الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٩ مساءً

استووا.. استقيموا واعتدلوا...

نجيب المجيدي
الجمعة ، ١٣ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
تعس من ظن أن هذا في الصلاة فقط!

استووا يا عباد الله.. استووا على صراط الله المستقيم, واستقيموا واعتدلوا في معاملاتكم, في بيوتكم, وفي أماكن عملكم, اعتدلوا واستقيموا بأخلاقكم وفي مجالسكم, اعتدلوا في جميع شؤونكم.. حاذوا بين المناكب والأعقاب, وشدوا إزر بعضكم بعضاً.. لا يخرج أحدكم من الصف, لا يتقدم ولا يتأخر, ولكن يبقى ملتزماً في الصف محاذياً لإخوته يسندهم ويسندونه.. وإياكم يا عباد الله أن تدعوا فرجات للشيطان, إياكم ثم إياكم, فإنه يتربص بكم, ويتحين الفرصة ليدخل بينكم, فيوقع بينكم العداوة والبغضاء, ويغري بعضكم ببعض..
ثم احذروا أن تستهينوا بوحدة الصف, ووجوب إقامته فوالله لتقيمُنّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم.. نعم يخالف الله بين قلوبكم, فلا تستقيمون على رأي ولا تجتمعون على كلمة, فيستقوي عليكم الأعداء ويومئذٍ لا تنصرون.

يقول الله تعالى: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً, كأنهم بنيان مرصوص", ربنا جل في علاه, يحبنا ونحن متراصون ثابتون لا نزول عن أماكننا, كالبنيان المرصوص.
هلا تركنا ذلك الكبر الذي يعتمل في الصدور ويظهر أثره في التعامل.. هلا سمونا بأنفسنا عن المصالح الشخصية, وحظوظ النفس الدنيئة, وامتثلنا أمر الله, وتمثلنا حديث الرحمة المهداة محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه حين قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"

إن رص الصفوف والتقارب وأثره على صلابة المادة هي سنة كونية فنجد أكثر المعادن صلابة وتحملاً هي تلك التي تتقارب جزيئاتها وذراتها وتتلاحم فيصير من الصعب كسرها, بينما المواد التي تتباعد ذراتها تطيش وتتفرق ولا تظهر أي مقاومة أو تلاحم.

إذا ألقينا نظرة على الوسط السياسي والإعلامي العربي ككل, نجد أن دعاة الفتنة والتعصب هم أعلى الناس أصواتاً, تجد لهم قبولاً وتجاوباً كبيراً, وهذا ما يجعلهم يرفعون من وتيرة نشر الأفكار المتعصبة التي تلغي الآخر ولا تضع اعتباراً له, وفي نفس الوقت تمجد فريقه أو جماعته التي ينتمي إليها.
بينما نجد دعاة الاعتدال والتوسط يتكلمون على استحياء, ولا يجدون من يصغي إليهم, إنهم مظلومون في هذا الزمن, إذ أن كل فريق يعاديهم ويعتبرهم خونة وأنهم قد تخلوا عنه, وذلك لأنهم لم يباركوا ظلمه, ولم يوافقوا على خطئه!

عزيزي السياسي.. عزيزي الصحفي.. عزيزي الكاتب والمُفكّر والمُنظّر..
تأمل قول الله تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم", وإياك أن تغتر بكثرة المؤيدين فإن الله تعالى يقول: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون", إن طبيعة المجاميع البشرية الجنوح للعاطفة. والخطاب المتعصب والمتهور وغير المتأني يغلب عليه الأسلوب العاطفي, ولذا من الطبيعي أن تجد تأييداً من الكثيرين ولكن اعلم أنك وحدك ستتحمل تبعة تفريقك وشقِّك لصف المسلمين.

إن دولة الإسلام قُسِّمت سياسياً إلى عدة دول, ثم قُسِّمت طائفياً إلى مذاهب وفرق فهذا سلفي وهذا إخواني وهذا زيدي وهذا شافعي, ثم فكرياً إلى يساري وتقدمي وقومي وليبرالي... الخ, وفي كل مرحلة يجري تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ. فمتى نعي خطورة ما نحن فيه, ونبدأ في وضع معالجات وحلول تعيد لنا وحدتنا المفقودة وتعايشنا السلمي, فحينها فقط نستطيع أن نتفرغ لبناء مجد لطالما بكيناه.