الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٢ مساءً

ديماغوجية الخطاب الحوثي

أصيل القباطي
الثلاثاء ، ٠١ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
يتفيأ الحوثيون جزءاً واسعاً من مساحة العلاقة العكسية بين الأغلبية الشعبية والطرف الأخر الخائض في معادلة الصراع، كحاضن يوفر حججاً مناسبةَ تساهم في تعدد الحجج التي يستعملها سياسيي الجماعة للتمويه على حقيقة المغازي من التوسع الحوثي المسلح، هكذا تستدر مؤازرة جموع يستغفلها الخطاب الظاهري دون أن تدرك ما قد تطرحه الجماعة مستقبلاً من خلال التعتيم الذي تفرضه على مشروعها السياسي المطروح في مران لا ما قدمه فريقها في الحوار على طاولات موفمبيك.

لقد تمكن الحوثي لفترة تمتد منذ ما بعد ثورة فبراير من وضع نفسه في المنطقة الضبابية متلبساً عباءة المظلومية في الست الحروب، وهكذا تمكن من وضع نفسه موضع لدى الكثير خصوصاً حينما اُعتبرت جماعته كقوة تؤسس لقاعدة طرف ثالث يقف ضد الطرفين المتصارعين إبان الثورة وواضع إياهما في سلة واحدة، نعم .. كثيرون اعتبروا الحوثي كقوة مخلصة من بطش الثالوث المتفرد بالسلطة منذ حرب 94، ولا أخفي أنني كنتُ أحدهم، لكن مع توالي المراحل تسقط عن سابقاتها حيثيات استندت عليها في موقفي آنذاك من الحوثيين.

وكمحاولة لنزع فتيل المخاوف من خطر توسع الحوثيين المسلح، يتحدث ممثلي الجماعة في الحوار عن أن كل ما يجري في مناطق شمال الشمال من معارك، تنتهي بكسب الجماعة مزيداً من المساحة، مجرد انتفاضة اجتماعية قامت بها فئات لطالما هُمشت في ظل عسف أسر محددة لمكونات القبيلة.. فعلاً، أسرُ بحد ذاتها تجير قطاعات القبيلة لصالح تعزيز مكانة الأسرة في المجتمع بشكل عام، لا ترى تلك العائلات أبناء القبيلة إلا بنادق تعلي من شأن نفوذها أو أدوات تُستهلك في مزارعها كعملة تشارك في رفع أسهمها أو أصوات انتخابية توسع مكانة تلك العائلات سياسياً، وكان واجباً ان تنتفض تلك القطاعات القبلية الواسعة على المتسلطين عليها، كثورة في خضم ثورة المؤسسات إذا ما اعتبرنا القبيلة مؤسسة استغلالية بتلك الطريقة التسلطية من قبل أسرة تمثل الإدارة وبقية ابناء القبيلة بين موظفين وعمال مضطهدين..

لكن، هل يُعقل أن تقوم انتفاضة مجتمعية تقوم بها الطبقات المقهورة داخل مؤسسة القبيلة برداء عنصري أخر لا يختلف مقاسه عن رداء الشيخ..؟ وهل الحوثي حامل لمطالبها..؟ أم إنه يقف على الركن الأبعد عن مطالب العدالة..؟

إذا ما تحدثنا عن خطاب الحوثيين الإعلامي، فإننا سنكتشف، ولو قليلاً، الكنه الحوثي المتوارى وراء غطاء المظلومية الفضفاض، فلا تجد الجماعة ضيراً في الإفصاح عن مكنونات تتقمص العنصرية بفخر، تنظر إلى سلالة البطنين بنظرات هي أقرب إلى التقديس، فتخاطب المنتمين اليها، وقيادات الحركة بالذات، بـ"سيدي ومولاي" أو بـ"سماحة سيدي وقائدي وإمامي"، صفات تذكرنا بتلك التي كان يوصفُ بها الإمام إبان عهده البائد، ومن الغريب أن نسمع فوق هذا أحد السياسيين المنتمين إلى الجماعة يصف خصوم الجماعة بـ"القوى التقليدية"، لكان من الأولى به أن يوصمها بـ"القوى الكلاسيكية" ليبدو وجماعته تقدميين أكثر، الحقيقة أن جماعة الحوثي هي أيضاً قوة تقليدية بُعثت من جديد، بعد أن أجبرتها على الاختفاء عوامل شعبية وسياسية واجتماعية، باعثةَ لروح الإمامة كقوة تقليدية أمُ لكل القوى التقليدية الأخرى حكمت شمال اليمن لعقود، ولا تخفي جماعة الحوثي استحضارها لأبجديات الإمامة.

