الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢١ مساءً

الخطر قادم والمواجهة الوطنية الشاملة صارت حتمية

محسن خصروف
الاثنين ، ٢٣ يونيو ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٩ مساءً
أيا كان وهن حجية النأي بالقوات المسلحة عن التقاتل المذهبي الذي شهدته أكثر من منطقة، من صعدة إلى الجوف إلى حجة وحرف سفيان ثم عمران و همدان وأخيرا بني مطر، أيا كان وهن هذه الحجية فقد قبلها الناس، على مضض، لأن الأصل في المهمة الوطنية الكبرى للقوات المسلحة هي الدفاع عن الوطن وكل أبنائه، بكل أطيافهم السياسية والاجتماعية والدينية، وأن تحفظ للناس حرياتهم في كل الممارسات والأنشطة السلمية الهادفة المختلفة الأشكال والموضوعات، وأن تمنع، بالتالي، أي صراع عنيف أو تقاتل بين أي من فئات أو شرائح أو طوائف المجتمع، وأن تتم عملية المنع بأية وسيلة لازمة، وأن تجرد المتقاتلين من أدوات القتل بكل أنواعها، وخاصة الثقيلة منها، لأن الأصل، أيضا، أن الدولة ممثلة في قواتها المسلحة والأمن، هي من يجب أن تحتكر امتلاك أدوات القوة وأدوات الضبط الاجتماعي دون غيرها، أيا كانت الدعاوى والمبررات التي يمكن أن تساق في هذا الشأن، وأن كل الممارسات والأنشطة السياسية والفكرية، الدينية والمذهبية ينبغي، بل يلزم دستوريا وقانونيا أن تتم بأدوات سلمية خالصة، وألا تقترب بأية صورة من الصور من أدوات العنف والقتل لفرض فكرة أو الدفاع عنها أو نشرها، لأن ذلك يقف على الضد، تماما، من السلم الاجتماعي الذي هو أساس البنيان الوطني الكبير الذي يحفظنا جميعاٍ، وهو بالتبعية على الضد تماما من فكرة الدولة المدنية التي لا مكان فيها لهكذا صراعات، فالدستور والقوانين التي تحقق المواطنة المتساوية قوامها وقواعدها...
لقد قرر رأس الدولة أن يقف بالقوات المسلحة والأمن على مسافة متساوية من المتصارعين المذهبيين، ولجأ عوضا عن ذلك إلى ما عرف بـ"اللجان الرئاسية" التي كانت تنجح من وقت لآخر في إطفاء بعض الحرائق التي يشعلها المتمذهبون بالدم والقتل، ولكن تلك اللجان لم تنجح في تحقيق السلام والوئام التام بين ذوي النزعات هذه، وكان التقاتل يتكرر وما يزال، ثم انتشر واتسعت دائرته حتى مشارف العاصمة، والقوات المسلحة وقوات الأمن ما تزال في نفس المكان لنفس تلك الحجة حتى صارت تشكيلاتها هدفا للعدوان في أكثر من مكان وموقعة، وأخيرا تعرض أحد تشكيلات القوات المسلحة وهو في طريقه للتمركز في أحد المواقع التي ترى القيادة أنه يحقق الأمن للدولة والمجتمع المحلي في المنطقة الغربية من محافظة صنعاء وترتب على العدوان غير المبرر الكثير من الخسائر المادية والبشرية، ثم تعرضت بعد ذلك دورية أمنية في أحد أحياء العاصمة لوابل من النيران من أسطح المنازل وهي تؤدي مهامها الأمنية المعتادة وتتعقب المظاهر المسلحة والمسلحين الذين يتعمدون الإخلال بالأمن العام والسكينة العامة لا لشيء سوى التسويق للذات المنفوخة بالغرور الزائف الذي يتوهم أنه يمكن أن يكون، أو أنه قد صار فعلا فوق الدولة والمجتمع وحقق الخطوات التي تؤهله ليظهر أنه بديلا لها، وهذا النوع من الفهم او الاعتقاد مما يورد إلى الهلاك، فالغرور مقبرة والكبر نكاس كما يقول المثل الشعبي الرائع، فماذا بعد؟
ما هو الموقف الصحيح للمؤسسة الوطنية الدفاعية والمؤسسة الأمنية إزاء هذه التجاوزات، بل التعديات الخطيرة المغرورة التي يتبناها فاعلوها بقتلهم للجنود وأسر البعض الآخر في حين من أحياء العاصمة وعرضهم على الشاشات؟
أنا اعتقد جازما أنه حين تصبح القوات المسلحة والأمن عرضة، بشكل مباشر، للاعتداء على مقراتها ومراكز عملها وتشكيلاتها التي تؤدي مهاما مهنية وطنية دستورية قانونية، سواء كانت تلك الاعتداءات بالهجوم المباشر أو بنصب الكمائن القاتلة لها، بالمواجهة المباشرة معها بالسلاح المختلف الأنواع والأعيرة، بمقاتلتها وتدمير معداتها وقتل منتسبيها، حين تصبح مناطق المسلحين محرمة على قوات الدولة المسلحة ومؤسستها الأمنية فإن ذلك هو الخطر المباشر بعينه على أمن الوطن، حين يحدث كل ذلك ثم يأتي المعتدون ليقولوا أنهم أصحاب فكر، أو يدافعون عن فكرة أو معتقد وعن حقهم في ممارستها ونشرها فهذا هو الإفك بعينه، والمنكر بعينه، شرعا وقانونا، هذا هو الخروج الفج عن كل معايير المواطنة والسلم الاجتماعي، وهو الفعل المباشر الذي يستهدف تقويض النظام الاجتماعي برمته، ناهيك عن النظام السياسي، هذا هو الإعلان الصريح عن الخروج على الدولة التي يدعي المعتدون أنهم ينتمون إليها ويريدون العمل والنشاط في ظلها، ويحتمون بقوانينها وقوتها ومؤسساتها، بل هو إعلان صريح عن استهدافها شكلا وموضوعا، جملة وتفصيلا، إذ ما الذي يمكن أن يتبقى بعد ذلك؟ ما الذي يمكن أن يقوله الذين يقاتلون القوات المسلحة "الدولة" ويمنعون قيامها بمهامها الوطنية الدستورية في الحفاظ النظام الاجتماعي والسلم الاجتماعي ؟، الدولة وكيانها؟ المجتمع وحرياته؟ مكوناته وحق منتسبيها الأصيل في التعبير عن قناعاتهم وهوياتهم وأفكارهم ومعتقداتهم المختلفة بالطرق والأدوات السلمٍية التي تحفظ وتصون وتدعم السلم الاجتماعي؟ هذا هو الإعلان الصريح بأن الهدف من كل أعمال العنف والقتل لم يعد الدفاع عن حرية فكر أو مذهب، بل هو الاستئصال الكامل للآخر وللنظام السياسي الاجتماعي بكل مقوماته ودعائمه وأركانه، بالتضاد التام مع الدستور وكل القوانين ومع الحوار الوطني الشامل ومخرجاته، وأحلام المجتمع في السلم والاستقرار والعيش الكريم، إنه القتال والقتل من أجل إحلال فكرة ضيقة، مذهب شديد الضيق بالآخر، شريحة شديدة التعصب والتشكيك في معتقدات وقناعات الآخرين، محل نظام اجتماعي واسع الأفق، واسع التنوع والتعدد، قوامه وعموده وسنانه مبدأ القبول بالآخرين والتعايش الكامل معهم، التكامل الجميل من أجل الوصول إلى الكمال والحالة الإبداعية المأمولة، شأننا في ذلك شأن من سبقنا من المجتمعات التي حلمت وناضلت لتحقق أحلامها ونجحت أيما نجاح حينما تعايشت مكوناتها وتكاملت فأبدعت وصارت أحلامها أعمالا ومنجزات تمشي على الأرض، ومن يريد التأكد من صحة ما نذهب إليه فليتأمل ويفحص ويدقق في حال ماليزيا وإندونيسيا والصين وكوريا واليابان وغيرها وما حققته تلك المجتمعات من معجزات إبداعية في مختلف المجالات، بغض النظر عن البعد الديني وما في حكمه، ففقد اعتبروا أن ذلك مما يتصل بالعبادات التي جوهرها الضمائر وصدقها، ولا يستطيع أحد أن ينكر على النفس الإنسانية الفردية والجمعية ما تؤمن به وليست ملزمة بما يمليه الآخر، ولكنها ملزمة بالإنجاز والإبداع والمواطنة في إطار الدستور والقوانين فكانت النتيجة تجلي الروح الإبداعية التي حقق من خلالها إنسان تلك المجتمعات معجزات بشرية في بضعة عقود من الزمن.
حين تتوهم مجاميع تملك السلاح وتستخدمه خارج القانون أنها قد صار لها قرونا تستطيع بها أن تناطح كل من يخالفها من قوى المجتمع، بل إنها تستطيع أن تناطح الدولة فلا يبقى ساعتها أمام الدولة إلا أن تكسر تلك القرون المتوهمة، بل وأن تسحقها ليتحقق لمؤسساتها الدستورية المعنية بحماية الوطن وناسه أجمعين حق التفرد في امتلاك أدوات حماية الوطن، الأرض والإنسان، وحق الضبط الاجتماعي دون غيرها، لتتحقق الحرية المتكافئة لكل مكونات المجتمع، ولتتسيد الدولة وتتفرد في امتلاك كل أدوات القوة والإكراه التي تحمي الحرية المنشودة، ليتحقق السلم الاجتماعي.
إن التهاون والحيادية أمام جموح جماعات العنف المسلح يغريها بالتمادي في الخروج على القانون والنظام الاجتماعي، بل التطاول على المجتمع برمته ومكتسباته وثوابته والسعي بقوة وعنف إلى تدمير تلك المكتسبات والثوابت وهذا ما يلزم التحذير منه والاستعداد لمواجهته بكل سبل المواجهة الشعبية والرسمية ولا مجال للتساهل، فالخطر الماحق قد أطل بقرونه وأشهر أدوات القتل المتعددة التي يمتلكها وصار يعلن عن أوهامه، ويمارس القتل بزهو وتفاخر وعلى استعداد لأن يفعل الكثير والكثير من الشر ويسيل المزيد من الدماء وعلى استعداد للمزيد ليصل إلى ما يريد.
ويصبح الموقف الصحيح للقوات المسلحة والأمن هو ألا تقف على الحياد من تقاتلات المتمذهبين، ولا أن تقف مع أي طرف منهم أو تنصره أو تتغاضى عن أفعاله، بل أن تمنع هذا التقاتل بالقوة، لتفتح الطريق أمام كل سبل السلام التي في مقدمتها الحوار، وان تحل بقوتها الشرعية المفوضة من المجتمع محل كل المسلحين، من أي لون وجنس، في كل مكان يكون لهم وجود فيه، وأن تمنع انتشارهم، وأن تجردهم من السلاح لتكون الدولة هي المالك الوحيد المحتكر له ولحق استخدامه، إن الخطر الداهم قادم ويدق أبواب العاصمة بقوة، بل هو [[يرزعها]] بعنف ليفتح له بواب الطابور الخامس الكامن بقوته في العاصمة والكثير من أحيائها.. لا عذر لذوي الأمر ولكنا سندافع عنها كما دافعنا عنها أول مرة.