الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤١ مساءً

حراكيش وخفافيش..!!

ياسين الرضوان
الأحد ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
شيءٌ جميلٌ أن تنشأَ حِرَاكاتٍ - إن صحَّ التَّعبير - ثوريَّةٍّ أو تحرُّريِّةٌ على غِرار الحراك الجنوبي ، الذي تصدَّر المضمار منذُ فترةٍ ليست بالوجيزة ، والذي احترف هذا الدَّور بعد نشوئه في وقتٍ مبكِّرٍ ، وإن كان لنا عليه - رغم كل هذا الزخم - ملاحظاتٌ سنُورِدُها لاحقاً في تقريرٍ خاص ؛ لأنَّ ذلك لم يكُن إلَّا نتاجاتُ واقعٍ مؤلمٍ ومريرٍ ، قاسى فيه الجنوبيون من الظُّلم واللَّأواء وكل أنواع الاضطهاد ، ليُعلن مِيلاده بين فكِّي وحشٍ كاسرٍ يشحذُ أسنانه ، وكان استمراره بالحياة - حينها - أشبه بمعجزةٍ تمشي بلا رأسٍ ولا قدمين ، حين وجد نفسه أمام مِقصِّات حلاَّقين رديئي السُّمعة ، ولا يُرجِعُهم شَيءٌ عن ارتكاب أيِّ فضاعةٍ أو بشاعة ، أو العبثُ بِكلِّ شيءٍ .. نعم أيَّ شيء .

كانوا حينها قد عبثوا بسُلالة بلدٍ زاخرٍ بكلِّ أطياف السَّعادة ، وأتبعوا ذلك بعمليَّتي بلعٍ وهضمٍ غيرُ سويَّتين أبداً ، والتَّكلم اليوم عن نشوء حراكٍ مُفاجئٍ ، لم يعُد أمراً ذا أهميَّةٍ مُطلقاً ، ذلك أنَّ مقوِّمات "الخنق والتَّضيق" قد نُسِفت إلى غير رجعةٍ ، فأصبح مُصطلح "الحراك" مشروعاً ناجحاً ، يستقطِب إليه العديد من تجَّار السِّياسة ومستثمروها ، الذين أبهرهم مشروع "النسخة الأصل" للحراك الأوَّل ، لتُضحِيْ معها مشاريعهم المزوَّرة مشوَّهةٌ قبل الميلاد ، وأصبح إنطلاقها أشبه بالمؤامرة التي يُتَوَجَّسُ مِنها خِيفةً .

ثم إذا لم تكن مُجرَّد لِعبة للمنتفعين - المبتزِّين حالياً - على بُسطاء القوم سَتُوْأَدُ حين تُلبِّي أغراضها ! ، أو لنتساءل تساؤلاً بسيطاً : متى ستنزل أولى مليونيَّاته وكرنفالاته إن كان صادقاً ؟! فالوقت سانحٌ اليوم أكثر من أيَّ وقتٍ آخر ، لتتويج الحراك الشمالي الذي سيتبعه الأكثريَّة فيما لو صدق ! ، أم أنَّه ينتظر نضالاً تحت جبروت قُبَّة هادي وعائلته عشرون عاماً أخرى ، كما فعل أخٌ له من قبل " الحراك الجنوبي" ، وإذن إن شاء ذلك ، فالوقت أمامه طويلٌ طويلْ ، وكان الله بعدها في العَوْن .. !

نتحدُّث عن أولئك البُسطاء الذين تمُّ استقلال عواطفهم لفترةٍ ما ، قبل أن يتنَّبهوا طبعاً ، حيث أنَّ تلك المشاريع الجهويَّة تنطلقُ فجأةً ، وتنتهي هكذا فجأة كما ابتدأت ، عند تحقيق أهدافها المتميِّزة بـ"أمدها القصير" دائماً ، والتي تخدم الفئة المتنفِّذة لا المسحوقة التي تستحقُّ - حقيقةً - النِّضال والتضحية من أجلها ، وبهذا يُصبح الأمر أشبهُ بـ"حملٍ كاذبٍ" دغدغ عواطف ومشاعر إخواننا الشَّماليِّين ، الذين نُكِنُّ لهم كلُّ محبَّةٍ وتقدير ؛ رغم الاختلاف البينيِّ المُطلق ، والذين علَّقوا على نشوئه الكثير من الآمالِ والأمنيات ، وسرعان ما يختفي ذلك الحملُ و يرحلُ حاملاً معهُ خيبةٌ أملٍ بحجمِ الفراغ !