توسع الحوثيون خلال الفترة المنصرمة بما فيه الكفاية جغرافياً، وبما يُلبي طموحات قد تكون أنية، حيث أصبحوا الأن متواجدين وبشكل مسلح في كل المديريات المحيطة بالعاصمة، متمكنين من فرض أمر واقع يستدعي قبولهم كرقم على الأصعدة كافة، ولا يجدون في دخول صنعاء بالطريقة التي يروج لها إعلام الطرف الأخر أي مكسب أكبر من تلك المكاسب التي حققوها حتى الأن. المشكلة الأن تكمن في أن الجماعة تتبنى أيضاً خطاباً تخديرياً للعوام بالادعاء أنها تنشد دولةَ مدنية وعدلاً ومساواة بينما تشهد الجغرافيا توسعاً مسلحاً وخطاباً طائفياً يسهم في نشر الكراهية لا يختلف عن مضمون الخطاب الذي يتبناه خصم الحوثيين الأيديولوجي والقبلي، يبدو أن الحوثيين يتكلمون بنقيض ما يفعلونه على الواقع تماماً، وكأننا أمام حالة فريدة من الانفصام.

كفرضية، لنصدق من يقول "انظروا إلى موقف الجماعة من القضايا الشائكة في الحوار وأحكموا على الجماعة من خلاله"، سنرى من خلال هذا، مثلاً، أن ممثلي الجماعة وقفوا مع قانون تحديد سن الزواج مسايرةَ للمطالبات الحقوقية ذات التوجه المدني عموماً، حسناً إذاً، لقد وافق الحوثيون على هذه النقطة، يا لهم من تقدميين! هكذا سنبدو منبهرين، إن غضينا الطرف عما صرح به أحد المرجعيات الدينية للجماعة ألا وهو المحطوري بزواجه من صغيرة كزوجة ثانية وعدم رؤيته لأي مشكلة في زواج الصغيرات.

عندما يُطلب من منتقدي الجماعة النظر إلى رؤيتها في مؤتمر الحوار وما تحمله من رؤى مدنية تضاهي رؤى الأحزاب المدنية وعدم الخوض في نواياها بطريقة ميتافيزيقية، فإنه يريد من الجميع اعتبار الرؤى على الورق أكثر صدقية من الواقع المُعاش. مثلاً يا أستاذ علي، وقضية تحديد سن الزواج نموذج، هل ستمتثل الحركة لما وافق عليه ممثلي الجماعة في مؤتمر أم تأخذ برأي مرجعيتها الدينية والمحطوري أحد مراجعها..؟ أي الخيارين أقوى على السريان في هيكل الجماعة..؟

بينما لا يتورع الخطاب الحوثي الإعلامي عبر قناة المسيرة، كمثال، عن رفع شعارات لطالما حامت الشكوك حول حقيقة مغزاها، فنراه يتحدث بجدية عن ولاية آل البيت المغدورة منذ 62 ويتفانى بتكرير حديث منسوب إلى النبي محمد (ص) يطلب فيه من المؤمنين تولي العترة، ودائماً ما يأتي ذكر العترة مصحوباً بصورة لعبدالملك الحوثي، لن يضل المؤمنون بعد توليها أبداًّ!، لا تكتفي قناة المسيرة بهذا إذ تدأب على استضافة متحدثين لا يجدون ما يهمهمون به عدا إلقاء كل المصائب التي شهدتها الأمة على سبب عدم تولي آل البيت ولايتهم، وهذا الكلام يخفي في جوهره أن تولي عبد الملك الحوثي الولاية سوف يعيدنا إلى الطريق السوي!

لم يكلف الحوثي، أو ناطقه الرسمي، نفسه عناء إزالة تلك الشكوك التي تحوم حول مشروع الجماعة بإن يكشف ولو لمرة في أحد خطابته الكثيرة حقيقة مشروع الجماعة المستقبلي ووجهة نظرها من القضايا المفصلية، هي فقط تكتفي بما تقوله الواجهة السياسية المثقفة للجماعة، أو ما بإمكاننا وصفه بيسار الحوثيين، كغطاء توارب به استحقاقات عرض الجماعة لمشروعها علناً وعبر قيادتها.

ثم أو حقاً يريد مثقفي جماعة "أنصار الله" إقناع الأغلبية من غير المنتمين إلى الخصم الطائفي للجماعة انها تمتلك مشروعاً مدنياً حديثاً..؟

أرجوك لا تقل لي ان الحوثي توسع في مناطق جغرافيا جديدة من أجل أن يوزع على سكان تلك المناطق ورداً أو ليبني لهم مدرسةَ أو لكي ينقل الناس من ظلمات الشيخ إلى نور السيد.

ان كل مكمن الخطر في هذا الصراع والحشد الطائفي المتبادل يسهم في تهتك النسيج المجتمعي الركيك أصلاً، إذا ما تمزقت وشائجه جراء استهدافها المتعمد فإننا مقبلون على تقوقع طائفي وفرز مناطقي ينسفان الهوية الوطنية لا يبقيان لها أثراً قد نتلمس كل الوسائل للعثور عليه فلا نجده.