الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٨ صباحاً

المتخلي دائماً

جمال أنعم
الثلاثاء ، ١٨ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ١٠:١٠ صباحاً
المشكلة أننا نرفض تصديق رفضه للسلطة, لا نريد التخلي عن شكنا في أنه سيتخلى عنها.

ما زال يؤكد عدم رغبته في السلطة, ولا أحد يرغب في الاقتناع, لا أحد يريد الإقرار و الإعتراف بأن السلطة هي التي ترفض تركه, والتخلي عنه, هي التي ترغب به وتختاره, ترفض إفلاته بسلام, تفرض بقاءه مكرها على كرسي من نار, أرهقه و أحرقه وأورده المهالك.

33 سنة من الحكم, تحكي سيرة رجل في غاية التخلي, لا يحب السلطة ولم يتشبث بها أبداً, رجل أفنى عمره في حرب إقناع صعبه, بأنه أزهد الزاهدين بالحكم, سلك كل الطرق والوسائل لإيصالنا إلى هذا اليقين.

جرب الديمقراطية والتعددية والإنتخابات, لإثبات براءته من هوى الحكم, وغواية السيطرة, ظل يحشد كل شفافيته ونزاهته, لتأكيد عدم حرصه على الإستمرار حاكماً, عاش منافساً شريفاً لنفسه, مكافحاً نوازع الإستئثار وشهوات التفرد.

يعرف اليمنيون أن لا أحد حذر من مغبة الكرسي كصالح, عاش حريصاً على إبعاد الجميع عنه, مباعداً بينهم وبين الوقوع في براثنه, محارباً من توسوس له نفسه الإقتراب من شروره, ملقياً دونهم الثعابين, مبشراً الطامعين بكرسي مستعر, نأى بعائلته بعيداً, كره لهم أن يعانوا ويصطلوا بهذا الجحيم, أنبتهم نباتاً حسناً, ونشأهم صالحين في الثكنات البريئة.

ما يفعله صالح اليوم محاولة أخيره لإقناعنا بالتخلي عن تصوراتنا الخاطئة تجاهه, يريد قتل أفكارنا المعتلة عنه, يقتل بكثرة لإحياء ثقتنا وإيماننا القليل به.
مشكلة صالح الإسراف في التغابي, والسفه في إطلاق الأكاذيب, رغم إدراكه أن مرعاه صار جدباً, يخلو من أي قطيع مؤمن يعيش على فضيلة الإعتراف به كراعي وحيد.

مشكلة الرجل شعوره بأنه أذكى من اليمن, يستند على إستمراره 33 سنه في الحكم, يراها مدة كافية لإثبات تبلد اليمنيين, يتعامل بكونه المتفوق الأكبر, الذي لم يخفق أبداً أمام معارضيه, ولم يسمح لأحدٍ بتهديده, أو إلحاق الهزيمة به, عاش مُجِبراً الجميع التخلي عن كل شيء له, هو من يقرر الإخلاء والملء.
يظن الرجل أنه ما زال يمتلك إمكانية تحديد مصير البلد, وأنه يمتلك قرار التخلي كيفما شاء ولمن يشاء.

في ظهوره الأخير كمتخلي, رفقة نائبه الذي لم يخلِ بينه وبين أداء مهماته, حاول إبداء جدية أكبر في عزمه رفض السلطة, بدا ذلك واضحاً من خلال إستخدام «السين» وهو حرف تنفيس لما يستقبل من الزمان حيث قال «سأرفضها» و«سأتخلى» عنها في الأيام القادمة, وهي بحسب كبار مفسري وشراح خطبه وتصريحاته أمثال طارق الشامي قد تعني الشهور القادمة كتقدير متواضع تفرضه الضرورة.

بدا النائب محُضّراً لإعطاء صوره توحي بقرب غير صادق, بهدف إخفاء ما لحق به من إساءات طيلة الشهور المنصرمة, لم يفت صالح التأكيد على حقه في تقرير مآل السلطة, لرجالٍ يعرفهم جيداً وصفهم بأنهم « رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه «, لا ندري أيكون هو ممن قضى نحبه منهم أم ممن ينتظر؟