الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥١ مساءً

واقدساه..!!

سلمان العودة
الاربعاء ، ٢١ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٣:٠٢ مساءً
هل في حسِّه المثقل بإدمان الصراع والتصنيف زاوية تقبل التذكير بهذه المعلومات حول القدس..؟.
«أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ» (رواه البخاري).
خبر نبوي أكيد، ورسالة التوحيد هي رباط الأنبياء ونسبهم ودينهم، وعلى هذا فمرور بني إسرائيل على المدينة كان عابراً.
ليس غريباً أن يقوم الصهاينة بالحفريات بحثاً عن الهيكل والتراث اليهودي المزعوم فلا يحصلوا إلا على المزيد من الآثار الإسلامية.
استقبلت القدس عمر - رضي الله عنه - لاستلام مفاتيحها، وأمَّن عمر أهلها، وحقن دماءهم، وقام بكنس القمامة؛ تواضعاً لله تعالى، ورسالة بحفظ المقدسات.. لما دخل الصليبيون القدس قتلوا أكثر من سبعين ألفاً، ودفن هؤلاء الشهداء في مقبرة «أمان الله».
حارب الصليبيون المعرفة الإسلامية؛ حيث كانت القدس منصّة انطلاق لجهود علمية، وفيها بدأ الإمام الغزالي تأليف كتابه (إحياء علوم الدين) قصد القدس أئمة؛ كالطرطوشي، وابن العربي، وعرف التاريخ الإسلامي المقادسة من الحنابلة وغيرهم، وجهودهم مشهورة مذكورة.. حين عادت القدس لم ينتقم صلاح الدين من أحد، وقام بعلاج غير المسلمين؛ تكريساً لنبل الأخلاق وإنسانية الإسلام حتى حين يظفر بخصومه؛ إنما تُعرَف الأخلاق عند القوة:
حكمنا فكان العدل منا سجية
فلما ملكتم سال بالدم أبطح
القوة المادية وحدها لا تصنع شيئاً، وأقوى ما يكون الإنسان حين يصبح ولا شيء لديه يخسره، الانشغالات المحلية العربية تلهي الناس عن القضية الفلسطينية، ولكنها لا تلهي الصهاينة المحتلّين الذين يعملون ويخطّطون بصمت نؤمن بما قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} (36) سورة الأنفال.
سيقتسم العرب والمسلمون مع الفلسطينيين كسرة الخبز، ورشفة الماء، ونضال الحاضر، وحلم المستقبل. أؤمن بأن القضية الفلسطينية هي «ترمومتر» يحكي حال الأمة. أعظم ما يدعم الصهاينة هو الضعف العربي والإسلامي. بنى الصهاينة حضورهم على خلافاتنا وانشقاقاتنا، وأجّجوا الأحقاد والضغائن حتى داخل المنظمات الفلسطينية. تفوّق الصهاينة في المحافل الدولية، وقدَّموا أنفسهم لشعوب العالم وكأنهم أقلية وديعة ديمقراطية يهدّدها الإرهاب العربي من كل مكان.
الصهاينة كيان عنصري متطرّف ومحتل يمارس إرهاب الدولة، وهذا ما بدأت تعيه الكثير من الجمعيات والمؤسسات العالمية.. مَنْ يدري فربما كان سقوط التسلُّط الصهيوني من خلال العدد البشري الفلسطيني، والمقاومة المدنيَّة، والخطط الحكيمة، والنجاح الإعلامي. ينظر أحدنا إلى عمل ما على أنه صغير وغير ذي جدوى؛ وربما كان هو الفسيلة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تُغرس: « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَل» (رواه أحمد, والبخاري في الأدب المفرد)، إنه الحديث الذي يعلّمنا المبادرة حتى حين نظن أن كل الطرق مسدودة.
لو أن كل واحدٍ حاول أن يصنع شيئاً مما يدخل في دائرة المقدور عليه لرأينا عالماً من الإيجابيات والتحوّلات الرائعة. لو بدأ الفرد بإصلاح نفسه وأصدقائه؛ فكيف سيكون حال شباب الأمة وفتياتها, وإذا عجز عن هذا فكيف يحلم بالتغيير..؟!.
من عجز عن إحياء مسجد الحي بالصلاة والخدمة، فكيف يفكر في إحياء المسجد الأقصى..؟!.. الطالب الذي يتفوّق في دراسته يُسهم في تحرير المقدسات، والموظف الذي يعمل بشرف، والتاجر الذي يبيع بأمانة. الأم التي تربّي أولادها على الفضيلة، والطبيب الذي يؤدّي واجبه بإخلاص، والمبدع الذي يعكف على فكرة بنَّاءةٍ، كلها تسهم في تحرير مقدستانا. الصبر مهم لإنجاز ما يمكن إنجازه، ومهم إزاء المشكلات التي لا نملك أمامها حلاً، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.
علينا ألا نعتقد أن اليهود هم سبب تخلفنا بل تخلفنا هو سبب هزيمتنا أمام الصهاينة وسواهم. من أجل أن نعرف كيف يتحقّق النصر لابد أن ندرك كيف وقعت الهزيمة، ومن أجل أن نرسم طريق الخلاص لابد أن نعرف كيف حدثت المعاناة. الاقتناع بأنك مسؤول شخصياً أمام الله يجب أن يسبق توزيع المسؤوليات على الآخرين. لماذا لا نُشجّع كل مبادرة مهما قلّت، ونتذكّر أن الحياة بشمولها تحتاج إلى كل شيء «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» (متفق عليه).
من دون أن نستخدم (الخيال الإيجابي) سنظل نعيش في كآبة ويأس، ولأمرٍ ما أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ..» (رواه البخاري).
تخيَّل الأرض المقدسة وقد حُرّرت من دنس الغاصبين وعادت إلى أهلها، والفرحة عمَّت كل بيت، والزغاريد ترتفع. تخيَّل الاحتفاليات في كل قطر وعاصمة، وخبر تحرير القدس يتصدَّر نشرات الأنباء، ومانشيتات الصحف العالمية والعربية. تخيَّل الشبكات الاجتماعية تضج بالتفاصيل والتعليقات والوسوم المتزامنة مع الحدث الجميل، ولا صوت يعلو فوق خبر تحرير القدس. تخيَّل الكثيرين يعركون أعينهم لا يدرون أفي يقظة هم أم في منام، وآخرين يبدون مخاوفهم من أن الأمر قد لا يطول..!!.
لن أسأل كيف..؟! لأنه سؤال من قعد به خياله عن استحضار آلاف الطرق، وقعد إيمانه عن استحضار قدرة الرب العظيم ورحمته.

فيسبوك SalmanAlodah
تويتر salman_alodah@