السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٠ مساءً

العَصَا بين السياسي والجاهل..!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
مُنذ اختلال توازن معادلة عولمة النظام العالمي بين المنظومة الاشتراكية والرأسمالية، وانفراد الساحة لقطب واحد دون منافس..وأصبح الهاجس الرئيس لراعي النّظام العالمي الجديد وهدفه هو السيطرة على الشعوب قاطبة، بأي وسيلة ولتحقيق ذلك الهدف خاض ولازال حروباً شرسة وإن اختلفت في الإستراتيجيات وآلياتها، ــ كاستخدام التقانة أو الثقافة وإن وصل الحد إلى استخدام العصا ــ لا يمنعه ذلك تحت أي مبرر لخلق إختلالاتٍ مجتمعية لترويع وإذلال الإنسان وخصوصاً العربي أينما كان.. واستحق الراعي العالمي بموجب عصاه أن يُنصب نفسه وصياً لاختراق سيادة الدول ويقمع بعصاه الطويلة رعيته وخصوصاً العربية منها.

إن التراجع المُخيف والمُهين للوطن العربي وشعوبه في كل الميادين، التربوية، والتعليمية، والبحث العلمي، وفي النموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وفي حقوق الإنسان وفي الحريّات الديمقراطية الحقيقية، وكذا في إدارة السلطة وفي السياسة..الخ، نُسلم بأن ذلك التراجع كان بسبب الحقبة التي عاشها الغالب من الشعب العربي في عزلة مستدامة ولازال يعيشها، مكبّلاً بسلوكٍ لمفاهيم وعادات وتقاليد يعود جزء كبير منها إلى قصور ــ أو كما أريد له ذلك ــ في أنماط تفكير قادته ورؤاهم تعيق تطوره وقيامه بدوره المنوط به، ذلك الفكر اتخذ من الكذب عقيدته الأساس ــ وهو خيانة وطنية ودينية فاسدة ــ ليكون الإلغاء والإقصاء والانتقام والاضطهاد والاستبداد لكل من يعارضه، برغم أنه يعيش في ظلّ عصر يتسم بتحولات وتغيرات في شتى المجالات. ومن المعروف أنّ أيّ شعب هو نتاج ثقافة بيئته ومولود عادات وتقاليد فكره فضلاً عن تأثيرات محيطه الذي يعيشه سواءً في مجالات سياسية أم ثقافية أم اقتصادية أم فكرية..الخ.

إن الافتقار في كيفية التواصل والاتصال مع الآخر يُعد الركيزة الأساس التي تشكل عائقاً صلباً في تأطير الرؤى والأفكار ضمن أرضية مشتركة تعني بما يصبوا إليه الناس وتهم مكونات وطن، ومحطات كثر تشهد إضافة إلى أن واقع الحال يؤكد قولنا هذا.. فنجد شريحة من النخب المثقفة والأحزاب والقبيلة، والجيش ..الخ، نجد أن الأصل في تعاملاتهم مع الآخر هو الإقصاء الذي لا ينشأ إلا من تقاطع المصالح الشخصية والفئوية وما في مستواها على حساب مصلحة وطن واستقراره.. أم ماذا نسمي ما يحدث؟ أهو جهل مركب ومقصود ؟؟.. وفي اعتقادي أن الخطر الأعظم الذي يتهدد بناء أوطان اليوم، ويتحدى الثقافات كافة، هو واقع تلك الثقافة المادية الجشعة المعاشة سلوكاً أكثر مما هي فكراً.. المادية التي دفعت ولازالت تدفع البشر إلى أن لا ينظروا إلى حاضر أوطانهم ومستقبله إلا بمنظار مدى تملكهم للأشياء وللثروة وللقوة، وأن يحنوا هاماتهم أمام أصنام تستعبدهم وتلغي إنسانيتهم وكرامتها.. يلهثون وراء رموز القوة والسيطرة، ونزعة العملقة والعظمة، متجاهلين خطر الدولة القادمة التي قد تشكلها الأغلبية من مجاميع العاطلين والفقراء والتي ستجرف كل من يقف أمامها.. فمن صنع تلك المعادلة المُعولمة اللا متوازنة ومع الأسف لازالت أقلية تمارسها لهدم وطنها؟!

من تلك المعطيات نجد أن الساحة اليمنية في ظل غياب دولة المؤسسات والعمل المؤسسي غنية باستقواء عصا الرعوي ــ شيخ، أو فئة، أو ضابط،..الخ، ــ على الراعي أكان مسؤولاً في الدولة أم رئيساً، فنجد أن الرعوي يرفع عصاه ليس على أخيه الرعوي وحسب، بل يقوم برفعها على الراعي دون أي رادع يردعه، فمتى شاء قطع الكهرباء على شعب بأسره، أو فجر أنبوب نفط، أو قطع شارع عام في وضوح النهار بنصب خيمة عُرس أو عزاء في وسط الشارع، أو قطع طريق عام رئيس بين المحافظات، أو أربك حركة السير أثناء الذروة بأن يعكس الاتجاه متجاهلاً كل الأعراف والمبادئ والقيم المرورية والإنسانية، أو أن يخطف ويقتل بعصاه تلك جهاراً نهاراً داخل المدينة أو أمام مركز أمني في تحدٍّ صارخ لعصا الراعي أو من يمثله، حتى في حوارنا الوطني الشامل لا يكترث بأن مخرجات الحوار ستكون لمصلحة وطنه، ولا يرضخ الرعوي عن إعاقة مجريات الحوار إلا متى ما لوّح بعصاه الراعي الأكبر من خارج الحدود الجغرافية والسيادة والوطنية..!! إن الوطنية لا تعني مطلقاً الحقد والكراهية وخلق الفتن للانتقام والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد في سبيل شخص أو قبيلة أو حزب ..الخ، ولكنها تعني وطن بكل مكوناته..

أليست العقلية التي تخلق المبررات والذرائع لتمديد فترة الرئاسة في اليمن ــ أكانت داخل مؤتمر الحوار أو خارجة ــ هي عقلية تعيش بنفس رؤى وفكر عقلية الأمس التي ظلت تمدد بذرائع شتى؟ قد يقول قائل الرجل ليس له إلا سنتان فقط، نقول له باقتضاب هو مبدأ تم الوعد به من قِبله وقد شهد الداخل والخارج عليه، ــ ووعد الحرُّ دينٌ عليه ــ لتأسيس ذلك المبدأ بغض النظر عن الفترة وعلى خَلفِه إكمال المسيرة، ولا داعي لاستخدام شماعة الفشل بأوهام بالية تمارس على هذا الشعب المغلوب على أمره، كمبرر للتمديد لأن الرجل هو رجل المرحلة..! وهو لا يأمن على نفسه يوم واحد فلا عصا يملكها ولا عصا تحميه إلا لغرض ضيق الأفق.. وهو تمديدٌ في اعتقادي لا يشرف هادي، وأختم بالقول بأن الرجل من لسانه يَحْبَل، وما دام قد حَبِلَ وقال سوف أُسَلّم بعد سنتان فليسلم في الموعد الذي حدده مسبقاً.. أم أننا نعيش زمن اللا رجال؟!