خُذْ عندك مثلاً الحِراك التَّهاميُّ ، كان حِراكاً جميلاً من الدَّاخل ولا يزل ، ويحملُ في طيَّاتِهِ الكثيرَ من المُعَانَاةِ ولكنَّ عديمي الإحساس والضَّمير ، استقلُّوه لضربِ وتحقيقِ مآربَ خاصَّةٍ بهم ، بعيداً عن القضيَّة الأصل ، واليوم ها نحن ذا نشهدُ ارتقاء حراكٍ جديدٍ عَنْوَنَ نفْسَهُ تحت مُسمَّى "الحراكِ السَّبئي" ، وآخر حمل اسم "الحراك المأربي" ، وتنتشر "سُنَّة" حراك الجنوب في كلِّ مكان ، ولكن للأسف هذه المرَّة أستخدم أحد أهمِّ الأقطاب المعروفة في البلاد و أقواها وإن أخفت قوَّتها ورقة "الحراك الشمالي" هذه ؛ كي تلُمّ وتجمِّع شعث الحركات الشِّمالية الأخرى تحت طيفٍ واحدٍ وجديدِ ، يزْعُمُ أنَّهُ أمثلُهُمْ طريقةً وأحسنُ رأياً ، وبهذا يكشف هذا الحراك توجه وسوءة محسن نحو إضعاف بعض القوى والاستفادة من هذا الإضعاف وإقامة قوته على رُكَامِ ذلك الضَّعف .

حِراكُ "طوَّاف" الطَّائفيُّ والمُتطرِّف بامتياز ، ولِدَ - للأسف – مشوَّهاً ( وهذا ما لم نكُن نأمله ) ، وعند مَوْلِدِهِ نُسِبَ لأبٍ غيرِ شرعيٍّ ، أمَّا لماذا غيرُ شرعيٍّ فلأنَّه يحمل عقليَّةً مُتأزِّمة ومعوَّقة فكريَّاً ، تخيَّل كيف له أن يصف الجنوبيِّين بـ( ضميرٍ جمعيٍ ) أهوج ، ودائماً ما نقول ونُكرِّر للجُهلاء فقط :"التَّعميم يُوقِع في الخطأْ " ، وهنا أُخاطب كل ذي انتماءٍ جنوبيٍّ أو شمالي بهذا ، فلا الجنوبي يقدح في إخوانه الشماليين الذين نكنُّ لهم كل محبةٍ واحترام ولا العكس ، فنحنُ لا نَصِفُ يهوداً ولا النَّصارى إنَّهم إخوةٌ لنا مسلمون مثلُنا ، وبالتَّالي العقلية النَّازيَّة التي تصف الجنوبيين بعدم المروءة ، وو... (مالا أريد أن أذكره)، وبهذا تصحُّ مقولة القائل :"الجاهل عدوُّ نفسه" . ، وبذلك نجد من بعض المراهقين من أولاد الشوارع الذين يسيؤون للقضية الجنوبية بعلمهم أو بدون علمهم والمحسوبين عليها هم مثل عقلية ( السَّفير .. المُستشار .. المُثقَّف ) طوَّاف (مُفَارقةٌ ربَّما تكونُ جميلة .. ربما) !! .

كان بعض الجنوبيِّين يستشيطون غضباً ، من تصرف بعض الأشقياء ، ولكنَّ بلاهة طوَّاف المُندفعة صبَّت لصالحهم حيث أتت لتساوي بين شبابٍ طائشٍ لا يسمعون إلا لجيوبهم وبين رجلٍ برتبة سفير .. ، وهم بهذا يقولون : تساوينا بِمُراهقين من نوعٍ واحدٍ ، دائماً ما يُحَرِّفُ الكلِم عن مواضعها و يُعيد الكرَّة من جديد بنفس الطِّريقة الزُّمينيَّة المُبتذلة ، نستغرب كيف يستقلِّون ضعف الناس تحت عناوين برَّاقة يُبرِزون عليها لمسةً من حقٍّ ، كالشَّياطينِ تماماً يصدِّقون مرَّة ليبنوا على صُدفة صِدقِهم تلك ألفُ كِذبةٍ وكِذبة ! .

