الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٣ مساءً

كيف تحدث الثورات

وليد محمد سيف
الاثنين ، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
بخلاف السائد لا تحدث الثورات لمجرد أن المجتمع يعاني أزمات اقتصادية، فالفقر ليس باعثها الرئيس، إذ لو كان.. لكنا شهدنا ثورات يومية.. دالة الأمر: الثورة الفرنسية الكبرى العام 1789م، حيث شهدت السنوات التي سبقتها معدلات نمو لم تبلغها فرنسا، وجرى زراعة كافة الأراضي على امتداد الإمبراطورية... فما الدافع للثورة إن لم يكن الفقر..؟!!

كثيرا ما يجري توسل الفقر لبعث شرارة الثورة لكنه قطعاً ليس حاسما فيها.. وفي فرنسا، اندلعت الثورة بقيام التجار من الطبقة الوسطى بتأليب الشعب ضد الحكومة وإسقاط سجن الباستيل، بذريعة الزيادة الطفيفة في أسعار الخبز، وهي أزمة عابرة كان لها أن تذوي سريعا لولا الاستثمار الناجع لها.. فيما الحقيقة أن الدولة لا الشعب عانت حينها أزمة مالية، فأضحت الخزينة خاوية ما دعا الحكومة إلى محاولة زيادة الضرائب على التجار، وهو ما عده التجار استهدافا مباشرا لمصالحهم في زيادة الثراء... ليتم بعدها اختراع أشهر كذبة في التاريخ من أن الملكة (ماري أنطوانيت) عندما بلغتها الاحتجاجات على أسعار الخبز ردت بسذاجة مفرطة: فليأكلوا البسكويت.. وهي مقولة يصعب أن تصدر عن ملكة لم يكن يعوزها قدر من ذكاء.

ثورات الربيع العربي في ليبيا وسوريا، تقدمان أنموذجان للحالة الثورية: فالأولى كانت ترفل بثروة اقتصادية نفطية، فيما حقق الاقتصاد السوري طفرات مذهلة، تمظهر في اكتفاء ذاتي من القمح، بله بتصديره، وبلغت صناعة الملابس القطنية والصناعات الدوائية أوج ازدهارها.. في هاتين الثورتين كان الشعور الطاغي بالقهر جراء تسلط عائلة الحكم لأكثر من أربعين عاما باعثا للغليان.. وحتى تونس التي ألهبت شرارتها سائر ثورات الربيع العربي، انحصرت ثورتها على المدن دونما الأرياف ومناطق الأطراف الأكثر فقرا، ومنها منطقة (سيدي بو زيد) حيث أحرق (البو عزيزي) نفسه، والأكثر أن تلك الحادثة الفارقة لم تكن بدافع اقتصادي صرف، إنما بآخر أكثر مضاءا تجسد في الشعور المؤلم بالهوان حينما امتدت يد امرأة لتسلب إنسانا كرامته.

ثورة اليمن العام 2011م تقدم شاهداً مضافاً: فالثورة التي بدأت بتجمعات شعبية محدودة في تعز و صنعاء فور إعلان (مبارك مصر) تنحيه عن السلطة، ما كان لها أن تصل ذروتها، لولا تصدر النخبة السياسية ـ التجارية المعارضة والمتحالفة مع النخبة العسكرية المشهد الثوري لتستثمر بفاعلية الحماسة الثورية والاحتقان الشعبي من النظام الفاسد.. وهي نخب لا يمكن القول بحال أنها تعاني ضائقة اقتصادية، بيد أنها استشعرت بذكاء الفرصة المواتية لتحقيق مطامحها، في محاكاة تاريخية لدور الطبقة التجارية في الثورة الفرنسية.

الفقر لا ينتج ثورة، فليس بالخبر وحده يحيا الإنسان، غير أن الحسم في الثورات، يأتي من يأس الشعب من نظام حكم لم يعد قادرا على تحقيق طموحاته، ووجود تناقض بين ما هو متحقق واقعا وبين ما يأملون.. كما أن ثراء وغنى المجتمع لا يحول دون الثورة، خاصة عندما يمتلك المواطن وعيا كافيا بحقوقه وحرياته، ثم وهو الأهم وجود قادة رأي، أحزاب، جمعيات ونقابات، قادرة على حشد الشعب ودفعه باتجاه لحظة الحسم.