الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٧ مساءً

لا تلوموا قطر والجزيرة ولكن لوموا أنفسكم..

أنس حسن
الثلاثاء ، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
خطوات متسارعة هنا وهناك.. ولقاءات تعقد في عاصمة وأخرى واجتماعات ومؤتمرات، ثم اتفاق "خليجي" معلن بين قطر والسعودية، ومن خلفها دول الخليج، جاء بعد أزمة سحب السفراء، على خلفية عدم التزام قطر باتفاق قديم موقع بينهما، تلا ذلك تصريحات في الرياض والقاهرة والدوحة عن تقارب يلوح في الأفق، ثم خطوات في الإعلام المصري والقطري لتخفيف حدة التراشق، ثم تغيير لمدير المخابرات المصرية الذي تصفه وسائل الإعلام الغربية بالأب الروحي للسيسي، والعدو الأول لقطر والإخوان، وقبل كل ذلك رحيل قيادات الإخوان من الدوحة، ثم تتويج كل ذلك بإغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، وحديث تركي عن التقارب مع مصر..

خطوات متشابكة إذن.. وليست محض صدفة أو بنت وقتها، وإنما هي سلسلة خطوات بناء للثقة بين الدولتين عبر الوسيط السعودي لفتح صفحة جديدة في العلاقات بعد جفاء سنتين هما عمر انقلاب السيسي حتى الآن، هذا الجفاء جاء نتيجة لتقاطع المصالح بين رؤية الدوحة الإقليمية التي تراهن على الشعوب و تجاوز الديكتاتوريات القديمة التي هي ملعب نفوذ المنافسين التقليديين للدوحة "الرياض - أبوظبي"، وإن اعتبرنا الرياض منافسا فربما من التهوين أن نعتبر أبوظبي كذلك، فالأمر بين أبوظبي والدوحة هو خصومة قديمة كبرت مع الزمن وليس مجرد تنافس، وأكاد أقول إن أبوظبي قبلت على مضض بالتسوية مع قطر، فلقد كانت تدعو خلال الشهور الماضية إلى فرض حصار بحري على قطر وعمل عسكري ضدها، بخلاف رؤية المملكة التي تحاول الاحتواء السياسي واستخدام العصا والجزرة.

لكن يبقى السؤال بعد مرحلة السرد.. لماذا الآن؟ وماذا حدث؟ لقد كان خط قطر منذ ما قبل سنوات الثورة هو الدعم الحثيث للتحركات المعارضة في المنطقة، وحرصت من خلال منصتها "الجزيرة" على عرض الصورة التي لا تعرضها القنوات الرسمية العربية، وإتاحة المجال للصوت الذي لا نسمعه إلا صارخا في أقبية المخابرات، وبالتالي التحمت لفترة ليست بالقليلة بأحلام التغيير وغيرت خريطة التناول الإعلامي والسياسي وفرضت شكلا جديدا على الإعلام العربي وأعادت ترتيب الأوزان، ليتحول الإعلام من بوق للسلطة إلى سلاح في يد أصحاب مشاريع التغيير، و نضجت نخب شبابية استقت رؤيتها وجذوة رفضها من خلال نشرات الجزيرة وبرامجها الحوارية والإخبارية التي كانت تشكل لجيلنا نافذة حقيقية نحو رؤية مغايرة للأحداث، لقد كانت حركتنا وفعلنا في الأرض سرعان ما ينعكس على الجزيرة لنشاهده في نشرات وبرامج، وبالتالي كانت الجزيرة ومن خلفها قطر مرآة حقيقية لواقع عربي مرير..

لقد كان دور الجزيرة في ميدان التحرير وثورة يناير هو طوق النجاة وقت التعتيم و انقطاع البث، لقد بثت أحداث الميدان لمدة 24 ساعة، وبثت أغلب القنوات العربية ما كانت تلتقطه كاميرا الجزيرة، وحركت تلك الصور الحدث، وصنعته جنبا لجنب بجوار الميدانيين والحركيين والثوريين، و استمرت المسيرة طيلة 4 سنوات حتى وصلنا إلى السنة الخامسة تدفع فيها قطر ومن خلفها الجزيرة ضريبة مواقف ومشروع قطري طموح في أن تتحول خريطة المنطقة، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، وبما لا تطيق قطر والجزيرة دفع كلفته.

