الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٩ صباحاً

دولة المواطنة ودولة السبايا

ماجد الشيخ
الاربعاء ، ٠٣ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٥ مساءً
لا تنشأ الدول، أو تتأسس، بشكل معياري معروف ومتداول، قد تتدخل المصادفات التاريخية، أو بعض الإرادات البشرية، أو الضرورات المضادة لمحظورات معينة، في الوصول إلى بناء دولةٍ في لحظة تاريخية، يجد المواطن نفسه وقد أصبح مواطناً في دولةٍ تحترم مواطنيها، وتقوم لأجلهم، ومن أجلهم.



وفي المقابل، قد تقوم الدولة على أنقاض كل العلاقات التي يمكن أن تشكل للدولة حصانتها، فينكسر شيءٌ ما، ولا يعود قابلاً للإصلاح، ذلك أن الدولة، إن لم تنشأ أو تتأسس بالتراضي، لا يمكن أن تستقر، أو يستقر حالها من الداخل، من داخل بنى الدولة نفسها، وفي ما بين مكوناتها الفردية أو الأهلية أو الحزبية، على اختلاف تياراتها وقواها وجماعاتها المنظمة، أو غير المنظمة عموما.



فكما أن للدولة مواطنها الذي يدافع ويحامي عنها، كونها راعية مصالحه وتطلعاته، كذلك للمواطن دولته التي ترعى مصالحه، وتحامي وتدافع عنه، وكلاهما ينتميان إلى فضاءٍ مشترك من العلاقات التجادلية، القائمة على احترام الجميع، كل لحدوده، من دون أن يتخطّى المواطن معايير حقوقه وواجباته، ومن دون أن تقصر الدولة عن رعاية حقوق مواطنيها، أو التعاون والتساهل في الإشراف على تأديتهم واجباتهم، المنصوص عليها في الدستور أو القوانين، التي جرى تشريعها خصيصاً في هذا المجال.
هكذا هي الدولة صاحبة السيادة في داخلها الوطني، ترعاه، كما يرعى الأب الصالح مصالح أبنائه وبناته، وهكذا هو المواطن صاحب السيادة على شؤونه الفردية، من دون تصادم مع دولةٍ عادلة، شرّعت ما لها وما عليها بوضوح كامل، لا يلتبس على المواطن ما له وما عليه أيضا.



في المقابل، هناك برزخ من الدول، منها من لا يقيم أي وزنٍ، أو اعتبارٍ، لمواطنيه، كونهم رعايا وسبايا وطن، وجد هكذا فجأة في عراء العالم، فكان الإكراه شكل العلاقة القائمة وجوهرها، بين ما تسمى "الدولة"، وما يسمى "المواطن". الدولة هنا دولة استبداد وطغيان، استملاك وبهتان، لا حرية لا عدالة ولا ديموقراطية، لا دستور إلا ما شرّعته النخب أو الطغم الحاكمة، بجهودها الفردية، أو بجهود برلمان شكلي ربما، أو أي هيئات بالوكالة تنوب عن مصالحها ومصالح أفرادها، أما مصالح الناس فهي أقرب للغياب والتغييب، لدى كامل مؤسسات الدولة الغائبة أصلاً، في ظل الحضور الطاغي والكامل للسلطة التي تذهب مذاهب شتى، لتأكيد غياب الدولة.



الدولة، إذن، تستلزم حضور مسألة المواطنة، أما السلطة فهي، بالتضاد من ذلك، تستلزم حضور مسألة التسلط والطغيان والاستبداد. لذلك، يعزّ علينا في هذه البلاد المنكوبة وجود الدولة، وحضور المواطنة بين جنباتها. كما يشق علينا حضور الاستبداد واحداً من سلسلة منتجات السلطة الاستبدادية، وتأسيساتها اللاحقة لكيانات طوائفيةٍ، أو مذهبيةٍ، أو إثنية، قامت وتقوم على قاعدة تصفيح سلوك السلطة، وتوسلها حوائط مائلة، لاستمرار قطف ثمار تسلطها وطغيانها على مجموع مكونات وطن، بكل فئاته الجماعية والفردية.


بين دولة المواطنة الحرة الكريمة، ودول السبايا والرعايا، بون شاسع من احترام إنسانية الإنسان في الأولى، وانتهاك حقوقه والدوس على محرماته في الثانية، فأي دولة يريد التأسيس لها أولئك "الداعشيون" وأضرابهم في بلادنا، إن لم تكن تلك الثانية بالتأكيد، حيث لا دولة ولا مواطنة، بل حضور طاغ للسيف والساطور والسكين، بأيدي جهلةٍ تغمرهم ظلمة الجهل، وفي الظلمة يعمهون؛ يستهويهم القتل، ويحبذون السحل، ويموتون من القهر، على أعتاب "سلطتهم القاهرة"، التي أرادوها ويريدونها إجرامية، بحق الناس أجمعين، ممن لا يؤمنون بالهوى، وما مال ومالت إليه الأنفس المريضة: أنفسهم التي لا ديناً عرفت، ولا رباً عبدت، ولا دولة بنت أو ستبني، ولا مواطنة أقامت أو ستقيم، فبأي حق تقيمون بالسيف دولتكم؛ دولة الرعايا والسبايا، من ذوي العاهات، والأكثرية العاطلة والباطلة والمحرومة من الحياة. وبأي شرعٍ تحكمون، وأنتم القتل.