الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٩ مساءً

ساعات حاسمة للمفاوضات: إيران نووية… والعرب ماذا؟

القدس العربي
السبت ، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٥٦ صباحاً
تتضارب التكهنات بشأن امكانية التوصل الى اتفاق بين ايران والغرب خلال الساعات المقبلة التي تعد حاسمة ليس فقط بالنسبة للبرنامح النووي الايراني وعلاقة طهران بالولايات المتحدة بشكل خاص، ولكن لمصير المنطقة بأسرها.

ومن المفترض ان يقرر الطرفان بحلول بعد غد الاثنين، حين تنتهي المهلة المحددة للتوصل الى اتفاق نهائي، اما اعلان نجاح المفاوضات والتوقيع، او الاكتفاء بما يسمى بـ «اتفاق اطاري»، يسجل التقدم في بنود رئيسية، على ان ترجأ التفاصيل الى استكمال المفاوضات في مارس/ اذار المقبل للتوصل الى الاتفاق النهائي.

وتبدو الادارة الامريكية متعجلة بشأن اغلاق هذا الملف، الذي سيمنحها انتصارا نادرا في السياسة الخارجية، وهو ما جعل وزير الخارجية الامريكي جون كيري يصر على التوصل لاتفاق ردا على اسئلة بشأن تمديد المهلة المقررة للمفاوضات. وهو ما تحاول طهران استغلاله للحصول على اقصى قدر ممكن من التنازلات من هذه الادارة الضعيفة التي تحتاج الى تعاون ايراني في ملفات اقليمية عديدة.
وعلى الرغم من اعلان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قبل مغادرته العاصمة النمساوية امس الجمعة انه لا تزال توجد «ثغرات كبيرة». لكنه اكد «ان ما ستكسبه ايران كبير جدا».

وثمة تسريبات تؤيد ما ذهب اليه الوزير البريطاني، ومنها ان طهران نجحت في حسم نحو ستين بالمئة من القضايا الشائكة التي تناولتها المفاوضات، وهو ما قد يرجح فكرة «اتفاق الاطار» لتحصين هذا الانجاز، وضمان عدم العودة الى نقطة الصفر، في الجولات المقبلة بعد انتهاء المهلة الحالية. ويبدو ان قضيتين اساسيتين مازالتا تخضعان الى مساومات الساعات الاخيرة، وهما عدد اجهزة الطرد المركزي، والفترة التي يستغرقها الرفع الكامل للعقوبات الذي سيبدأ بشكل تدريجي بمجرد التوقيع، وهو ما يعني بدء تدفق مليارات من الدولارات على الخزينة الايرانية المرهقة. ولا يعني هذا انقاذ اقتصادها المنهك فحسب، لكنه سيعمل بالضرورة على تغذية مظلة نفوذها الاقليمي، وربما تمويل مزيد من التمدد الاستراتيجي الذي وصل مؤخرا الى مضيق باب المندب.

وايا كان السيناريو الذي ستشهده الساعات المقبلة، فان ايران ستخرج منتصرة «الى حد اما متوسط او كبير»، الا انه يبقى انتصارا على اي حال، بينما سيواجه العرب «انتكاسة استراتيجية» على مستويات عديدة نتيجة للاتفاق.
اما ايران فقد منحتها المفاوضات مكانة سياسية تتميز بالندية في مواجهة قوى عظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، كما ان اي اتفاق سيمثل اقرارا دوليا نادرا باحقية ايران في تخصيب اليورانيوم، ما يعني الاعتراف بها كقوة نووية شرعية. وحتى ان لم تصنع طهران قنبلة نووية، فانها ستملك الامكانيات المادية والمعرفية اللازمة لامتلاكها ان ارادت. والسلاح النووي بطبيعته هو «سلاح للردع» وليس للاستخدام، وهكذا فان مجرد القدرة على امتلاكه تحقق نوعا من هذا الردع. ومن المعروف ان الدول التي امتلكت الطاقة النووية، مثل الهند، تمكنت من تحقيق طفرة صناعية اقتصادية كبرى خلال سنوات قليلة. وبكلمات اخرى فان الاتفاق النووي قادر على ان يلحق ايران بموكب التقدم الحضاري في القرن الحادي العشرين.
اما العرب، فيعني توقيع الاتفاق بين ايران والغرب، انهم وقعوا داخل «كماشة نووية» تمتد من الهند الى اسرائيل مرورا بباكستان واخيرا ايران، ما سيجعلهم بمثابة «منطقة رخوة استراتيجيا» في منطقة مدججة باسلحة الدمار.

وبدلا من الانشغال في مواجهة هذا الخلل الاستراتيجي المرعب، فان العرب في الواقع منخرطون في حروب، اما بينية او في مواجهة تنظيمات ارهابية تريد ان تعيدهم الى العصور الوسطى. وتحدثت تقارير عن ان بلدانا عربية، ومنها السعودية، تنوي بدء برامج نووية ردا على اتفاق نووي ايراني مع الغرب، الا ان هذا كلام يحتاج الى تدقيق، اذ ان الولايات المتحدة نفسها عرضت تقديم مفاعلات نووية لدول بينها مصر لمساعدتها في مواجهة مشكلة نقص الطاقة، لكن بدون امتلاك التكنولوجيا النووية، بالرغم من ان معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية تمنح الدول الموقعة عليها حق التخصيب، لكن بشرط الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وبكلمات اخرى فان واشنطن مستعدة لتزويد العرب بما يشبه «مصانع نووية لانتاج الكهرباء»، على ان تحسب عليهم انفاسهم فيما يتعلق بالوقود النووي، لكن ليس القدرة على تخصيب اليورانيوم.

الواقع ان العرب مطالبون بالنظر الى الاتفاق النووي المحتمل كنقطة تحول تاريخية تتعلق بوجودهم، تستلزم التوقف واعادة النظر استراتيجيا في مستقبلهم على خريطة لا تتسع الا للاقوياء، ولا تحترم الا الكبار، ولن تتردد في ان تلفظهم من الجغرافيا والتاريخ معا ان اصروا على الاستمرار في دفن رؤوسهم بالرمال.

رأي القدس