السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٩ صباحاً

هل بات المشروع السياسي للحوثيين مقتصراً على معارضة الإصلاح؟!

د. عبدالله أبو الغيث
الأحد ، ١٣ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
بداية دعونا نقول بأن الحوثيين صاروا تياراً رئيسياً على الساحة اليمنية من الصعب تهميشه أو تجاهله، وأنهم في حال انتقلوا إلى تأسيس حزب سياسي فإن حزبهم سيندرج ضمن الأحزاب الرئيسية في اليمن، شريطة امتلاكه لبرنامج سياسي واضح المعالم.

وفي المقابل فالحوثيون باتوا يدركون قبل غيرهم بأن جماعتهم أصبحت في واقع الأمر موضوعة بين خيارين لا يمكن لها الجمع بينهما لفترة طويلة؛ فإما أن تبقى جماعة مسلحة متمردة على الدولة، أو تتحول إلى حزب سياسي يمارس نشاطه مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى.

نعم قد يكون بإمكان جماعة الحوثي الجمع بين الخيارين لفترة مؤقتة كما حدث في مشاركتها بمؤتمر الحوار الوطني، وقد تتمكن من ذلك خلال مرحلة انتقالية قادمة تنتقل من خلالها الدولة اليمنية إلى تطبيق مخرجات الحوار الوطني، لكن ذلك سيكون صعباً بعد الانتقال إلى المرحلة الدستورية الجديدة لدولة اليمن الاتحادية.. هذا إن لم يكن مستحيلاً.

لا تقفز هنا إلى أذهان البعض حالة حزب الله اللبناني وقدرته على المشاركة السياسية في لبنان في ظل احتفاظه بسلاحه، فالمقارنة بين الطرفين غير سليمة وتؤدي إلى نتائج عكسية، فلبنان تقع على الحدود مع إسرائيل وهو ما مكن حزب الله من تقديم سلاحه بكونه سلاحاً للمقاومة.

أما جماعة الحوثي فسلاحهم لا يقتل إلا أبناء شعبهم من اليمنيين، بينما يظل اليهود والأمريكان في مأمن منه رغم الشعار الذي يكيل لهم اللعن ويدعو عليهم بالموت، وهو ما جعل شعار الحوثي مثاراً للتندر بينهم (تصريحات فاير ستاين سفير أمريكا السابق في اليمن نموذجاً).

إذاً التحول الحوثي من جماعة مسلحة إلى حزب سياسي أمر محتوم ولا مفر منه إن أرادوا أن يمثلوا نسيجاً منسجماً مع بقية أبناء المجتمع اليمني، وذلك سيحتم عليهم تقديم برنامج سياسي واضح المعالم يراه أبناء الشعب اليمني أمامهم ليتمكنوا من المفاضلة بين برنامجهم وبين برامج الأحزاب السياسية الأخرى وهم يقفون أمام صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة.

فالمشاهَد أمامنا أن الأداء السياسي في الفترة الراهنة للحوثيين يقوم بدرجة أساسية على أساس تتبع مواقف حزب الإصلاح وترصدها ومن ثم معارضتها والوقوف على الضد منها حتى إن أدى الأمر إلى تناقض جماعة الحوثي مع مواقف سابقة لهم كانوا قد أعلنوها قبل معرفتهم لمواقف الإصلاح!

هذا ليس رأيي لكنه بات موقفاً ملحوظاً يدركه الجميع، فإذا قال الإصلاح نسير شرقاً، رد الحوثي بأن السير لن يكون إلا غرباً، وإذا ما تنازل الإصلاح عن رأيه ووافق الحوثي على السير غرباً، أجاب الحوثي بأنه قد اقتنع بأن السير شرقاً هو الأنسب ولم يعد يطالب بالسير غرباً.

وذلك كان واضحاً في أمور كثيرة؛ لم يكن أولها رفض الحوثي أن تكون الشريعة مصدراً للتشريع وأن يكون الإسلام دين الدولة، ولن يكون آخرها رفض الحوثي أن يجرى الاستفتاء على الدستور بالسجل الانتخابي الحالي لمجرد أن محمد اليدومي رئيس الإصلاح صرح بعدم ممانعته لذلك.. على اعتبار أن الدستور سيكون توافقياً وستكون عملية الاستفتاء عبارة عن تحصيل حاصل.

