الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٦ صباحاً

عن مزايا الدولة الاتحادية للمواطن اليمني ؟

طارق مصطفى سلام
الاثنين ، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٢٠ صباحاً
( في هذه العجالة نحاول تسليط الأضواء على قضية من أهم القضايا التي يعتمل النقاش فيها والخلاف حولها في الساحة الوطنية اليمنية, وهي الأكثر أهمية حاليا للمواطن اليمني في جنوب اليمن وشماله وشرقه وغربه على حد سواء, والحديث هنا يتم عن النظام الفدرالي الاتحادي, مفاهيمه ومضامينه العلمية, والمزايا التي تقدمها بنية الدولة الاتحادية المزمع انشائها من عدة اقاليم في مؤسساتها الاتحادية المركزية وموادها الدستورية وتشريعاتها القانونية للمواطن اليمني في وضعه الراهن, وفي معالجة القضايا الوطنية الشائكة القائمة حاليا, وتحقيق هذا النظام لمصالح المواطنين افرادا وجماعات) .

يعود ظهور الدول الاتحادية إلى بداية العصور التاريخية في أواخر الألف الرابع قبل الميلاد؛ عندما بدأت بعض الكيانات السياسية الصغرى تتحالف وتتحد لتشكل دولاً أكبر, سواء بطريقة سلمية لمواجهة المخاطر التي تهددها، أو عن طريق الحروب وفرض إحدى الدول سيطرتها على دولة أو دول أخرى تخسر الحرب امامها.

والتمييز بين الدولة الفدرالية والدولة الأحادية ليس بالأمر البسيط. فالدولة الأحادية قد تشبه الفدرالية في البنية الإدارية، ورغم أن الحكومة المركزية قد تملك الحق نظريا في سحب الحكم الذاتي عن إقليم يتمتع به، فإن الأمر قد يكون شديد الصعوبة سياسيا, بل إن بعض الجهات المتمتعة بالحكم الذاتي في دول أحادية كثيرا ما تتوفر على صلاحيات أوسع من ما توفره بعض الفدراليات, ولهذه الأسباب، يجادل البعض بأن بعض الدول الأحادية المعاصرة هي فدراليات بحكم الواقع .

والفدرالية (أو الدولة الاتحادية) هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة .

أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية .
والحكم الفدرالي(الاتحادي) واسع الانتشار عالميا، وثمانية من بين أكبر دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي, وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة أما على المستوى العالمي فهي دولة الولايات المتحدة الأمريكية .

والفدرالية نظريا توفر نظاما دستوريا قويا تستند عليه التعددية الديمقراطية، وبأنها تقوم بتعزيز الديمقراطية النيابية عبر توفير مواطنة مزدوجة في مجمع جمهوري, وبالإمكان العثور على هذا التصريح الكلاسيكي في الوثيقة الفدرالية (The Federalist Paper) والتي تقول بأن الفدرالية تساهم في تجسيد مبدأ العدالة القضائية وفي الحد من الأعمال التعسفية للدولة, إن مقولة أن الفدرالية تساعد على تأمين الديمقراطية وحقوق الإنسان قد تأثرت بالنظرية المعاصرة حول الاختيار الشعبي, ففي الوحدات السياسية الأصغر بإمكان الأفراد الاشتراك بشكل مباشر في حكومة عمودية وحدوية, وزيادة على ذلك فإن لدى الافراد الساخطين من الظروف السائدة في إحدى اقاليم الاتحاد خيار الانتقال إلى اقاليم أخرى - وهذا طبعا بافتراض أن الدستور القائم يكفل حرية الانتقال بين اقاليم الاتحاد الفدرالي .

وهنا في اليمن وعلى طاولة أختلف الساسة والفرقاء ورواد الحوار الوطني الشامل القائم حاليا على شكل الدولة اليمنية التي ستنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني وعدد اقاليمها، فيتحدث البعض عن دولة لامركزية، ويذهب البعض الآخر للمطالبة بدولة فيدرالية، بينما نجد غيرهم يطرحون فكرة الدولة الاتحادية.

إلا انه تم مؤخرا الاتفاق على النظام الاتحادي كشكل للدولة اليمنية المستقبلية بعد إجماع مختلف الأطراف على استبعاد فكرة الدولة المركزية البسيطة وخيار استعادة الدولة الشطرية, حيث تم التوافق بين المتحاورين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على الدولة الاتحادية وعلى جملة مبادئ ناظمة لها وضمانات للتنفيذ، على أن تؤجل مسألة تحديد عدد الأقاليم وتقسيمها الجغرافي وتحال إلى آلية توافقية تقوم على معالم واضحة في ما يتعلق بنسب التمثيل والمهام والجدول الزمني .

وحيث أن الدولة الاتحادية يقصد بها وجود أقاليم تمتع بخصوصية ثقافية واقتصادية واجتماعية ولا تستطيع الأقاليم النهوض بواجبات التنمية المستدامة إلا عن طريق الدخول في الاتحاد مع أقاليم أخرى .

وكون النظام الاتحادي يقتضي منح السلطة المركزية بعض السلطات والصلاحيات بتفويض الأقاليم الداخلية والتي ستنشأ في اطار الاتحاد, فلابد اولا من وجود دولة اتحادية قوية بمؤسسات راسخة وقدرات عالية في العمل بهذا المسار مع توفر حاجة وخصوصية اقتصادية وبيئية في هذا النظام الذي فيه يتخلص المركز من سلطاته ليمنحها للأقاليم.

وانطلاقا من الالتزام بهذه المفاهيم والمضامين العلمية للدولة الاتحادية والالية التوافقية التي التزم الفرقاء بالعمل بها لبناء واستكمال البنية التحتية للدولة الاتحادية المزمع قيامها في انشاء المؤسسات الاتحادية المركزية وتشريعاتها اللازمة, فأنني على ثقة بأن هيكلة الدولة الجديدة على هذا النحو الموضوعي والعقلاني السليم وفي اطار الاقاليم(سواء من ستة اقاليم أو بداية من اقليمين تتوسع لاحقا لعدد من الاقاليم بحسب العامل الزمني والبناء المعرفي لهذه التجربة وبحسب الحاجة والخصوصية الاقتصادية والبيئية) سوف يسهم بفعالية كبيرة في تجنيب اليمن ويلات الحروب والصراعات المناطقية بل وسوف يضمن وجود التوافق المطلوب في سبيل الحفاظ على الوحدة .