السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٥ مساءً

بين مجزرتين.. هل الهدف واحد؟!

د . محمد ناجي الدعيس
السبت ، ١٤ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
في البدء أقول للقارئ العزيز أنني لستُ خبيراً في الشؤون العسكرية أو في استراتيجيات مكافحة الإرهاب، ولكنني أحد البسطاء من أبناء هذا البلد المراقبين لما يجري فيه من هوس سلطوي – للسعي نحو كرسي السلطة بأي وسيلة كانت – لا تمت أفعالهم لقيم الإنسانية وعدالتها القانونية بأي صلة ، ولا حتى لقانون الغاب وعدالته، إذْ إن قانون الغاب يحفظ لبيئة الغاب توازنها البيئي والحيواني، فلا يلجأ الحيوان لممارسة ذلك القانون إلا حينما يكون جائعاً، أي عند حاجته للغذاء فيتغذى الأقوى على الأضعف، وليس الأضعف من أبناء جنسه أو من أبناء فصيلته – مثلاً لم نجد أسد يتغذى على أسد أو نمر أو حتى ثعلب..الخ – وإنما يتغذى على حيوانات من فصيلة أخرى كالغزلان والأبقار..الخ، ليس للوصاية أو التسلط عليها ولكن ليحافظ على بقاء جنسه وليحفظ التوازن بين الأبقار والغزلان وغيرها، وتلك سنة الله في قانون الغاب، قد نجهل حكمته فيها.. كما أنه غير صحيح على الإطلاق أن يشبّه البعض واقع المجتمعات الإنسانية وخصوصاً العربية منها بالقول: أصبحنا كبشر نعيش واقعاً يُمارس فيه قوينا على ضعيفتا قانون الغاب، فظلم ذاك التشبيه للقانون الغاب، إذ لا يأكل الذئب لحم ذئب، بينما يأكل بعضنا لحم بعض عيانا.

من ذلك المُعطى نجد أن ما يحدث في الساحة اليمنية وبشكل مستدام وإن اختلفت الأساليب، هو أمر في غاية السوء للواقع الإنساني، اخترقت فيه ليس كل القوانين الوضعية وحسب، بل واخترقت فيه كل القوانين الإلهية حتى أصبح أدعياء الدين والساسة المسلمين في تخاصم وتقاطع دائم مع الخالق عز وجل.. فعلى أي دين أو سياسة هم أولئك؟

إن جريمة مستشفى العُرضي في وزارة الدفاع والتي حدثت صباح يوم الخميس الماضي بتاريخ 5 من نوفمبر 2013م، هي جريمة نكراء ليس بحق اليمانيين وحدهم، بل وبحق الإنسانية جمعاء، وقد كتب وحلل الكثير حولها، وأشاروا بالاتهام إلى بعض الأطراف السياسية أو عقائدية أو عسكرية أو .. أو..الخ، وبكل المقاييس أقول إن كل من اشترك أكان بالقول أو الفعل بدءاً من التفكير ثم التخطيط وما تلاه حتى تم التنفيذ، هم أعداء لكل قيم الإنسانية ولله سبحانه وتعالى، ولا يشفع لهم أي تبرير أكان هدفهم سياسياً أم دينياً أم غيرهما.. وفي اعتقادي أن بصمات تلك الجريمة تحمل عقليات لازالت تعيش بفكر إقصائي كان سائداً لحقبة ماضية من القرن الماضي وبعيدة كل البُعد عن نمط تفكير الألفية الثالثة ومطالبها في التعايش السلمي لتحقيق الأهداف الإنسانية في التسلط السياسي والديني أو الوصاية على الآخر.. وإذا عُدنا بالذاكرة إلى مجزرة جمعة الكرامة في الـ 18 من مارس 2011م، والتي تشابهت إلى حد ما مع حادثة مستشفى العُرضي فقط من حيث عدد الشهداء والجرحى مع فارق الزمان والمكان، وكأن نمط التفكير في الهدف والتخطيط والتنفيذ متطابق للوصول إلى الغاية بغض النظر عن الخسائر البشرية والتي تمثل أهم مورد وطني.. فهل أصبحت آلية الإرهاب هي الوصية على وطن وشعب للقضاء على كل من يُشك في مراميه بأنه سيسحب كرسي السلطة ويتملّكها من الشمال إلى الجنوب؟ وبمعنى آخر هل أصبح الإنقلاب على الرئيس هادي بالتصفية أمر ضروري نظراً للترويج بالتمديد له بفترة رئاسية أخرى وهو الأمر الذي لا ترضاه أطرافاً خارجية وداخلية لسبب أو آخر وكونه أيضاً يؤسس اللبنة الأولى لمغادرة كرسي الرئاسة من صنعاء إلى عداً مثلاً، وهو أمر مرفوض ويجب وأده بأي طريقة أكانت عسكرية أم عقائدية؟ أنا لست مع التمديد كما ذكرت في مقالات سابقة ليس لشيء وإنما لتأسيس مبدأ للتداول السلمي، ولكني لست أيضاً مع العنف الدموي لتحقيق الأهداف غير المعلنة مطلقاً والخاسر الوحيد فيها هو الوطن وأبنائه.

