الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٢ مساءً

صلاة الفجر عشقٌ دفين

محمد البعوم
الثلاثاء ، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
-سأصلّي الفجر لأسترجع طاقتي الروحية ، وأشارك الكائنات الكونية من الذرّة إلى المجرّة بتنّفس نسيم الفجر الأثير ، وبإسترخاء طبقة الأوزون.أنظر من النافذة إلى كوالالمبور وهي تبدوا كفتاةً أوكرانيةً عزباء ، كمراهقةً بدأت تتحسس ملامح جمالها.

أيها السادة سأحدّثكم عن أحد الطقوس الذي أثّر في عبير حياتي ، وفي أول عقدِ من عمري "صلاة الفجر"
-بيني وبين صلاة الفجر عشقٌ أزليٌّ عتيق .صلاة الفجر تُخرجك من كوابيس الأوهام ، وتجعلك تنقاد لقوّة جبارة عُظمى هائلة طبقاً لقاموسِ كوني محكومٌ بالقوانين الدقيقة.

صلاة الفجر تحرّك فيني أشياءاً غريبة ، وتمنحني خيالِ جامح ، كما لو كان لدينا القدرة الكافية على تحريك جبال الألب وتسخير قوّتها عبر الإيحاء وترويضها .

صلاة الفجر أحد الطقوس التي أُمارسها لإسترجاع ما نفد من الطاقة الروحية التي تعكّر صفوها الأيام ، وكثرة الإختلاط بالبشر ، والإنشغال بالأحداث .إنها تذّكرك بأيام مضت تاركةً آثارها على وجوده الناس وأشواقهم الدفينة.

صوت مؤذّن بلدتنا وحارتنا القديمة "النادرة " مملؤ بالحنين المفعم بالغياب ، وبالخوف من المبهم حيث الدروب كلها تبدوا خيالي.يبعث على الماضي الملئ بالأشواق ، ويضئ فوتونات الذكريات ، ويبعثر الأحلام الجديدة
إنّهُ صوتٌ تغلغل في قلوب وأجساد المحبين لهذا العالم الدعةَ والخلود .نغمةٌ لا تشبه النغمات ولا الموسيقي الأخيلية. إنهُ صوتٌ تحملهٌ الموجـات إلى الفضاء الرحب الذي يغسل نفسهُ بالضؤ .صوت مؤذّن حارتنا، تعشقهُ حتى الإناث ، لأنه آذانٌ إستثنائي ، تتجسّد فيه ملامح الأحزان ، وبهرجات السموّ واللطف والدفئ وقت الشتاء ، وإسترخاء العواطف ، والشعور بالزهو والوقار في آنِ واحد .

-صوت مؤذّن حارتنا ، يمنحك حب الحياة السرمدية الخالدة ، يعطيك زبرجداً من الأفكار الصالحة لتغيير وجه هذا العالم المنكوب. إنه يسابق التزامن الثوري لرعشة الجسد، أنه ينادي عين قلبك ، ويحاول أن يكسر أيقونة المستحيل ، ويجعلك تعيش في رحابِ تتمنى أن لا ينقضي.

إنّهُ يتحسس أعماقك ، ويبحث عن مكان الحب في روحك ، وينتشي ألمك ، يمسح عنك وجع الأيام ، ومغارات السنين ، وهو مرهماً كافياً يجعلك في غياب عن نوائب الدهر.

عندما تؤدّي هذا الطقس التعبّدي تشعر بقليلاً من الراحة وبهدؤ البال وبصفاء الذهن وسموّ الخاطر!