الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٦ صباحاً

فوق أنقاض المآذن في اليمن

طارق عثمان
السبت ، ٢٤ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٣٤ صباحاً

نمت ليلة الخميس في العراء ، كان هذا شعوري بالفعل ، كنت أخال نفسي ورقة ممزقة من مصحف في دار الحديث بضوران و تمنيت أنني فعلا تلك الورقة المسطورُ عليها قوله تعالى ( وما الله بغافل ) وقد تناثرت عليها الحجارة وهي تستلقي في العراء يلفحها هواء ذمار البارد بعد أن استحالت جدران وسقف الدار حجارة متناثرة وترابا مهيلا .

نمت ولكني تغطيت جيدا في حقيقة الأمر فقد كان جو الغرفة باردا من التكييف و كأنني على سفح جبل وحين صحوت وبعد مضي بعض الوقت وجدت نفسي مُلقاً في العراء في الخدرة بعمران فوق أنقاض دار حديثها الذي فرغ الحوثيون من تفجيره وهم يكبرون صبيحة الجمعة .

كان الحزن المشبوب بالغضب يعتصرني حتى شعرت بصوت أضلعي تتكسر .
ليس كما يعتقد أصدقائي الحوثيون على الفيس بوك أنه من أثر الهزيمة
فأنا لم أهزم شخصيا .
بل هزم كل شيء جميل في اليمن ، هزمت المروءة والنخوة والتسامح والأخلاق وكل شيء رائع ، كل شيء .
فحتى هذه اللحظة دك الحوثيون 19 مدرسة ودار حديث ومسجد منذ أن بدأوا حربهم على دور العبادة قبل بضعة أشهر نصرة لله حد زعمهم . عدا عن المساجد التي يدور صراع عنيف للسيطرة عليها في قلب صنعاء . كان غيرهم ينصر شريعة الله في المستشفيات أيضا .

حاولت أن أجد من بين القوى المعادية للدين من فعل هذا خلال هذه الفترة الوجيزة فلم أعثر حتى في تاريخ الحركة الصهيونية خلال عقود فضلا عن أشهر .

يزداد حزنك حينما يناقشك أحدهم وهو في غاية البهجة ويقول لك تستحقون هذا ، هذه مساجد ضرار
سأعود لهذه الفكرة المريضة لاحقا .

لكن أشد الحزن هو في الصمت الذي يبديه بعض المتدينين وبعض أدعياء الحرية .
يجب أن يعرف هؤلاء أن الدفاع عن المساجد ليس شأنا سياسيا ولا حتى دينيا بل هو من صميم الحرية التي جاء بها الدين الذي لا يدافع عن المساجد فقط بل عن كل دور العبادة حتى لو كانت لدين غير دين الإسلام يقول تعالى وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ..

فجعل الله تدافع الناس سنة للحفاظ على حرية العبادة ودورِها من صوامع النصارى و بيع اليهود وصلوات أصحاب الأديان الأخرى ومساجد الإسلام ... ومن يبذل الجهد ويدفع للحفاظ عليها ضد الساعين لهدمها فهو من أنصار الله حقا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ، إن الله لقوي عزيز يا من يخافون من عدم توازن القوى ، إن الله لقوي عزيز يا من لا يريدون أن ينجروا كما يرددون ، لم تعد المسألة تحتمل الحديث عن الانجرار بل الحديث عن سنة الدفع للحفاظ عن الحرية وليس عن الحجارة ، والوسائل أمامكم ليس لها حصر .

يا معاشر الحوثيين يقول الله تعالى بعد هذه الآية السابقة عن الحفاظ على دور العبادة ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ، وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور ) فأين أنتم من هذا حين تتمكنون ومن الذي أوحى لكم بفكرة أنكم تتلقون توجيهاتكم من الله حين تقررون أي المساجد يجب أن يهدم وأي المساجد يجب أن تقيمون فيه؟ حتى رسول الله لم يقرر هدم مسجد الضرار بنفسه بل همَ بالصلاة فيه حتى جاءه الأمر الإلهي ، و لو أن كل جماعة قررت أن مسجد مخالفيها هو مسجد الضرار الذي يجب أن يهدم لما بقي في العالم الإسلامي مكان يذكر فيه اسم الله وتخيلوا فقط لو أن من تسمونهم الوهابيين عمدوا إلى الحسينيات المقامة في المنطقة الشرقية في السعودية وهدموها بذريعة أنها ليست لله بل للحسين وهي ليست مساجد بل هي ضرار !! ؟
لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا هذا قط فالهدم عار تأبون إلا أن تتفردا أنتم به لوحدكم .

لماذا لا تلجئون للبناء بدل الهدم ؟ ابنوا جوار كل مسجد لمخالفيكم مسجدا واتركوا الخيار للناس لتقرر أين تتعبد الله ولأي خطيب تسمع .

اعتبروا مخالفيكم من ملة أخرى فهل يجوز لكم هدم كنائسهم أو صوامعهم و معابدهم ، هل يجب أن يرفع الناس بدل لوحة دار الفاروق لوحة أخرى مكتوب عليها دير القديس عبده حمود مثلا لتسلم باعتبارها لديانة أخرى .
أنتم تنفذون سياسة خطيرة لا تدركون مراميها ومآلاتها فمن يحرككم يريد تأجيج نار الطائفية التي لا تخمد .

وصدقوني التاريخ يقول أن الأقليات المتعدية لا تنتصر مهما طال استكبارها وسيترككم هؤلاء تواجهون مصيركم منفردين حين تقتضي مصالحه التخلي عنكم فخيرٌ لكم ولليمن وللدين أن تنشروا ثقافة التعايش المذهبي لتنعموا به أنتم قبل غيركم ، الناس ليست ضدكم لمذهبكم فهي ضد القاعدة أشد رغم مذهبها لكنها ضد العنف والقتل والتفجير والتفخيخ والهدم وإذكاء االفتن فجنبوا مساجد الله الغامكم