الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١١ مساءً

حملة ثقافية مزامنة كي لا يشعر الجيش بواحديته في المعركة

يحيى مقبل
الاربعاء ، ٠٧ مايو ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
مسخرة ما بعدها مسخرة أن يلاحق الجيش الارهابيين فردا فردا في منعرجات الجبال وجنبات الوديان في حين يُصنع ويُفَرّخ جهارا نهارا وبالجملة في صنعاء وعدن وغيرهما .

يقدم الجيش دمائه رخيصة من اجل الا تنفجر سيارة مفخخة او جسم بشري محشو بالبارود والديناميت في شارع عام او في سوق مكتظة بالباعة والمارة او امام جامع او مشفى او مدرسة ، في حين الحكومة تحتضن الارهاب بحميمية وتُنَشِئَه وتغذيه بأموال الشعب وتحميه بالقانون ، فالكثير من المؤسسات الدينية التي تمولها الحكومة من اموال الشعب لا تُفَرِخ الا الارهاب والتطرف ، هذه المؤسسات التي تُدَرِس مناهج مشحونة بالكراهية والعنف لا تخلق الا اجسام ناسفة.

الارهاب يصنع بخطاب ديني متطرف في مساجد ومؤسسات دينية منتشرة في طول وعرض البلد ، وقتال الجيش وتضحياته مع بقاء تلك الأوكار من جامعات ومراكز تحفيظ ودور حديث عبث محض ، فاذا قَتَل الجيش مائة ارهابي فإن جامعة الايمان واخواتها من مراكز ما يسمى بتحفيظ القرآن ودور الحديث كفيلة بصنع ألاف منهم لسنا بحاجة لِحُّفَاظ للقرآن فمجمع الملك فهد يغرق الارض بالمصاحف ، وبإمكاننا تخزينه مقروء ومسموع في ذاكرة صغيرة جدا .

جففوا منابع الارهاب بتجريم الخطاب الديني المتطرف ، بقطع السنة الوعاظ المثيرة للتعصب والكراهية ، اقسم ان إحالة بعض الجوامع الى حانات خمر ودور سينما ومقاهي ليلية راقصة أولى من تركها لخطاب فتنوي شرير يزرع الموت للمارة والباعة في الشوارع والاسواق .
لقد احرق و هدم الرسول (ص) مسجد الضرار بعد عودته من غزوة تبوك لأنه يهدف لزرع الضغينة بين المسلمين ، وقال لأثنين من اصحابه (انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه ) ،لا يوجد مقدس مهما كان اذا شذ عن سويته ،
الم يقل الرسول والله لهدم الكعبة اولى من هتك عرض امرأ مسلم .

ان الجيش اليمني يشن اليوم معركة لا هوادة فيها ضد الارهاب والتطرف ، وهي خطوة ملحة ويجب ان لا تتوقف قبل تطهير كامل التراب اليمني من التواجد المنظم لعناصر القاعدة و سواء باركتها امريكا ام لا .

ولكن لتنجح حملة الجيش يجب ان تتزامن مع حملة اخرى ثقافية وفكرية تجرم التعصب والكراهية الدينية والمذهبية ، حملة تروج للفكر النقدي لكل ما هو مقدس ، حملة تهدف لسحب كل ما تعالى به البشر الى الارض ، حملة تستهدف عقول الشباب من خلال توجيه خطاب ديني مغاير ومخالف للخطاب الديني السائد المتطرف و المأزوم ووضع حد لهذا الخطاب القاتل ، ليأتي في فترة لاحقة عملية اصلاح مدروسة وشاملة للمنظومة التعليمية الرسمية والأهلية وفرض الرقابة الصارمة على كل ما يؤدي الى التطرف.


حجم القاعدة في اليمن لا يستهان به ، هناك اجانب لا سيما من الجارة يعبرون الحدود بتسهيلات من المملكة ربما تعتبر انها ترمي عصفورين بحجر فمن ناحية تتخلص منهم برميهم خارج جغرافيتها ومن ناحية اخرى تزعزع امن واستقرار اليمن كي لا يتيحوا لليمنيين بناء دولة ذات سيادة . فنسمع ان السلطات السعودية تلقي القبض على بعض النساء السعوديات وهن يحاولن اللحاق بأزواجهن المقاتلين في اليمن ، لكن لا نسمع القبض على الأزواج المقاتلين.

وهناك قوى عملت وتعمل منذ زمن على تبيئة وتوطين الفكر التكفيري السلفي بإنشاء جامعات ومراكز دينية متطرفة في طول وعرض اليمن في ظل صمت بل تشجيع وتواطؤ حكومي رسمي.

كما ان هذه الجهات استقدمت في حروبها مع الحوثيين خليط من جنسيات شتى من المقاتلين في سوريا والعراق ومن دول اخرى ،مستغلين موقعهم في الحكومة ،واذا ما اضفنا الرمزية التي تتمتع بها اليمن كونها اصل انحدر منه اسامة ابن لادن الزعيم الروحي والمؤسس الاول للتنظيم ، وبهذه الرمزية تستهوي الجهاديين من اقطار اسلامية شتى ، هذا بالنسبة للقاعدة كوجود وقد استطاعت القاعدة خلال الفترة الماضية البرهنة على وجودها من خلال توجيه ضربات قوية كتفجير السبعين ومشفى العرضي ووزارة الدفاع وتهريب قادتها من سجون عدة وهي تغتال متى تشاء وهي تقوم باستعراضات كبيرة.

اذا القاعدة في اليمن لها تواجد لا يستهان به وتستطيع ان تنفذ هجماتها في احيان كثيرة ، وهي تستغل الجغرافيا اليمنية ذات الطابع الجبلي الوعر وهي جغرافيا مفتوحة على فضاء واسع باتجاه الصحراء ما يجعل من ملاحقة فلولهم امر ليس بالسهل ولا الهين .

ولكن رغم ذلك ، التطرف في اليمن ليس له بيئة حاضنة صلبة ومثالية ، ولم تنغرس جذوره عميقا في التراب اليمني ،فالمذهب الشافعي هو المذهب السني التاريخي السائد في اليمن وهو من اكثرها بعدا عن التطرف، وجل ما في الامر ان الظروف الخارجية والعوامل _العصيبة التي تمر بها البلاد _الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية اسهمت كل بقدرها في خلق بيئة نستطيع ان نقول انها مؤقتة لا تلبث ان تقذف كل الآتين من خلف الحدود اليمنية ،وتستوعب وتصهر المتطرفين من الداخل في النسيج المجتمعي او تمنع على الاقل عمليات تخليق جديدة ، اذا ما تزامنت الحملة العسكرية الحالية مع اصلاحات استراتيجية تستهدف التعليم والاقتصاد والاجتماع والسياسة ومحاربة الفساد .

يقف الشعب بكل اطيافه الى جانب ابناء القوات المسلحة والامن في حربهم على الارهاب، فعلى القوى السياسية المختلفة ان تساند الحملة العسكرية من خلال ترشيد الخطاب الاعلامي المحرض وخلق ثقافة تحاورية جدلية.