الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٥٤ مساءً

تعلم الألمان من اليمنيين، ثم توحدوا، ولكن ...

د . محمد نائف
الجمعة ، ١٤ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠١:٤٥ مساءً
مثلت ومازالت تمثل الوحدة اليمنية بصيص الأمل والإلهام والحلم ليس لليمنيين فحسب، وإنما أيضاَ للعرب وسكان المعمورة قاطبة، وخاصة أولائك الذين يحلمون بمستقبلٍ أفضل وحياة أرغد.

كنت أشعر بالغبطة والسرورفي بداية التسعينيات وكانت تعتري جسمي قشعريرة ليس من الخوف والرهبة ولكن من السعادة والبهجة حين كنت أسمع الزائرين إلى اليمن من الألمان، مسؤولون ومواطنون بسطاء، وهم يقولون إنهم يتعلمون من اليمنيين ومن تجربتهم في تحقيق الوحدة اليمنية لكي يهتدوا إلى تحقيق وحدة الألمانيتين على أسس سليمة ومتينة وحتى لا ينتهي بهم المطاف بعد عقد أوعقدين من الزمن وهم يراوحون مكانهم ولم يتجاوزوا مرحلة تحقيق وحدتهم. فالألمان، وهذا لا يخفى على أحد، كانوا يطمحون إلى ماهوأبعد من الوحدة بكثير ألا وهو تحقيق آمال وأهداف وأحلام الشعب الألماني الذي له ومن أجله كله تم توحيد ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية ولم يعد الألمان يتذكرون أنهم كانوا دولتين مستقلتين، فقد تجاوزوا ذلك وذهبوا بعيداً جداً.

هل يعي اليمنيون الأثر والإنطباع الإيجابي الذي تركوه على العالم بأسره عندما توحدوا؟ هل يعي اليمنيون ما كانوا يمثلوه من مصدر إلهام وأمل في تحقيق أحلام الملايين من سكان العالم؟ هل يعي اليمنيون ماالذي تمثله الوحدة من قوة ومنعة لليمن واليمنيين؟ عفواَ، لا أطرح هذه الأسئلةعبثاَ للبحث عن إجابة لها لأن معظمنا يعرف تمام المعرفة ماذا تعني وما هي الإجابة عليها، فالوحدة اليمنية جعلت اليمن أفضل إقتصادياَ من خلال تنوع مصادر ثراواتها، وأقوى إجتماعياَ من خلال لم شمل اليمنيين من كل أرجاء اليمن ومن أقصاه إلى أقصاه بعد أكثر من قرن من الشتات والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة وتبديد للطاقات والثراوت في أمور لم نجني منها سوى الويلات والحروب والفتن والمآسي. لم تجعل الوحدة اليمن أقوى سياسياَ فحسب، بل أيضاَ أقوى جغرافيا في شبه الجزيرة العربية من خلال صلاتها وارتباطها بدول كثيرة. تغير دور اليمن في المنطقة وزاد احترام العدو لها ناهيك عن الصديق وتغنى بمنجز الوحدة الكثير من محبي الخير لليمن واليمنيين. وهنا أيضاَ أطرح سؤالاَ آخراَ لا أبحث عن إجابة له لأن إجابته يعرفها كل ذي عقل وحكمة ومنطق والسؤال هو: ماذا كنا سنحقق لليمن واليمنيين لو أخلصنا النية وغلبنا مصلحة اليمن فوق كل المصالح منذ تحقيق الوحدة حتى الآن؟

بالتأكيد هناك قصور وشوائب وإخفاقات وممارسات خاطئة مدمرة بسبب ما صاحب تحقيق الوحدة من توجهات ورؤى ومصالح ضيقة! لذلك، ينبغي علينا حين نحكم على أي مشروع أوحدثٍ ما أن ننظرفي الإجابيات وكذلك السلبيات ونحللها ثم نحكم عليه من خلال ذلك. إن ما يجري على الساحة اليمنية من شدِ وجذب ومهاترات وفعل ورد فعل وغير ذلك حول الوحدة اليمنية وطبيعة الدولة ونظام الحكم لأمر جلل ويدمي القلب ولايسرلا عدو ولا صديق. إنه لأمر محزنِ أن ينحرف اليمنيون عن جادة الطريق ويحاولوا تدمير الحلم اليمني المتمثل في وحدة اليمن أرضاَ وإنساناَ وينصرفوا إلى مناقشة قضايا لا طائل منها. الشعب اليمني توحد ولن يتحمل أن يمر عليه قرناَ ونيف آخر، إذا لم يكن أكثر من ذلك، ليعود إلى هذه النقطة التي وصل إليها اليوم نحوتحقيق الحلم، ولو بصورة لا ترقى إلى الطموح، ولن يسمح أويرحم أي أحد كائن من كان أن يدمر الحلم الذي دام طويلاَ وتحقق بعدعناءِ وطول انتظار. لماذا لانركز على الحفاظ على حلمنا ولا نعود إلى الوراء، بل ننطلق إلى الأمام ونعمل بإخلاص لنبني اليمن الحديث القوي الذي يحسب له ولأبنائه ألف حساب من خلال الأفعال وليس الأقوال؟ لماذا لا ننبذ التخلف والجهل والفرقة والعصبية والمناطقية والمذهبية؟ هذه أمور، ببساطة شديدة، قد عفى عليها الزمن ولم يعد يفكر فيها إلا جاهل أومن لا يدرك مايدور حوله من أحداث وتغيرات. ففي ظل الديمقراطية، كما يعرف الجميع، وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة رجل أسود، باراك أوباما، الذي تنحدرأصوله من أب كيني مهاجرمن أدغال أفريقيا التي مازال يعيش فيها أجداده وأهله وأحبائه حتى يومنا هذا.

