الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٢ صباحاً

قريباً على الشاشة.. ريحانة

سعدية مفرح
الخميس ، ٣٠ اكتوبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٥٦ صباحاً
ريحانة، كما أصبح يعرف أكثركم، الفتاة الإيرانية التي أعدمت قبل أيام، بعد أن أدانتها محكمة في بلادها بتهمة القتل، تعاطفت بشدة معها منذ إثارة قضيتها إعلامياً، لكنني لم أستطع المشاركة في حفلة التعاطف الجماعية التي شارك فيها عرب كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي، تحت شعار مستمد من نوع الجريمة التي اتهمت بها ريحانة، وحوكمت بسببها. فنحن العرب أمةٌ لا يسلم الشرف الرفيع عندها من الأذى، حتى يُراق على جوانبه الدم. والشرف الأول الذي نعرفه هو شرف المرأة، وتحديداً ما يتعلق بجسدها!

ولأن ريحانة ارتكبت جريمة القتل دفاعاً عن شرفها، وفقا للمفهوم العربي، أصبحت لدى العرب أيقونة للشرف والعفة. وبالتالي، صار لزاماً عليهم أن يتعاطفوا معها، ويدافعوا عنها بسلاح الكتابة والكلام وحسب، فهو الوحيد لديهم في مثل هذا الظرف الاستثنائي. ولا مانع لدى أغلبهم من إعادة كتابة قصة ريحانة، بتفاصيل تناسبهم، وتعزز من دفاعاتهم، منها، مثلاً، إضفاء الصبغة الطائفية على القصة. ففيما تنتمي الفتاة للطائفة الآذرية الشيعية في إيران، كما ذكرت مصادر موثوقة، إلا أن أغلب المدافعين العرب عنها أصروا على أنها سنيّة، وأكد بعضهم أنها أحوازية من أصل عربي! فصار يُدافع عنها، لا بصفتها مظلومة كما يفترض، بل بصفتها سنية عربية تحاكم في محكمة فارسية شيعية.

شعرت بالاشمئزاز من تلك الدفاعات التي اتخذت من قصة الفتاة المنكوبة وسيلة لتحقيق أهداف أخرى. وأحسست أن الحبل الذي التف حول رقبة ريحانة لا يزيد في قسوته على الحبل الذكوري الذي يبرع الرجال، عادة، في لفه حول أي قضية بطلتها امرأة، وحبل الكذب والتدليس الطائفي الذي لفه مدافعون عرب عنها حول رقبة الحقيقة. وهذا جعلني أبتعد، قليلاً، عن قصة ريحانة، كما عرضها أغلب المدافعين عنها، لأنظر إليها من بعيد، ومن وجهة نظر موضوعية. لكن، أين يمكنني أن أقرأ قصةً واقعية عن امرأة شرقيةٍ مسلمة بموضوعية؟!

إن كان العرب، والمسلمون عموماً، ينظرون للمرأة مثل هذه النظرة الخاصة التي لا تخرج عن كونها صورةً للشرف في مفهومه الجسدي، فإن غيرهم، من الغربيين تحديداً، لا يقلون عنهم، في نظرتهم الخاصة أيضاً لها، باعتبارها صورة نموذجيةً للتخلف الديني والمجتمعي، في البلاد الإسلامية، كما يظنون للأسف. وإذا كان العرب سينسون حكاية ريحانة، بعد قليل، فإن الغرب لن يتجاوزها قبل أن يخلدها سينمائيا.

سيكون فيلماً من إنتاج هوليوود التي تعشق هذه القصص، وتجيد إضافة توابل كثيرة عليها، لتصنع، في النهاية، منها فيلماً جماهيرياً. وقصة ريحانة لا تحتاج جهابذة كثيرين من هوليوود. فتاة إيرانية جميلة في التاسعة عشرة، مهندسة ديكور في طهران، يستدرجها ضابط مخابرات إلى شقته، بحجة العمل على تجديد ديكوراتها الداخلية، وتُفاجأ، وهي تأخذ قياسات الشقة، بالضابط يراودها عن نفسها، فلا تجد بداً أمام الموقف المرعب، إلا أن تدافع عن نفسها بكل قوة، فتقتله بسكينٍ تهيأت لها، في لحظة أصبحت فارقة في حياتها، وينتهي الجزء الأول من الفيلم.

تقضي ريحانة سبع سنوات في السجن متهمة بالقتل، وهي تحاول الدفاع عن نفسها مرة أخرى، لكن هذه المرة بالقانون. تفشل في النهاية، فتنتهي القصة برسالةٍ تقطر كلماتها أسى ولوعةً، تتركها لوالدتها، لكي تودع العالم فيها، قبل أن يلتفَّ حول رقبتها حبل المشنقة، وتظهر على الشاشة كلمة النهاية.

ينتهي الفيلم الذي عرفنا تفاصيله، قبل أن تنتجه هوليوود، لكن الحكاية مستمرة تبحث عن فصولٍ جديدة، تستأنف بها التصوير ببطلةٍ جديدة واسم جديد للجمهور نفسه من المشاهدين، وبالإثارة الإعلامية نفسها، المتكئة على تفاصيل تعشقها هوليوود. المهم أن البطلة دائماً ضحية حقيقية هنا.. وهناك!

المصدر : العربي الجديد