منذُ البداية مُنحت لهذا الحراكِ مَسَحَاتٌ من بركات سيِّدنا الشَّيخ وأخيه المُستشار الأعظم ، هذا الحراك وزعيمه أنتج نفسه بصورةٍ بشعةٍ ومشوَّهةٍ من البِداية ، وبدأ يلعبُ بقواعد تكتيكٍ كاذبةٍ خاطِئةٍ ، يلعنها من يدَّعي باسمهم وقبل الجميع ، ولم يستطع حتى تسويق مشروعه وأجندته من ذو الوهلة الأولى ، وهو بهذا يعدُ من يتبعه بمتاهاتٍ لها أول ، وليس لها آخر ، عكس ما كان الحراك التهامي عليه ، والذي "أُدير" بذكاءٍ وخبثٍ شديدين من قِبل المستفيدين الذين قطفوا ثماره السِّياسية باكراً ولن يكتفوا لاحقاً .

كان الأحرى بمن قَّدَّم نفسه "زعيماً للحراك الشمالي" أن يتخلَّص من شهوة الكسب السريع ومن جشع القيادة ، وأن يتمَّ تسليم الدَّور لغيره من الشخصيات الحقيقية وما أكثرها ، ولا نمانع أن يلعب "سياسة" من خلف السِّتار ، ولكن كعادته يهوى الظُّهور ، مستهيناً بعقول النَّاس ، وظناً منه بأنَّهم لا يفقهون شيئاً ، صدَّق أنَّ النَّاس في هذا البلد ينسون سريعاً كلَّ شيءٍ ، علَّه يُحقِّق مأرباً خاصَّاً "تهيئةً له" ، ويكبر قليلاً دون عِلم سيِّده الذي يحلُم أن يكون في يومٍ من الأيَّام مثله أو حتَّى وريثاً له ، قربه من "العيال" أوصله إلى لقب "السفير" كما ضلَّ ينشد دائماً بعد أن استغلَّهم ، حتى انتقاله الى صفِّ الثورة كان طمعُه هو الذي يُفكِّر لا عقله ، وبهذا قراءتُه أخطأت عند لَعِبِهِ بالمربَّعاتِ الخطأ .

إنَّ من يراقب حركات وانتقالات هذا الرجل سيفهم شخصيَّته المركَّبة ، وأقصد بالمركبة هنا "تناقضاته في ما يقول" ، تسكن في تلك التناقضات أشياءٌ يلاحظها من يفهم معنى الابتزاز الذي يريد أن يحمي الناس من صلفه وإرهابه ، والذي يمارسه الجنوبيُّون على إخوانهم الشماليين لا أدري منذُ متى يقول ، منذُ العام تسعين وما بعده على ما نظن .. ربما .. من يدري ؟!، الطائفية ممقوتةٌ ولا يتكلَّم بها غير أبناء الشَّوارع أياً يكُنِ انتماؤهم ، فما بال الرجل يتكلم بهذه اللغة السَّافلة حدَّ الجحيم .

دائماً ما ننادي باللَّعب بدهاءٍ من أجل أن يأخذ اللَّعب طابع اللذة والمتعة والحماس ، هذا جُلُّ ما نريده ولا شيء غيره ، إنَّ موظُّفاً بدرجة سفيرٍ يتكلَّم بهذا المنطق الواهن الضَّعيف السَّقيم المنفوش في كلِّ اتجاهٍ أقسم أنه سيضرُّ أكثر مما ينفع ، هل سمعنا مثلاً في كل هذا العالم من يتكلم رسميَّاً بألفاظٍ كهذه التي يُطلقها الرَّجل ويصنع منها فرقعاتٍ إعلاميَّة ، وكأننا في العهد الحجري أو الفرعوني ، أو ربَّما أنَّنا قد أصبحنا فِعْلاً في زمن الحراكيش والخفافيشِ والدَّراويشِ ولا ندري ماذا أيضاً ..!!!