المناطق، وفي الريف على وجه الخصوص، يستعد بعض أولياء الأمور والمنتفعين من موسم الإمتحانات بالمولدات الكهربائية وآلات النسخ والرجال الأقوياء الأشداء والمسلحين أيضاً لاستخدام السلاح إذا اقتضت الضرورة بالقرب من مراكز الإمتحانات، وحين تحين ساعة الصفر في بداية الإمتحان يتم تسريب الأسئلة إلى خارج مركز الإمتحان للإجابة عليها ونسخها وإدخالها إلى المركز مرة أخرى من أجل أن توزع على القاعات وتصل إلى الملهوفين من أبناءنا الطلاب لنسخها في كراسات امتحانهم. أيضاً، هذا الأمر لا يتطلب عناءًا ومشقة للتحقق منه من خلال تقارير اللجان الإمتحانية عن سير عملية الإمتحانات في المراكز المخصصة لذلك في كل محافظة.

إذاً نخلص من هذا الشرح المختصر إلى أن محاولات وزارة التربية والتعليم للحد من ظاهرة الغش أثناء الإمتحانات عبر وضع نماذج مختلفة لكل اختبار وطبع الأسئلة على كراسات الإجابة ربما لا يكتب لها النجاح في ظل إجهاض بعض القائمين على الإمتحانات وبعض أفراد المجتمع لهذه الإجراءات والجهد الجبار الذي تبذله الوزارة! وأصبح من الواضح أن الغش لم يعد يقتصر على قطاع التعليم وإنما تعداه كما أسلفنا إلى كل مناحي حياتنا، فاصبحنا نلاحظ الغش في كل ممارساتنا اليومية بدءاً من صاحب البقالة الذي قد يبيعك مواد غذائية منتهية الصلاحية، والصيدليات التي قد تبيعك علاجاً مهرباً ومنتهي الصلاحية، ومحلات العسل التي قد تبيعك عسلاً مغشوشاً، ومحلات الجزارة التي قد تبيعك لحم مواشي مريضة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي, ومحلات الزيوت التي قد تبيعك زيت سيارات يتضح لك بعد حين أنه زيتاً مقلداً أو مغشوشاً حين تتوقف سيارتك عن الحركة وتخسر الذي ورائك وأمامك في محاولة منك لإصلاحها، إلى آخر ذلك من ممارسات الغش في كل أوجه حياتنا اليومية التي قد يحتاج المرء أن يؤلف مجلدات عنها وليس كتابة مقال هنا وآخر هناك!

ما العمل إذاً لنُخَلص مجتمعنا من هذه الآفة الاجتماعية التي انتقلت من التعليم إلى كل شيء وأصبحت تنخر في قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا وتضرب بتعاليمنا الإسلامة التي تحثنا على نبذ الغش بكل أشكاله وألوانه عرض االحائط؟ ربما يكمن الحل في أن تقوم الحكومة برمتها وليست وزارة التربية والتعليم فقط بتبني حملة لمكافحة ظاهرة الغش على غرار حملة "مكافحة ظاهرة الإرهاب" ليس في مجال التعليم فقط وإنما في كافة المجالات، فقد استشرى الغش الذي يتربى ويترعرع في كنفه الأطفال والشباب أثناء مراحل التعليم المختلفة على مدى ما يقرب من ستة عشر عاماً وينسحب بعد ذلك على كافة ممارساتهم اليومية. كما يعرف الجميع، أطفال اليوم هم قادة المستقبل وما يغرس ويترسخ في أذهانهم ويتربوا عليه في مراحل التعليم المختلفة يعاد انتاجه في صورة ممارسات للغش بكل أشكاله وألوانه في المستقبل في تعاملاتهم اليومية في المنزل والشارع والعمل. وسنترك المجال لأهل الإختصاص من علماء الإجتماع لدراسة هذه الظاهرة دراسة علمية لنرى حجمها ومدى خطورتها على المجتمع اليمني تربوياً ونفسياً واجتماعياً وأخلاقياً وسلوكياً وعلمياً، إلخ.

يا ترى، هل تعي الجهات الحكومية خطورة ظاهرة الغش وتتمحل المسؤولية تجاه المجتمع وتوجه جهودها نحوها وتستأصلها من جذورها من خلال توعية المواطنين بمخاطر هذه الآفة على المجتمع اليمني عبر وسائل الإعلام المختلفة ومعاقبة من يمارسها بعقوبات تتناسب مع حالة الغش التي يقدم عليها حتى يكون عبرة لمن تسول له نفسه ممارسة مثل هذا السلوك؟

نتمنى من الأعماق أن نرى بلدنا خالية من ظاهرة الغش في قادم الأيام في مجال التعليم وفي كل مناحي حياتنا اليومية الأخرى، وكل عام والجميع بألف خير وصحة وسلامة من كل الشرور والبلايا والمحن.