الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٨ صباحاً

ثقافة الغبراء ترفض ان تغادرنا

وليد محمد سيف
الاربعاء ، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
في القرن الرابع عشر الميلادي أقام سكان قرية (شور) السويسرية دعوى ضد (الدودة البيضاء) وعندما تخلفت الدودة عن المثول أمام المحكمة نص قرار القاضي على أن "الدودة المتهمة هي من مخلوقات الله ولها الحق في العيش ومن الخطأ أن تحرم من الحياة والوجود".. وعلى ضوء قرار المحكمة قام سكان البلدة بتخصيص منطقة مزروعة بالأشجار خصيصا لهذه الدودة لتعيش بسلام ودون أن تتسبب في إيذاء الناس.

في سويسرا أيضا وفي محاكمة مشهورة أخرى للحشرات العام 1945م، وبعد فصاحة محامي الدفاع ومرافعته الذكية أقرت المحكمة تخصيص أراضي مناسبة للحشرات كي تعيش بأمان، وتشكلت لجنة مختصة أمضت وقت طويلا في اختيار مناطق مناسبة لتنتقل الحشرات إليها .. فهي أيضا من مخلوقات الله ولها الحق في العيش.. لكن يبدو إن المكان الجديد لم يعجب الحشرات فلم تنتقل إليها.

وفي البرازيل في العام 1713م أُحضر النمل الأبيض إلى المحكمة بتهمة التهامه الطحين وقضمه الدعائم الخشبية الخاصة لإحدى الكنائس .. وصدر في نهاية المحاكمة قراراً يقضي بمغادرة النمل الأبيض جميع المناطق التابع للكنيسة إياها، وحُددت له منطقة خاصة يعيش فيها، غير أن النمل الأبيض لم ينتقل إلى المنطقة الجديدة، ما اضطر رهبان الكنيسة إلى مغادرتها وترك النمل يعيش وحيدا.. فرغم كل شي النمل الأبيض مخلوق من مخلوقات الله، وقتله أو طرده بالقوة مسألة ينبغي إعادة النظر فيها.

نماذج محاكمات الحشرات تلك، وانتشار جمعيات الرفق بالحيوانات في (الكواكب) المجاورة لنا على سطح الكرة الأرضية، بقدر ما تؤشر للفروقات الحضارية (بيننا وبينهم) تصبينا بالدهشة والذهول، وبكم مضاعف من الحزن والأسى.. والمفارقة المحزنة أن الإنسان عندنا وهو أيضا ـ كما الحيوان تماما ـ مخلوق من مخلوقات الله وله الحق في الحياة، إلا أن قتله أضحى أسهل من ذبح نعجة.

وكان الإسلام منذ أمد سحيق، حرم قتل النفس إلا بالحق، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ليتسع المجال لحرمة قتل أيما نفس إلا بالحق، وأوصى بالرفق بالحيوان كما في القصة المتواترة من إن امرأة دخلت الجنة فقط لأنها سقت كلبا ماءا.. لكن يبدو أن حالة انقطاع وانفصام بيننا وموروثنا الديني العريق، يعاكسه بالمقدار ذاته، اتصال لا ينفك عراه بموروث ثقافي أكثر عراقةُ، وإن كان ممتلئا بالسوء والخطايا.. واستدعاء مكثف لنهج الجاهلية الأولى والبداوة في القتل والاختطافات والتقطعات.. فيما يقدم أنموذج (دماج صعدة) الشاهد الأكثر مضاءا في كون حاضرنا لا يزال أشد التصاقاً بموروث داحس والغبراء وحرب البسوس.