الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٥ مساءً

سنة الكوارث العربية

القدس العربي
الخميس ، ٠١ يناير ٢٠١٥ الساعة ١٢:٠٤ مساءً
سيسجل التاريخ أن سنة 2014 هي الأسوأ والأمرّ في التاريخ العربي الحديث. فقد أفرزت أحداثا جساما، وأدخلت جُل العرب في نفق لا ضوء يلوح في نهايته، ولا صدى يرجع.

فثورات «الربيع العربي» وتداعياتها تدخل عامها الخامس، في ظل احتدام الصراع الإقليمي والدولي، الذي أفرز حروبا عسكرية لم تخمد، وفصائل مسلحة، أبرزها الدولة الإسلامية وأخواتها ما زالت تتمدد.

لكن لعل أبرز ما تبلور في عام 14 تناحر المحاور، التي تجسدت بالمحور الأمريكي، الذي يسمى «الشرق الاوسط الجديد»، والتاريخي الإيراني التوسعي، الذي أفرز بدوره ولادة «شرق أوسط إسلامي سني – شيعي»، أبرز ملامحه الحالية والمستقبلية التناحر والصراع المفتوح على الجبهات كافة، بدءا من سورية، مرورا بلبنان حزب الله، إتجاها نحو اليمن والبحرين، وليس إنتهاء بسياسة صراع الاضداد مع دول الخليج.

وفيما نشط المحور التركي إقليميا ودوليا، عزف المحور الإسرائيلي على ديدنه المعهود لاستدرار العطف الغربي.
فيما دخلت الجامعة العربية سباتا مزمنا، عوضته عودة قوية لدول الخليج، التي سجلت حضورا عربيا ودوليا، تعزز بعد اتضاح مآلات المفاوضات النووية بين الغرب وإيران، ما أنتج أخيرا ما بات يسمى «حرب النفط» لإضعاف المحور الروسي – الإيراني، والذي سبب أضرارا كبيرة لاسعار النفط، ووجعا إقتصاديا غير مسبوق للدولتين النفطيتين، قد يربط بمناورات عسكرية قامت بها إيران في مضيق هرمز الحيوي قبل ختام العام، بدعم من روسيا، والتي تبدو وكأنها عرض قوة.
واذا صحت تسميته «المحور العربي»، فقد نجح في فتح نافذة أمل في إنجاز المصالحة الخليجية ـ الخليجية، وكذلك القطرية – المصرية، وربما لاحقا المصرية ـ التركية.
لكن الأوضاع المتلاحقة في مصر خلقت خاصرة رخوة بعد تداعي الرؤساء كالدومينو، بدءا بالمخلوع، الذي يقبع حبيس السجن مريضا، مرورا بالرئيس مرسي المعزول في القفص الزجاجي، الى الرئيس السيسي القابع بقصر الإتحادية يحاول مداواة جراح مصر عبر الكي بالنار، واستحضار مفردات التاريخ البائدة في سجن معارضيه وقهرهم، بدل إجراء حوار سياسي موسع يعيد للدولة هيبتها العربية والدولية.

ووضع القطر الشمالي سوريا، ليس أفضل حالا، إذ وصفته الأمم المتحدة بأنه الأسوأ في التاريخ المعاصر. بعد مقتل عشرات الآلاف من السوريين من طرف السلطة، التي تحتكر الحكم منذ نحو نصف قرن والمعارضات المسلحة التي تنشد الإنصاف، في وقت دمرت مئات آلاف المنازل، فيما هجر ملايين السوريين داخليا وخارجيا. ولا تلوح في أفقها أي غيمة بيضاء.

فلسطينيا.. حققت القضية إختراقا تاريخيا من خلال اعترافات برلمانية أوروبية بالدولة الفلسطينية، في ظل تأفف أوروبي من جمود المفاوضات ووصولها الى خيار الصفر. ومشروع أممي يلوح في الافق قد يفجر الأوضاع مجددا، بعد عام من المعاناة الشديدة وتوقف إعمار غزة وتواصل تقديم الشهداء، وتعاظم أعداد المساجين، وتوسع المستوطنات، وجلوس القدس على قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

أما لبنان فلم يكن أفضل حالا، فقد عجز الفرقاء – لأول مرة في التاريخ ـ عن صناعة رئيس جديد للبلاد، مع تسجيل البلاد قلاقل وتوترا مرتبطا بالصرة السورية، خاصة بعد إندلاع اشتباكات مسلحة بين الجيش اللبناني ومواطنين في الشمال، ولاحقا مع مسلحين سوريين أدت إلى مقتل عدد من الجنود، واختطاف مسلحي «النصرة» وتنظيم «الدولة الاسلامية» عددا آخر منهم، ما زالوا قيد الاختطاف، هذا فضلا عن إعلان الحكومة اللبنانية إيقاف استقبال النازحين السوريين.
ورغم تسجيل تونس بارقة أمل في عام قاتم، عبر إجتراح أول إنتخابات ديمقراطية لرئيسها، الا أن القصة لدى جارتها ليبيا كانت الأسوأ منذ الإستقلال، فقد بدأت البلاد العام بصراع المدن لتنهيها بحرائق النفط، فيما السجال بين الحكومة الشرعية والجماعات المتناحرة في أوجه، وحبل الصراع على غاربه، وسط صمت غربي مريب.

أما اليمن «السعيد»، فقد سجل المفاجأة غير السعيدة، بسقوط العاصمة بيد الحوثيين وتهديدهم وحدة البلاد واندلاع التصفيات مع «القاعدة» مع إفراغ منصب الرئيس الشرعي من مضمونه بعد الإستيلاء على الجيش، واستمرار تدحرج الصراع الى جوار البلاد.

وبدأ السودان الكبير ـ الذي انشطر نصفين – بدعوة الى حوار سياسي، وانتهى مع جنوبه المستقل بتصعيد عسكري، وكان بامتياز عام الآلام، وملاحقة السلام عبر الوساطات الدولية، واستنفار منظمات الإغاثة الانسانية، وتحذيرات من نذر مجاعة تهدد حياة الملايين من المواطنين.

واذ نودع عاما عربيا قاطرا بالدم، نستقبل آخر مجهولا، ولا يبدو أننا على أبواب إطفاء حرائقه، التي بدأت بحريق ذيله لتنتشر الى باقي عباءته.

رأي القدس