كما أن طلب الرئيس هادي تقرير من اللجنة العسكرية التي ضمت قادة كبار خلال 24 ساعة، كنت وغيري كُثر نعتقد بأن اللجنة ستضع في ذلك التقرير النقاط على الحروف بحنكتها العسكرية ودهائها القتالي، ولكن بكل أسف جاء التقرير مخيباً لكل الآمال، فما قامت به من وصف وعدد..الخ، وهو ما يمكن القيام به من أي شخص عادي كأمين مخزن أي مخزن مثلاً.. تجاهل مُعد التقرير أنه سيقدم التقرير لرئيس الجمهورية لا لمدير إدارة.. فهل التقرير يُعد مغالطة سياسية أم شعبية ووطنية؟ وهل فعلاً أولئك القادة هم بذلك المستوى الفكري والأدائي المهني أم هو تنسيق مسبق لغرض ما؟

في الأخير هذا مجرد ربط للوقائع ولنمط التفكير الذي قد يتشابه فيه كثير من الناس وخصوصاً لجيل انتهت صلاحيته في قدرته على التجديد والتغيير بوسائل سلمية وصحيحة.. وهنا أنا لا اتهم أحداً بعينه ولشخصه وإنما اتهم الأسلوب الإجرامي والسلوك اللا إنساني.. فأقول إذا كانت مجزرة الـ 18 من مارس 2011م، سبباً في الإطاحة برئيس وحكومة، فهل مجزرة مستشفى العرضي التي راح ضحيتها بضع وخمسين من الأبرياء مرضى وأطباء وجنود، يمنيين وأجانب، وجرح أكثر من 250 آخرين، سيحال شُركائها كافة أياً كانوا إلى عدالة القانون أم سيطاح برئيس وحكومة وللضعفاء ربٌ يحميهم؟ قد يُقال بأن الوضع يختلف ولكن أقول بأن الرئيس هو المسؤول لمعرفته بخفايا الأمور وخلفيات الجريمة وحيثياتها عن كل من سواه ليضع حداً للنزيف الوطني يفتعله الخائنين، فهم مزروعين في شرايين الرئاسة والحكومة ومجلس النواب والقوات المسلحة والأمن والقبيلة..الخ، ــ أي أن مُحبي كرسي السلطة ومن يسعون لتملكها هم مزيج من كل الأطياف السياسية والدينية والقبلية والعسكرية..الخ، طالما ومصالحهم مشتركة ــ ولا عذر للرئيس حتى وإن خذله المشترك والمؤتمر بدءً من تقديم أسماء أعضاء حكومة ومسؤولين دون مستوى مطالب المرحلة الوطنية المعقدة والمثخنة بالجراح وحتى اللحظة.. ولو أن المجرم يؤمن بوجود القانون وعدالته لما أقدم على تنفيذ الجريمة وفي عُقر دار القانون.. رحم الله الشهداء وأسكنهم الجنة وألهم ذويهم الصبر..