السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٥ صباحاً

النزعة الفرعونية

نبيل مبارك عجرة
الثلاثاء ، ٠١ ابريل ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
لقد قتل، وشرد، وعذب، وأرهب، واستباح ما لا يستباح! واخترق الأعراف وما ذاك إلا لرؤيا رآها في منامه، ففسره بأن هناك من يأتي لينتزع ملكه ويسلبه ما توارثه من آبائه من أمد بعيد، والأمر كذلك ولكن لا ينجي حذر من قدر، قد على في الأرض باستخفافه لرعيته ولإطاعتهم له فلما رأى منهم ذلك لم يخف أن يقول أنا ربكم الأعلى وهذا المشهد يتكرر بتكرر تلك الأسباب عند أن تتهيا الظروف لجبار عنيد مثل شعب هذا الطاغية يوصلونه إلى أن يستهين بهم بل والسوم لمخالفيه سوء العذاب حيث يصل إلى أن يقول لهم ما أريكم إلا ما أرى فيسلب إرادتهم ويحول عقولهم إلى أجهزة يتحكم بها عن بعد.

إن هذه النزعة الفرعونية المبنية على نظرية أنا ليس غيري، وهذا الحصر على شخصه في كل مجالات الحياة سواء كانت ملك، أو علم، أو بيع وشراء وغيرها والمصيبة أن يتفرعن من يؤتيه الله العلم لا سيمى في الدين ثم يطبق هذه النزعة الفرعونية لإثبات ذاته لأهل زمانه فيوحي إلى أتباعه ومريديه ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، فإن هذا قلب للحق، فلو أمرهم بإتباعه إتباعاً مجردًا على طمعه وضلاله، لكان الشر أهون، ولكنه أمرهم بإتباعه، وزعم أن في إتباعه إتباع الحق وفي إتباع الحق، إتباع الضلال، إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا ، واعتقده نافعا. وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيا؟! وإلا فلم كانوا طغاة؟! والذي يظهر التخلف عن ذلك الركب يصيبه السب والتجريح والطعن والاستحياء، وتفرقة خوفا من أن يكثروا، فيغمروه في بلاده، ويصير لهم الأمر، فلذا قد يلجا إلى اشد الطغيان وهو القتل.

هذه النزعة الاحتكارية قد تكون في شخص كما يلاحظ ذلك من يقرأ سير الأولين يجد بأن الملك والأمير هو صاحب الأمر كله فهو الدولة والسلطة والقانون، فإن الملوك يستذلون الشعوب ويستعبدونهم برؤساء وعرفاء منهم، وتأثير كبار قومهم ذوي المصالح عند أصحاب السلطان، والأذلاء الذين يلوذون بكل صاحب سلطة، وأما اليوم فهذا الاحتكار يتمركز في عمل تنظيمي إذ تتبنى ذلك جماعة { وكل حزب بما لديهم فرحون }، فتسخر هذا المرض الفرعوني لتثبيت دعائم فكرها وتلميع أشخاصها حتى يظن الآخرين ألا نجاة إلا تحت ظلال أجنحتها المحرقة والنهل من مائها المتعفن بحب التملك ومن يتخلف من خارج الصف أو ينحرف من الداخل تصيبه شرور أسواطها وقمع سلاسلها، إنه الطغيان في كل مكان وفي كل زمان لا فرق بين وسائله اليوم ووسائله قبل عشرات القرون والأعوام ..!