الاربعاء ، ١٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٥ صباحاً

اليمن التي يخونها دائماً أبناؤها..!!

مصطفى راجح
الخميس ، ١٨ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٢١ صباحاً
عتيقة هي وضاربة جذورها في أعماق التاريخ، مبتدأ الخليقة وچين العرب الأول.
مومياوات المحويت التي قال عنها أهم آثاريي العالم إنها أقدم مومياء في التاريخ، وإنها تدلُّ على فن رفيع في التحنيط لم يعرفه حتى المصريين؛ هذا الكشف الأثري الاستثنائي لم يهتم له اليمنيون أصحاب هذه الأرض؛ لأنهم مشغولون بقتل بعضهم البعض، أو بالأصح الجولة الجديدة من قتل بعضهم البعض؛ لأنهم لم يتوقفوا أصلاً عن هذه اللعنة التاريخية منذ زمن طويل، يقتلون بعضهم البعض بالوكالة لأعداء اليمن خارجها.

يمن العشرة آلاف عام التي وصلت ذروتها بأعظم حضارة على وجه الأرض، الحضارة المدفونة تحت رمال الربع الخالي «إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد» والتي أقامت مدناً توّجت بمدينة الألف عمود، والتي أثبت التصوير الجوّي للأقمار الصناعية أنها حضارة عظيمة تمتد من حضرموت إلى الربع الخالي، إلى حضرموت والجوف ومأرب «مرحلة حضارة الوديان اليمنية» وأن الربع الخالي والمحافظات اليمنية المحيطة به تمتلك أكبر مخزون نفطي في العالم،

حضارة الألفين وخمسمئة كيلومتر على البحرين الأحمر والعربي يتناوشها أبناؤها باسم المذاهب والأديان؛ بينما غيرهم يتمنّى منفذاً بحرياً صغيراً ليعلن عن نفسه دولة كبرى في الشرق الأوسط.

يمن التنوُّع الجغرافي والمناخي ومئات الجزر البحرية والإطلالات الاستراتيجية على المنافذ البحرية ومضيق باب المندب، يتقاتلون دونما سبب يتعلّق بالحياة وتُرمى جثثهم في الشوارع دون أن تجد من يرفعها؛ كل ذلك ضدّاً على حياتهم وبلدهم وعيشهم اليومي وسلمهم الاجتماعي وتاريخهم ومكانتهم ومستقبلهم ووجودهم.

يمن المخزون السمكي الذي بلا حدود؛ يأكل أبناؤها الكُدم البائت و«يقحطون» الحبوب النيّئة والماء لينطلقوا في أكل إخوانهم الجنود ومن يلقونه في طريق رحلتهم إلى قتال اليهود والأمريكان في عمران وغيل الجوف وظلاع همدان وحزيز..!!.
يمن الحكمة والإيمان والشعب الأرق قلوباً وألين أفئدة؛ وصلوا في قسوتهم إلى ذبح الجنود الأربعة عشر بالسكاكين وعلى مرأى ومسمع من العالم كلّه على شاشات الفضائيات، في فعل بدائي تخجل البشرية عندما تتذكّر أنها أقدمت على مثله في طفولتها الغُفْلية الأولى.

اليمن البلد العظيم الأقدم من كل المذاهب والأديان؛ أصبح يستورد المذاهب التي تغلّف بها الأمم مصالحها ويحوّلها إلى خناجر مسمومة في صدور أبنائه الذين يصبّون كل غُلْبهم التاريخي في رؤوس بعضهم البعض.

