الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٢ مساءً

فخ الثورة وكمين التغيير

عبد الخالق عطشان
السبت ، ١٢ ابريل ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
ظل الجدل قائما : أأزمة أم ثورة ؟ ثم مالبث أن آمن أصحاب رأي الأزمة بأنها ثورة غير أنه إيمان لم يقصد به الإعتقاد الجازم أنها ثورة وإنما هو إيمان ظاهري بيد أن الباطن يحمل تشكيكا فيها إساءة إلى قادتها وأهدافها بل ورافق هذا الاعتقاد الباطني عملٌ بالجوارح للتأكيد على ذلك فتفاقمت معاناة المواطن وزادت معاناته فكانت أعمالا تخريبية فوضوية منظمة لإسقاط النظام القائم والذي يظم الثائر والمُثار ضده .، جاءت المبادرة الخليجية فبرز فصيل سياسي يدعي أنه من صاغها وأنه اجتهد فيها ليخرج البلاد من الظلمات إلى النور غير أنه مالبث أن كفر بها كلما رأى أنها لاتتسق مع غاياته ومطامعه بل وكلما جاس خلال الديار ورأى سخطا شعبيا على هذه المبادرة تبرأ منها وزيادة على ذلك ولرغبته الجامحة إلى أيامه الخوالي في الحكم وأن ذلك لن يتم إلا بتحالفات واسعة ولو مع عدوه تراه يشن هجوما ويجاهر بلعن المبادرة.

لم تكن المبادرة بقيةٌ مما ترك آل إبراهيم وآل موسى بل ولم تكن مما تكفل الله بحفظه ولذلك فهي جهدٌ بشري اعتراها التحريف يوم كتابتها ونُسخت معظم نصوصها بالأفعال لا بالنصوص فلم تفسر بنودها الغامضة ولم تشكل لجنة التفسير بل ولم يتم الإلتزام بمواعيدها وتزمين أحداثها فتعرضت للمط والتمديد بعد تأويل نصوصها ومع ذلك مرت عملية التسوية السياسية غير أنها كانت بتكلفة كبيرة ، ورغم الاختلاف على المبادرة إلا أنه تم القبول بها فكانت بضاعةً ربح منها من ربح وخسر من خسر فلقد استطاعت بعض المكونات أن تحاور وتناور وتحارب في آن واحد وتتمدد كلما تمدد الحوار بالتوافق وانكمش بالإختلاف والذي هو- الحوار- أحد بنود المبادرة فكانت المبادرة في نظر البعض أمريكية غير أن المكاسب والأرباح منها كانت على حساب الوطن والمواطن خالصة لهذا الفصيل.

لقد استطاع لص الخارج أن يجعل من المبادرة عظمة تلهو بها القوى السياسية وتتنازع عليها ريثما يستطيع ذلك اللص أن يُحكم قبضته ويفرض شروطه مستغلا حالة الفوضى المفتعلة والثقة المنعدمة بين القوى السياسية والتخوين القائم بينها بل وصل الأمر أن تنجح قوى الخارج في إيجاد حالة من الشك وعدم الركون بين عامة الشعب وقيادته نتج عنها حركات مناوئة للحكومة القائمة تطالب بإسقاطها كل ذلك بالتعاون والتنسيق مع الطامعين في الحكم والذين يُعول عليهم تحقيق مصالح الخارج قبل مصالحهم.

تزداد الاوضاع سوء على جميع الاصعدة السياسي والاقتصادي والامني وعلى ذلك يدندن كل متضرر من التغيير وطامع الى تغيير افضل لكن لذاته وبما يلبي مطامعه وهذا ما يرجوه رعاة المبادرة الحقيقيون والذين علقوا فؤاد الحكومة والرئاسة بمساعدات ومنح مالية مشروطة أضعفها التبعية والإرتهان ، وقد تأكد ذلك حينما ظلت تماطل في الوفاء بوعودها بمعاقبة معرقلي التسوية والاكتفاء بالتلويح أو بالوفاء بالتزاماتها المالية ، وبقدر التوجس الشعبي من نتائج التغيير والآداء الحكومي هناك أيضا توجس خارجي ينظر بعمق إلى ما ستأول إليه عملية التغيير وهل سيفضي إلى ما أفضت إليه التجربة المصرية والتونسية ولذلك فهو ينظر بعين الريبة ويخطط ويمول للحيلولة دون ذلك وعلى الطرف الآخر فالمتوجَس مِنه ربما قد وعى الدرس المصري غير أنه مازال يفتقر إلى التكتيكات السياسية ومازالت وسائله دون المستوى التي تعينه على تصدره وثباته وقدرته على البقاء لمواجهة الخصوم – سياسيا – رغم مرونته والضغوط التي تمارس عليه لتقديم كثير من التنازلات والتي لن يقنع خصومه في الداخل والخارج بها إلا إذا تنحى عن الحياة السياسية بل ومحاولة جره إلى مواجهة عسكرية لتحقيق عين الهدف في سحقه وتغييبه ليس عن الحياة السياسية فحسب وإنما عن الحياة الدنيا . إن المبادرة على رأي البعض ضرورة فلو أنها طُبقت بعيدا عن التحريف والتأويل والتعطيل والتمديد وشارك الجميع في تنفيذها دون تخوين وتشكيك وآمن الجميع بضرورتها ووضعوا حدا لتمادي الخارج لكانت قد حققت كثيرا من المطالب وبأقل التضحيات.