قطر يا سادة في النهاية دولة ليست ذات مشروع أيديولوجي أو عقدي لتحارب إلى مالا نهاية وراء مشروع يستنزفها، و في النهاية قطر وغيرها من الدول هم في النهاية دول يلعبون بقواعد السياسة والاقتصاد الدوليين التي لا تعرف الأبعاد الأخلاقية الدائمة، خاصة إذا تعارضت مع مصالح حقيقية للدولة، فقطر دفعت ضريبة كبيرة لوقوفها ضد الانقلاب المصري إلى درجة التهديد بحربها من جيرانها، كذلك تمت مساومتها بملفات "كأس العالم" وغيره، وساقت عليها الإمارات حربا ضروسا في اللوبيات العالمية بالتعاون مع اللوبي الصهيوني لحشد الغرب ضدها.

إلا أن قطر ما كانت لتتراجع عن دعمها لو أن هذا الدعم كان يجد صدى في الأرض وإنجازا ماديا ملموسا في الحراك، لقد كان واقع الحراك الإخواني محبطا جدا ومتراجعا لأبعد مدى، و في كل مرة يأتي أصغر من ذي قبل، وأصبح استثمارا فاشلا، والرهان عليه أصبح أسوأ ما يمكن فعله، و في كل مرة يتم اكتشاف وقوعه صحية تلاعب أجهزة الأمن والمخابرات المصرية إلى أعلى مستوياته، وبالتالي رهان كهذا أمر لا يمكن الاستمرار فيه بمنطق الدول التي تمارس سياسة المصالح، فهذا يعتبر مقامرة كبيرة بموقع وطموح الدولة، ولهذا توقعنا مبكرا أن ينقطع المدد القطري وحذرنا مرارا كونه نتيجة طبيعية ومنطقية جدا، ولا يمكن لدولة أن تقامر أبعد من ذلك..

إلا أنه في النهاية يبدو أن الملف لن يغلق بخطوات التسوية القطرية، بل ستلحقه خطوات مصرية لاحقة عبر تعديل الخطاب الإعلامي وملفات السجون والتعامل الأمني مع الإخوان، كنوع من أنواع المقابل لوقف قطر إدارتها الإعلامية للحراك في مصر، وإن كنت أعتقد أن ملف إقالة مدير المخابرات ما هو إلا خطوة من صمن خطوات سترى في هذا السياق، والأيام كفيلة بكشف المزيد خلال شهر من الآن.

ملف الحرب الدولية على الدولة الإسلامية في العراق والشام، وملف الانهيار النفطي، والمواجهة الاقتصادية مع روسيا، وتولي الجزيرة ملف داعش، وتسليط الضوء عليه من زاوية البيشمركة، هي أيضا خطوة في تسوية تتم، ليست على مستوى قطر بل على مستوى إقليمي، فهناك تدخل أمريكي بكل ثقله في الملفات السياسية للشرق الأوسط تمهيدا لخطوات لاحقة من الحرب التي ربما ستكون برية خلال الفترة القادمة على الدولة الإسلامية، ولهذا يجب أن تصفر المشكلات عنوة بين دول المنطقة، لتستطيع واشنطن التفرغ للحرب القادمة ولتعمل استراتيجيتها بتناغم، وليس أمام أي دولة في المنطقة إلا الرضوخ بشكل أو بآخر لهذه الموجة العاتية، ولقد فهم البشير السوداني الدرس مبكرا وغير موجاته الإذاعية سريعا..

ولعلنا نستكشف قريبا حدود تأثير الاتفاق القطري، وهل هو متوقف على مصر أم سيتجاوز لملفات كليبيا وتونس واليمن !؟