الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٨ مساءً

«داعش» ومجزرة البونمر: إلى أي ملة ينتمون؟

القدس العربي
الثلاثاء ، ٠٤ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ١٠:٠٥ صباحاً
قالت وزارة حقوق الإنسان العراقية إن حصيلة من تم إعدامهم على يد عناصر تنظيم «داعش» من أبناء عشيرة «البونمر» السنية في محافظة الأنبار وصلت إلى 322 عراقيا بينهم نساء واطفال، فيما تشير مصادر اخرى الى ان العدد الحقيقي تجاوز الاربعمئة.

ومن جهته اكد الشيخ نعيم الكعود، احد كبار زعماء العشيرة، وجود «اكثر من ألف شخص (من ابناء العشيرة) لا نعرف عنهم اي شيء حاليا»، متخوفا من ان يلقوا المصير نفسه «لانهم (داعش) اصدروا فتوى باعدام حتى الطفل الرضيع من عشيرة البونمر».

انها مجزرة جديدة تنضم الى جرائم عديدة ضد الانسانية يواصل التنظيم ارتكابها في العراق وسوريا، ولا تستثني عرقا او دينا او مذهبا.

وتذكرنا حقيقة ان الضحايا هذه المرة من اهل السنة، بان اغلب من استهدفهم داعش في الواقع هم من اهل السنة، وهو ما يطرح سؤالا بديهيا بشأن الهوية الحقيقية لتنظيم يستهدف ابناء مذهبه.

وحتى اذا كانت مجزرة البونمر عقابا على قيام شباب العشيرة بمساعدة قوات حكومية ضد التنظيم اثناء معركة مدينة «هيت» مؤخرا، فهل يبرر هذا استباحة دماء اطفالهم ونسائهم؟

فالى اي دين او ملة او مذهب ينتمي هؤلاء؟ واذا كانوا يزعمون انهم مسلمون فأي دليل شرعي يمكن ان يبرر هكذا جرائم؟

الواقع ان مثل هذه الجرائم تلقي الضوء على حقيقة ان «المشروع الداعشي» هو ابعد من الطائفية، ولا علاقة له باي دين، وان كان يتخذ مما يسميه بـ «الخلافة الاسلامية» ستارا لتجنيد الشباب وابتزاز العواطف.

اما في جوهره، فانه مشروع فاشي،عدمي، وارهابي يسعى الى الهيمنة والتوسع عبر نشر الرعب، ولا يملك رؤية سياسية او اقتصادية او حتى دينية، باستثناء اقامة الحدود، واستعباد النساء. وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الايام الاخيرة مقاطع فيديو لعمليات بيع النساء، او رجمهن بتهمة الزنا في العراق وسوريا.

وبينما تلتزم المراجع الاسلامية السنية الصمت تجاه هذه الممارسات، يفترض انها « لا تؤيدها لكنها لا تستنكرها ايضا»، ولا تريد على اي حال ان تنجر الى جدال قد ينتهي بادانتها، وتحميلها المسؤولية عن هذا الفكر المتطرف. ومثال ذلك استمرار المدارس الثانوية التابعة للازهر في مصر، في تدريس تفسيرات وفتاوى تبيح «للامير ان دخل مدينة عنوة ان يقتل او يأسر او يسبي او يعفو». اما في السعودية فانها تفرض على الشباب تفسير (الشيخ العلامة) بن عثيمين لكتاب (رياض الصالحين) الذي يعتبر ان من «يقاتل من اجل الوطن فقد تشبه بالكفار الذين يقاتلون ايضا من اجل الوطن».

اما سياسيا، فقد فشل داعش في الانتماء الى امته، اذ عجز عن اتخاذ موقف، ولو على المستوى الاعلامي او الايديولوجي، في نصرة قضية العرب والمسلمين المركزية وهي فلسطين.

ومن الواضح ان التنظيم لم يعد يريد الا توسيع «دولته»، وهو لن يتردد في ابادة كل من يقاومه في سعيه الى احتلال بغداد، واعلانها «عاصمة للخلافة». وتشير المعارك الدائرة في عامرية الفلوجة بشكل خاص الى ان هذا الهدف اصبح اقرب مما كان في الماضي، رغم القصف الذي لم يمنع داعش من اقامة استعراض عسكري في الموصل قبل يومين.

ومن اجل تحقيق هذا الهدف لم يتردد التنظيم فيما يمكن تسميته باشعال «حرب العشائر»، فاستهدف عشيرة البونمر في الغرب وعشيرة الجبور في الشمال، وهي التي ينتمي اليها رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، وتضم بين ابنائها السنة والشيعة.

وتستدعي هذه الحرب على العشائر، ما اشاعه البعض لدى سقوط الموصل من مزاعم بشأن «دعم العشائر لداعش لاشعال ثورة سنية»، في محاولة لتجميل وجه التنظيم القبيح.

كما تستدعي اسئلة صعبة بشأن تقصير محتمل من حكومة بغداد في تزويد العشائر السنية بالاسلحة والعتاد والقوات لاسباب طائفية. خاصة ان العشائر حذرت قبل فترة من وقوع هذه المجازر، وامكانية سقوط الانبار باكملها في ايدي داعش، لكن لم تجد من يجيب نداءها.

اما التحالف الدولي، فيبدو ان لديه «معاييره الخاصة»، اذ ركز جهوده على عين العرب الصغيرة وترك الانبار التي هي ثلث مساحة العراق نهبا لداعش. وحسب صالح العيساوي، نائب رئيس المحافظة، فان طائرات التحالف كانت تمر فوق قوات داعش اثناء المعارك دون ان تتدخل.

انها الحرب التي لا دين لاطرافها، الا المصالح والهيمنة السياسية والاقتصادية، وليس داعش استثناء.