آن الأوان أن نسمو فوق سفاف الأمور وننظر ماذا يدور حولنا ونجعل مصلحة وطننا فوق كل اعتبار ونقيم المرحلة السابقة بإيجابياتها وسلبياتها ونتعلم من الأخطاء الفادحة التي شابت الوحدة اليمنية في الماضي ونمنح أنفسنا فرصة بنية حقيقية خالصة لإصلاح الأوضاع في ظل المتغيرات التي حدثت مؤخراً ونرى ما يحدث خلال خمسة أو عشرة أعوام من الآن ومن ثم نقيم الوضع مرة أخرى.

ينبغي أن نعي توحيد اليمن لم يكن بالأمر السهل، بل كان في غاية الصعوبة والتعقيد ومازال يحتاج إلى فهمِ و وعيِ وحكمة من قبلنا (كل اليمنيين في شرق البلاد وغربها وفي وسطها وجنوبها وشمالها) لنتجاوز مرحلة تحققيق الوحدة وتفكيك الوحدة ونتطلع إلى ماهو أبعد من ذلك، كما فعل الألمان، ألا وهو تحقيق أهداف الوحدة اليمنية المتمثلة، من وجهة نظري المتواضعة، في بناء اليمن الحديث الذي ينعم فيه اليمنيون كلهم بالأمن والإستقرار والرخاء والمساواة وتكافؤ الفرص والخدمات في كل المجالات بما فيها العيش الكريم والتعليم والصحة والأمن والقضاء العادل الذي يحفظ للإنسان اليمني كرامته وحقوقه أيًا كان هذا الإنسان. فلو، لا سمح الله، حصل مالايحمد عقباه وحقق أصحاب الرؤى والمصالح الضيقة وقصيري النظر مآربهم ونجحوا في تشطيراليمن مرة أخرى، فلن يكون هناك هذه المرة دولتين، الأولى في الشمال والأخرى في الجنوب، ولكن دويلات ممزقة متناثرة تخوض حروباً مدمرة مع بعضها البعض ... ولن تقوم لليمن قائمة إلى الأبد. أتمنى أن نعي ذلك نحن اليمنيون بكل ألوان الطيف، ونتنبه للأخطارالمحدقة بنا ونسعى جاهدين جميعاَ يداَ بيد وبإخلاص وولاء لليمن لتحقيق أهداف الوحدة والرقي باليمن أرضاَ وإنساناَ بدلاَمن هدر الجهد والفكر والوقت والمال في أمور لاتسمن ولاتغني من جوع.

وأخيراَ أكمل مابدأت به عنواناَ لهذا المقال وأقول كم كنت أتمنى ومازلت أتمنى من أعماق قلبي ألا أقول تعلم الألمان من اليمنيين، ثم توحدوا، ولكن لم يتعلم اليمينيون من الألمان كيف يتجاوزوا مرحلة تحقيق الوحدة وتفكيك الوحدة إلى مرحلة تحقيق الأهداف التي من أجلها قامت الوحدة بدلاَ من العودة إلى الوراء ومحاولة هدم الحلم اليماني الذي كان ومازال أيضاَ حلم الشعوب العربية والشعوب الأخرى في العالم التي مازالت تؤمن بأن في الإتحاد قوة وفي التشظي ضعف وهوان ومذلة.

اللهم من أراد لليمن واليمنيين مكروهاً، فرد كيده إلى نحره، ومن أراد لليمن ولليمنيين خيراَ فوفقه إليه ويسره له إنك ولي ذلك والقادرعليه ياقوي، ياعزيز. اللهم أمين.