الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٠ صباحاً

مصلي وسارق ضحك على الخالق

د. عبدالله أبو الغيث
الاربعاء ، ٢١ مايو ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
أسئلة تتزاحم على ذهني كلما رأيت مظهر خادع للتدين: ترى ما هو الدين الذي يريده ربنا من عباده؟ وهل يقتصر دين الإسلام على العبادات فقط؟ وهل ارتداء العمائم وإطلاق اللحى وتمنطق المسابح يكفي لكي يكون المسلم متديناً؟ أم أن الدين أكبر من ذلك وأعظم؟

إجابات الأسئلة أعلاه معروفة وأكثر من واضحة لكننا نتعامى عنها ونتجاهلها، فالدين إلى جانب كونه عبادات هو أيضاً معاملات وسلوك وممارسة.
وحديث المرأتين كان صريحاً ولا لبس فيه، حيث جعل الجنة داراً لتلك المرأة التي كانت تقل من عبادتها لكنها تحسن لجيرانها، بينما كانت النار مثوى للمرأة الأخرى التي فهمت الدين بأنه إكثار للعبادة من غير أن تمنعها تلك العبادة من توجيه الأذى لجيرانها.

ذلك أن العبادات يقتصر أثرها بخيره وشره على صاحبها فقط، حيث ينحصر ثوابها وعقابها على صاحبها في العالم الآخر. أما المعاملات فهي تتعدى صاحبها إلى غيره من البشر؛ بحيث يستفيدون من إحسانه ويتأذون من سوء عمله في حياتهم الدنيا.

والله قد يعفو عن التقصير في حقه بأداء بعض العبادات التي كلف عباده بها، لكنه أبداً لا يعفو عن ارتكاب الإساءات في حق عباده من البشر، فهم وحدهم من يمتلك حق العفو أو المطالبة بالقصاص أكان ذلك في الدنيا أو الآخرة.

بل إن العبادات يسقط معناها وتفقد قيمتها وجدواها إذا لم ترقَ بصاحبها وتسمو به إلى مكارم الأخلاق "فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" "وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، وذلك عابد بني إسرائيل الذي كان يعيش في قرية فاسقة أمر الله ملائتكه وهم ينزلون العذاب بهم أن يبدأوا به لأنه لم يأمر بمعروف ولم ينه عن منكر.

ترى الواحد منهم يسابق على الصف الأول في المسجد لكنه في معاملاته لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، فهو يغالي ويغش في بيعه إن كان تاجراً، ويرتشي وينهب ويسرق المال العام إن كان موظفاً.

قد يتحرج أحدهم عن بلع ريقه وهو صائم لكنك تجده يبتلع الأراضي الخاصة والعامة من غير خوف من الله أو تأنيب من ضمير، وإذا قام على عمل شارك فيه غيره في مؤسسة استثمارية أو منظمة مجتمعية أو غيرها من الأعمال احتال وراوغ وأكل الأخضر واليابس باسم بدل الجلسات والسفر ومكافآت ما أنزل الله بها من سلطان وغيرها من المسميات.. وبعد ذلك تجده لا يتورع بالحديث عن فضيلة صوم الأيام البيض من كل شهر.

والمصيبة أن بعض أولئك العُبّاد صار الدين لديهم ألعوبة، فإذا سألته (أنى لك هذا؟) من باب الإنكار أجابك (هذا من فضل ربي) متطاولاً على الله الذي يقدمه لك هنا بأنه يرعى فساده وعبثه ويباركه، وقد يجتهد في تقديم التخريجات (الشرعية) لك لتبرير سرقته وعبثه ويحاول إيهامك بأنه ظل الله في أرضه (يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم).

إن الإنسان الفاسد الذي يمارس فساده مغلفاً بتدين زائف هو أشد خطراً من ذلك الفاسد الذي يمارسه باسم الشطارة والفهلوة ويبدي عدم تقيد بآداب الدين وتعاليمه (إنما أوتيته على علم عندي)، ذلك أن فساد الأخير ظاهر للناس ويمكنهم من آخذ الحيطة والحذر منه، وذلك بعكس الأول الذي يزايد على الناس باسم الله.

لا يُفهم هنا بأننا ندعو لترك العبادات والاكتفاء بالمعاملات الحسنة، لكننا نريد أن نقول بأن الدين منظومة متكاملة بين الفرعين بحيث لا يغني ممارسة أحدهما عن الآخر لتكون مسلماً مكتمل الإيمان. وتبقى العبادات عملا محصور بين الله وخالقه، بينما المعاملات هي لله وللبشر، وذلك يجعلنا نقول بأنه سيكون من الأجدى لنا لو كثفنا رقابتنا على علاقة الناس بالناس وتركنا علاقة الناس مع الله لخالقهم.

فالناس يتوقون لرؤية القدوة في المعاملات بحيث يشاهدون الشخص المتدين وقد صار خلقه القرآن حسب وصف أم المؤمنين عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكتفي بحفظ القرآن وتلاوته بينما لا تجد له أثراً على حياته وتعاملاته مع الآخرين، فالله أنزل لنا القرآن ليكون دستور حياتنا لا لنحفظه في الزوايا ونكتفي بتلاوته في صلاتنا.

هؤلاء العُبّاد الذين لا تنعكس عبادتهم على معاملاتهم تجدهم ينتشرون في كل المذاهب والتيارات والأحزاب، أقول ذلك حتى لا يكتفي كل فرد أو طرف بإلقاء التهمة على غيره بأنه هو المقصود ويبرئ نفسه، وعلى كل واحد منا أن يتذكر بأنه وهو يصوب سبابته نحو الآخرين بأن ثلاثاً من أصابع يده تتجه نحوه.
خلاصة القول: ما ذكرناه أعلاه هو تجارة بالدين وليس تديناً، ولا يقل سوءاً عمن يمارسه أولئك الذين يتاجرون في الجانب الآخر باسم الوطنية والمدنية وكل قيمة جميلة ثم تجدهم وهو يعبثون بالناس ويعيشون في الأرض الفساد، بينما يطالبون غيرهم بالنزاهة والشفافية .. فكلهم سرق!!.