الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٦ صباحاً

لا اخلاق في السياسة... ولا في الاعلام

علي منصور
الأحد ، ٢٣ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
يقال أن وزيراً من وزراء خارجية بريطانيا سُئل ذات مرة عن رأيه في العلاقة بين السياسة والأخلاق فكان جوابه أن السياسة هي المهنة الوحيدة التي بعد أن تمارسها لا تعد صالحاً لأي عمل شريف. والمقصود هو ان السياسي يمارس من الاعمال غير الاخلاقية من مكايدات وخوازيق وكذب ونفاق وما الى ذلك من لوازم المهنة ، يمارس منها ما يجعله بعد تركه للعمل السياسي غير قادر على ممارسة أي عمل شريف. بالطبع فإن هذا التقييم الأخلاقي لمهنة السياسة صادر عن وزير خارجية في بلد عريق في ديمقراطيته وغني بالقوانين والضوابط التي ترسم بشكل دقيق حدود ما يمكن للساسة أن يقوموا به من اعمال غير اخلاقية دون أن يطالهم القانون ... فإذا كان هذا البريطاني يعتبر ان سياسييهم ، رغم كل ما يقيدهم من قوانين وقضاء وضبط وربط ، ما يزال بإمكانهم ممارسة اعمال بعيدة عن الشرف والأخلاق وتؤدي في النهاية الى تدمير أخلاقهم ومنظومات قيمهم وتفسدها الى أن يصلوا الى الحد او النقطة التي لا يعودون بعدها قادرين على ممارسة أي عمل شريف ...اذا كان هذا حال سياسييهم في بريطانيا والغرب عموماً فما بالكم بالسياسيين في بلد كاليمن لا يوجد فيه أي رادع أو ضابط قانوني لهذه الممارسات ... وإن وجد فإنه غير مفعل ولا قيمة له في ظل تهلهل منظومتنا القضائية وأجهزة الضبط.

ولا أدل على ما اقول مما نشاهده على محطات الأحزاب الفضائية وما نقرأه في مواقعها على الانترنت وفي صحفها الورقية من كذب قراح ، من كل الألوان ، ومبالغات وفبركات وضرب للخصوم تحت الحزام وفوقه ... فلو قارنا هذا السلوك لساستنا (او معظمهم) مع سلوك الساسة البريطانيين فلاشك أننا سنشفق على ذلك البريطاني صاحب تلك المقولة الذي لا شك أنه شط في مقولته ... فظلم نفسه وظلم ساسة بلاده ... فمعظم الساسة في بلدنا ايها السادة قد تجاوزوا بممارساتهم من لوازم المهنة نقطة اللاعودة التي كان يفكر فيه ذلك الوزير البريطاني المسكين صاحب الحس الاخلاقي الرهيف ...

غير أن الأدهى من ذلك هو أن فجيعتنا ليست محصورة فقط في ساستنا وحدهم، وليتها كانت كذلك، ففجيعتنا أيها السادة تمتد لتشمل أيضاً إعلاميينا. فالغرب الذي لا يكاد يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها على "حرية الاعلام" باعتبار أن للإعلام الحر دوراً اساسياً ورسالة هامة يؤديها لضبط العملية الديمقراطية من خلال تزويد المواطنين بالمعلومة الصادقة حول ممارسات الساسة وكشف انحرافاتهم وتجاوزاتهم إن وجدت، وبالتالي ردعهم وتهذيب ممارساتهم، هذا الغرب يبدوا انه عندما رسم هذا الدور للإعلام كان يفكر في إعلاميين اصحاب مصداقية وقيم وأخلاق ... وشعوب واعية قادرة على تمييز الغث من السمين، ولم يكن يتخيل أن يوجد مثل ما لدينا في اليمن من إعلام اصفر كاذب تبين لنا في السنوات الثلاث الأخيرة انه لا يتورع عن أي اختلاق للقصص وممارسة الكذب القراح والمكايدة ... وجهل متفشي يسمح للكذاب أن يواصل الكذب الى مالا نهاية... حتى جاز لنا ان نقول "أيها الاعلام الحر كم من الجرائم ترتكب باسمك".

إن لدينا ايها السادة كتاب ميكافليين من الدرجة الاولى ... معظمهم كتاب مأجورين مرتزقة... يتم محاسبتهم "بالكذبة" كما يحاسب الخياط بالقطعة. ولدينا مواقع اخبارية لا تتورع عن تقويل الناس ما لم يقولوه أو نشر العناوين المثيرة الكاذبة لجذب أكبر عدد من القراء طمعاً في تحسين تصنيفها وبالتالي رفع اجور اعلانات المعلنين فيها.

اعلامنا ايها السادة لا يسأله أحد ولا يحاسبه أحد ... ولهذا فباب الكذب امامه مفتوح على مصراعيه ... كالأجواء المفتوحة امام شركات الطيران ... يحلق فيها الكذب والكاذبين اينما ارادوا .... فمن يكذب اكثر يكسب أكثر ... وهذه لعمري مصيبة لا تقل عن مصيبتنا في ساستنا.