الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٥ مساءً

الجمهورية الرابعة وليست الثانية أخي الرئيس

د. عبدالله أبو الغيث
الخميس ، ١٤ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
تلجأ بعض البلدان إلى تقسيم تاريخها الجمهوري إلى جمهوريات متوالية (أولى وثانية...إلخ) معتمدة على اختلاف الملامح بين فتراتها المختلفة، كما هو الحال في فرنسا التي تعيش الآن في عصر الجمهورية الخامسة التي بدأت في عام 1958م.

وفي اليمن بدأ هذا المصطلح يتردد مع انتخاب الرئيس هادي رئيساً للجمهورية اليمنية إثر اشتعال الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق على عبدالله صالح، لكننا كنا نلاحظ علي ذلك التقسيم بأنه يقدم على أساس اعتبار عصر كل رئيس بمثابة جمهورية منفصلة بحد ذاته، من غير اعتماد أصحاب ذلك التقسيم على منهج أو قياس واضح، وعادة ما ينطلقون في تقسيمهم من منظور تشطيري في معظم الأحيان، لذلك فقد صرنا نسمع بعضهم يتحدثون عن الجمهورية السادسة لعهد الرئيس هادي في اليمن.

وقد جعلنا ذلك نقترح في مقال سابق نشر في سبتمبر 2012م بعنون (اليمن الجمهوري.. نصف قرن من الصراع) تقسيم العصر الجمهوري في اليمن إلى أربع جمهوريات تشمل كل منها فترة محددة ومميزة من تاريخ اليمن الجمهوري، واعتمدنا في ذلك على رؤية تاريخية واضحة المعالم.

وسمعنا اليوم الاثنين فخامة رئيس الجمهورية عبدربه هادي وهو يتحدث أمام الاجتماع الأول لهيئة الرقابة على مخرجات الحوار الوطني عن تكاتف جهود اليمنيين لبناء الجمهورية الثانية في عصرها الاتحادي، وهذا ما جعلنا نعيد الكرة من خلال هذا المقال لتوضيح الأسباب التي تجعلنا نقول بأن الجمهورية الاتحادية القادمة إنما تعد من الناحيتين التاريخية والسياسية بمثابة الجمهورية الرابعة في اليمن وليس الثانية.

فمن الناحية التاريخية فالعصر الجمهوري في اليمن يبدأ من سبتمبر 1962م بعد إعلان الجمهورية العربية اليمنية، حتى إن اقتصر الأمر في سيادة تلك الجمهورية على الشطر الشمالي من اليمن فقط، مع أن الأمر لم يكن كذلك حيث أعلنت الجمهورية العربية اليمنية في الشمال على أساس أنها تمثل الدولة الجديدة لكل اليمن، وعلى أساس ذلك انطلقت ثورة أكتوبر 1963م بدعم الجمهورية الوليدة من أجل تحرير الجنوب اليمني المحتل، وكلنا يعرف كيف صرخ المناضل غالب بن راجح لبوزة في وجه الاستعمار البريطاني قائلاً بأنه يعتبر نفسه مواطناً تابعاً للجمهورية العربية اليمنية.

فالتاريخ اليمني هو عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات منذ الألف الثالث قبل الميلاد تأخذ كل منها برقاب الأخرى، وبالتالي فتاريخنا الذي بدأ باستعادة الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في مايو 1990م لا يمثل بداية للحكم الجمهوري في اليمن حتى نطلق عليه تسمية الجمهورية الأولى فقد سبقته جمهوريتان إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، ولذلك فتاريخ ما بعد استعادة الوحدة اليمنية الحالية إنما يمثل امتداداً للمرحلة الشطرية التي سبقته ولا ينفصل عنها.

وينطبق ذلك الأمر على الناحية السياسية أيضاً، فالجمهورية اليمنية لم تتكون من فراغ وإنما نشأت نتيجة لاندماج الجمهوريتين الشطريتين: الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وجمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب، وورثت مكانتهما وسلطاتهما على المستويات الداخلية والخارجية.
إذاً فالجمهوريات التي شهدتها اليمن في تاريخها المعاصر ستتوزع على أربع جمهوريات وليس اثنتان كما ورد في خطاب الأخ رئيس الجمهورية المشار إليه.. وستتوالى على النحو التالي:

الجمهورية الأولى: وتشمل ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية في شمال اليمن، والتي امتدت بين عامي 62م و 90م، وتعاقب على حكمها خمسة رؤساء هم: عبدالله السلال، عبدالرحمن الإرياني، إبراهيم محمد الحمدي، أحمد حسين الغشمي، وعلى عبدالله صالح (في رئاسته الشطرية قبل الوحدة).
الجمهورية الثانية: وتتمثل بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية التي قامت في جنوب اليمن خلال الفترة الواقعة بين عامي 67م و90م، وتعاقب على حكمها العديد من الرؤساء: قحطان الشعبي، سالم ربيع علي، عبدالفتاح اسماعيل، علي ناصر محمد، وحيدر أبو بكر العطاس كرئيس لمجلس الشعب الأعلى بينما كان الرجل الأول في الدولة هو على سالم البيض أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني.

الجمهورية الثالثة: وهي الجمهورية اليمنية التي نشأت من خلال دمج الجمهوريتين الشطريتين السابقتين لها وما زالت مستمرة إلى اليوم، وقد حكمت في بداية الأمر عبر مجلس للرئاسة رأسه على عبدالله صالح الذي تحول بعد حرب صيف 94م إل ريس للجمهورية، ثم أتى من بعده الرئيس هادي في رئاسته الانتقالية التي تم تمديدها بموجب التوافق الذي تم في مؤتمر الحوار الوطني.

الجمهورية الرابعة: التي ستبدأ إثر إعلان جمهورية اليمن الاتحادية بعد إقرار الدستور اليمني الجديد الذي سوف يؤسس لدولة اتحادية من عدة أقاليم، والتي ستعقبها عملية انتخابات رئاسية وبرلمانية ستحدد الحكام الجدد لهذه الجمهورية.

خلاصة القول: تاريخياً وسياسياً نحن مقدمون على تأسيس الجمهورية الرابعة وليس الثانية في تاريخ اليمن المعاصر، ونسأل من الله أن يعم من خلالها الرقى والازدهار والحرية والديمقراطية والأمان في ربوع الوطن اليمني الوحد من المهرة إلى صعدة.

جريمة من الصعب وصفها
بحثت عن وصف مناسب للبشاعة والإجرام التي تم بها ذبح 14 جندي من أفراد الجيش اليمني في وادي حضرموت على يد من يسمون أنفسهم بأنصار الشريعة لكني لم أجد، فلا يوجد بشر يمكن أن يمارس مثل تلك البشاعة حتى إن كان لا يؤمن بدين، فما بالك ومن نفذها يدعى أنه مسلم بل ونصير لشرع الله.

لكن الواضح أن هؤلاء الحيوانات المنفذين لها (مع اعتذرنا لهذا التشبيه الظالم، من الحيوانات طبعاً) ليسوا إلا مجرد أيادٍ قذرة تخدم أطرافاً محلية وإقليمية ودولية تريد أن تغرق الوطن اليمني في مستنقع حروب لا تنتهي، ويراد لها هذه المرة أن تدار تحت راية طائفية مدمرة.

فهل نعي.. ونتنبه كيمنيين بمختلف ألوان طيفنا السياسي والجغرافي والمذهبي إلى ما يحاك لوطننا، ولا يخفى أن مفتاح ذلك الوعى يبدأ بكلمة صغيرة مضمونها هو....التعايش.