ذلك يجعلنا نقول بأننا نريد لعبد الملك الحوثي قائد أنصار الله أن يخرج خطيباً لطرح برامج سياسية تنبني على ما يراه وجماعته صواباً لإخراج اليمن من واقعها الراهن بغض النظر عن توافق تلك الطروحات مع رؤى الإصلاح أو تعارضها، وينطبق ذلك على كبار السياسيين والقادة في جماعة الحوثي، فذلك أفضل لهم من جعل أنفسهم مجرد رجع صدى وخيال ظل معاكس لما يقوله اليدومي وبقية المسؤولين في الإصلاح في تصريحاتهم ومواقفهم، وهو ما يقلل من تأثير الحوثيين في الساحة اليمنية ويفقدهم كثير من الأنصار.

وهذا يجعلنا نقول بأن خطب الحوثي يفترض بها أيضاً أن تتوافق مع الرؤى السياسية التي يقدمها أتباعه وأنصاره في مؤتمر الحوار وخارجه، لأني عندما أستمع لعبدالملك الحوثي يخطب عن حق الولاية وحصر السلطة في البطنين لن أستطيع تصديق على البخيتي وهو يحدثني عن مشروع الدولة المدنية الحديثة التي يتبناها الحوثيون، أما قول البعض بأن ذاك خطاب للآخرة وهذا خطاب للدنيا فهو مجرد كلام يضحكون به على أنفسهم ويعلمون بأنه لم يعد يصدقه أحد غيرهم.

ويكفي للتدليل على ذلك بتراجع الكثير من كتاب اليسار اليمني وناشطيهم عن تأييد الحوثي بعد أن عجزوا عن تبرير كثير من طروحاته ومواقفه، خصوصاً أولئك الذين كانوا ينظرون بأن الإصلاح يشكل خطراً على الدولة المدنية التي ينشدونها، فوجدوا أنهم بوقوفهم مع الحوثي ضد الإصلاح صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ولذلك فمن تبقى مدافعاً من اليساريين عن الحوثي (ومعظمهم مرتبطين به بشكل غير معلن وباتوا معروفين للجميع ويشار إليهم بالبنان) بدأوا يتحدثون عن الرغبة في إحداث نوع من التوازن على الساحة اليمنية مع الإصلاح، وهو كلام يمكن تفهمه – في حال تحولت الجماعة الحوثية إلى حزب سياسي - بعكس القول بأن جماعة الحوثي تتبنى قيام الدولة المدنية الحديثة.

ولعل وضوح البرنامج السياسي للحوثيين سيتطلب منهم إخراج تحالفهم مع جناح على عبدالله صالح في حزب المؤتمر إلى العلن كما صرح به عبده الجندي، فإنكار ذلك التحالف لم يعد يجدي لأنه صار واضحاً جلياً حتى للمتابع العادي، وسيكون من الأفضل للطرفين لو أنهم حاولوا تبرير تحالفهم بدلاً من انكاره، فما نخشى معرفة الآخرين به علينا الاقلاع عنه وليس إخفائه.

وسيعني وضوح البرنامج السياسي للحوثيين أيضاً امتلاكهم القدرة للتوفيق بين الأقوال والأفعال، فالحديث الصاخب الذي ضجت به جماعة الحوثي وأنصارها عن العدالة والمساواة والأمن التي تحققت في ظل سيطرتهم على صعدة لم يجد الناس له تطبيقاً يذكر عندما سيطر الحوثي على مناطق خارج صعدة، حيث مل الناس – بما فيهم الذي كانوا من المرحبين بهم – بعد فترة قصيرة منهم عندما وجدوا التمييز والتنكيل بالمخالفين، خصوصاً بعدما قدم الحوثي نفسه بديلاً للدولة وليس جزءً منها.

ختاماً أذكّر هنا بما قلته في مقال سابق (التعايش الحوثي الإصلاحي.. فن الممكن) بأن التعايش بين الحوثي والإصلاح هو السبيل لحفظ أمن اليمن واستقراره وتقدمه، فالخلاف بينهما إنما تستفيد منه قوى محلية وإقليمية ودولية متربصة بالطرفين وتريد أن تجعل منهما كبش فداء خدمة لمصالحهم ومشاريعهم التي يخططون لها بعيداً عن المصلحة العليا لليمن وشعبها المقهور.. فهل نعي؟