اليمن الذي عرف الدولة والشورى ومجالس الحكم قبل العالم كلها أصبحت «دولته» في بداية القرن العشرين تتفرّج على بؤر القتال وهي تتسع ملتهمة في طريقها البشر والحجر والدولة والجيش والسلم الاجتماعي، فيما الدوخة التاريخية تتحدّث عن «الأطراف» والحياد؛ في ساحة هي ساحة الدولة، وبلد الخاسر الوحيد فيه هو الدولة والمجتمع، أياً من كان الطرف الذي ينتصر من خارج الدولة، سواءً انتصر على جيش الدولة أم على طرف آخر تصرُّ الجهات المتربصة باليمن على تخلُّقه واكتماله كطرف مقاتل حتى تكتمل أركان الحرب الأهلية. شباب اليمن في الهضبة العليا يقعون مرّة جديدة في حبال الجهل والتجهيل، وينساقون إلى معركة عبثية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، شباب القبائل بقوة شكيمتهم والمادة الخام المكتنزين عليها في ذواتهم الصلبة ينجرفون مع مشروع يتوخّى السُلطة ويسعى إليها وهم وقودها وحطبها؛ لأنهم لم يقرأوا ولم يستوعبوا قولاً كقول ضمير اليمن الكبير عبدالله البردوني:
يا فتية اليمن الأغر وحلمه
ثمر النبوغ أمامكم فتقدّموا
وتقحموا خطر الطريق إلى العلى
فخطورة الشبان أن يتقحموا
وبدلاً من تقحم طرق العلى والعلم والإنجاز؛ قعدوا في بيوتهم أو قمطوا إلى معسكراتهم تحت سطوة المشيخ وظل «زنجبيل بغباره» باستثناء نُخب الضباط والتابعين للمشائخ المستفيدين من الفتات الذي ترميه نُخبة المشيخ وكبار الضباط المستفيدة من منافع السلطة وامتيازاتها.

والآن غدوا لقمة سائغة للطامحين الجدد يحصدونهم بين مواسم الخمسة عشر عاماً ومواسم الخمسة وعشرين. ينتعونهم من بيوتهم وأحضان أمهاتهم ورعاية آبائهم ، بسطوة السيد القديم المختزنة في ذهن القبيلي؛ ينتزعونهم من حياتهم وبيوتهم ليكونوا حطب حروبهم ووقود استعادة ملكهم وكراسيهم الآفلة.

هذه الحالة الغُفْلية التاريخية هي جريمة الحكومات المتعاقبة بعد ثورة سبتمبر التي أغلقت الباب على مناطق القبائل ورمت بالمفاتيح إلى أيدي المشيخ الذي لا يختلف عن مؤسسة الأئمة إلا في صيغة النسب والأيديولوجيا التي استبدلها بالاحتكارية العصبوية المناطقية للسلطة دونما تسويغ مذهبي أو اصطفاء إلهي.

والآن تداخلت الأجندات واختلطت الأوراق، وبرز التيار المذهبي كحصان طروادة لأكثر من طرف يتوخّى الإضرار باليمن وجعلها في خبر كان.

لا تُنخدعوا بالخطاب المنمّق عن الجُرعة والفقر والحكومة الفاشلة، فصاحب هذا الخطاب لا يعمل على أرض الواقع لإنقاذ المجتمع اليمني من هذه المنغّصات التي كدّرت عيشهم وحياتهم في السنوات الثلاث العجاف؛ وإنما سيضيف إليها كارثة الكوارث وأمّهن كلهن: فتنة الاقتتال التي ستقوّض حياة ملايين السكان في المدن اليمنية وليس فقط تنغيصها.

الجُرعة والعجز الحكومي يزعجنا وينغّص حياتنا؛ غير أن الفتنة والاقتتال والانقسام الطائفي والاحتراب الأهلي يقتلنا ويقوّض حياتنا بكلها كمجتمع، والضحية الكبرى هم محدودو الدخل والفقراء الذين لا يملكون شققاً مفروشة في القاهرة ودبي ولا فللاً ومزارع في ألمانيا وكندا وأوروبا..!!.
الله يحفظ اليمن وأهلها.
****
من يشبهك مَنْ..؟
أنتِ الحضارة
أنتِ المنارة
أنتِ الأصل والفصل والروح والفن

أبوبكر سالم بلفقيه


من صفحة الكاتب على "الفيس بوك"