السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٦ صباحاً

هل فعلاً الـ 30 من نوفمبر ذكرى الجلاء؟!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
قبل بضع سنوات كنت أشرت في مقال أن الدارج بين العامة والخاصة تداول مفهوم الاستعمار لكل مُستعمر أكان على مستوى الفرد أو الفئة أو الدول، يغتصب منزلاً أو أرضاً أو بلداً، ووضحت أن المفهوم الصحيح ليس الاستعمار أو مُستعمر وإنما الاحتلال أو المُحتل، لأن مفهوم الاستعمار اشتق من الإعمار.. فهل من يغتصب أرضك أو منزلك أو بلدك يهدف لإعمارها؟ أم يغتصبها بغرض تدميرها وقهرك وأفراد أسرتك أو مجتمعك؟ أم يُقصد بالاستعمار من وجهة نظر المستعمر بما يعود بالنفع عليه وأسرته أو مجتمعه الأصلي؟

وفي الـ 30 من نوفمبر لكل عام أرى أن الشركاء الفرقاء حكاماً ومعارضة من اليمانيين بالاحتفال بذكرى الجلاء لآخر جندي بريطاني منذ عام 1967م، وبرغم رحلة 46 عاماً منذ ذلك العام حتى هذا العام 2013م، أي ما يقرب من نصف قرن.. نسأل ماذا حقق إخواننا في الجنوب بقيادة الحزب الإشتراكي لأرضهم والإنسانهم منذ 1967م، وحتى قيام الوحدة في عام 1990م، أي خلال 23 عاماً؟ وماذا حقق الشركاء الفرقاء من قادة الأحزاب كافة للأرض اليمنية ولإنسانها منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م وحتى الـ 30 من نوفمبر 2013م، أي خلال 23 عاماً مضت؟

لم يرى الغالب من المواطن اليمني خلال تلك الرحلة أكانت قبل أو بعد إعادة تحقيق الوحدة سوى الويلات التي أوصلته إلى حالة من البؤس والهوان داخل وطنه وخارجه، رحلة لا يكابد فيها المواطن شظف الحياة بمفردة وحسب، بل تزيد الدولة من ذلك العناء على كاهل المواطن، بتفنن أعضاء الحكومة وفئويتها في التنقيب عن مناجم لا تنضب من الفساد وفتحها على نظم الدولة والمواطن حتى ترهلت تلك النظم وأصابها العطب في كل مفصل وأصبحت عبء على المجتمع بدلاً من أن تكون خادمة له، فانتشرت الجريمة وسلبت الحقوق وارتفعت الأسعار وفسد التعليم..الخ، وأضحت حياة الفرد اليمني تعج برذيلة الحياتية على حساب فضيلتها..!

هل تعويض إخواننا من أبناء الجنوب بـ 350 مليون دولار مقابل ما سلب من عمرهم وأرضهم هو كافٍ ومنصف دون محاسبة المجرم لذلك الفعل؟ وإن كان قد شُحت ذلك المبلغ للتعويض فهل بالإمكان أن يُشحت زمن لتعويضهم عن ما فقدوه من زمن هو محسوب من أعمارهم لا يعلم إلا الله كيف كانت لياليه وأيامه عليهم؟ ومن يعوض أبناء الجعاشن وتهامة وصعدة وتعز وحجة ومأرب وحضرموت وعن أحداث 86 بين أبناء المحافظات الجنوبية..الخ، الذين قد يكونوا لاقوا ويلات أدهى وأمر؟ ومن يعوض وطن وأبنائه الذين لازالوا في معمعات أعتا من سابقاتها؟

إن كل من أفسد حياة الناس هو في حقيقة الأمر إنسان مُحتل، فمن يهدم التعليم أو يقطع الكهرباء هو مُحتل وكل من يقطع الطريق هو مُحتل وكل من يفجر النفط هو محتل وكل من يخطف أو يقتل أو يسرق أو يهتك..الخ، ابناً من أبناء بلدي ليس إلا مُحتلاً لوطني، لأن فعل التدمير لكل مكون من مكونات البلد لا يفعلها إلا محتل لا ابن البلد. فالوضع القائم لكل مكونات وطن وما يجري فيه من خُبث قادة النظم الاجتماعية يشعرنا بأن المُحتل لازال قابع في شرايين الوطن وأوردته يقهر الناس بطريقة أو أخرى ويُغربهم عن نوعية الحياة المرغوبة وفي حدودها الدنيا فقط.

أبعد ذلك وغيره الكثير في واقع مليء بصخب الحياة القاسية من مناكفات فئوية وقبلية خبيثة لا أمن فيه ولا أمان: هل يحق لليمانيين فعلاً أن يُفاخروا بما تحقق لهم ولأرضهم خلال تلك العقود أكانت منفردة 23 عاماً أو مجتمعة 46 عاماً؟ وهل فعلاً نعيش الذكرى تلو الأخرى لجلاء المُحتل أو هو وهمٌ نعيشه كما أراده قادة الاحتلال أنفسهم؟!