الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٢ صباحاً

الدائري

عباس القاضي
الاربعاء ، ١٤ يناير ٢٠١٥ الساعة ١٢:١٨ مساءً
تباعدت المسافة بيننا والسيارة ،،، فالحماسة والهتافات أخذتنا في مسيرة " رفض " ،،، عدت راجلا حتى ثقلت قدمي فقلت لابني عمر : اذهب واحضر السيارة وسأنتظرك في الخط " الطالع " .

مشيت حتى وجدت مكانا لأستريح فيه،،، كان مدخلا لعمارة كبيرة .

قال : من موزع تعز وأردف : تعرفها ؟ هززت رأسي إيجابا ونفيا : نعم ، اسمع عنها لكنني لم أعرفها ،،، واستطرد : عندي ، ثمانية أبناء : البكر ولد ،،، بعده خمس بنات " درك " واحد ،،، بعدين ربي " وحَّجِهْ " بولدين آخر شي .

قلت للرجل الستيني الذي جلست بجانبه في مدخل البيت التي يحرسها ،،، بعد أن رد على أسئلتي الأولى : كم لك في هذا العمل ؟ أخذ بمجاميع أصابعه ووضعهم على فمه ليتذكر ثم قال : ست وعشرين سنة ،،، وأهلك يعيشون معك قلت له بسرعة خوفا أن يفلت السؤال مني ؟ قال: لا، هم في البلاد ،،، أسافر لهم من عيد رمضان لا عيد رمضان ،،، أهب لهم ( أمكث عندهم ) أسبوع وارجع .

جلست ،،، بعد أن كنت أجلس القرفصاء ،،، أوجعتني رجليَّ من وجع الرجل ،،، ثم قلت له : ألم تحاول أن تستأجر هنا ويعيشون معك ؟ قال حاولت يا ابني وجربتها في البداية ،،، يوم كان الإيجار من عشرة ألاف، إثناعشر ألف ريال بالشهر ،،، ولما ارتفع من خمسة وعشرين " واقلب " كم الديك وكم مرقه ؟ .

عندك كبار يدرسون ؟ البكر يدرس في جامعة أهلية ،،، السنة القادمة ستكون آخر سنة ،،، ماذا يدرس ؟ والله ما لي علم ،،،قالها بفطرته الصادقة ،،، سألته مستغربا : في جامعة أهلية والرسوم من يدفعها ؟ رد عليَّ قبل أن يبلع ريقه : صاحب هذه العمارة ،،، لديه عمارة أخرى وابني يحرسها مقابل الرسوم ويعطيه فوقها ثلاثين ألف ريال ،،، ثم نظر إليًّ حتى كانت عينه بعيني وهو يقول : قل يخزن بنصه ( بنصفه ) ،،، قال لي ابني : على شان يذاكر ويفهم ،،، أما أنا وهز رأسه : ما خزنش .

عندك رعوية ( أرض ) في البلاد ؟ قال : لا ،،، طيب : غنم ، بقر ؟ قام من مكانه ثم قال بعد ان خرج إلى الرصيف : معي هذا وأشار بإصبعه إلى السماء .

وهو كذلك قلت له : هذه سيارتنا جاءت وانزل يده ومازالت سبابته مرفوعة وهو يصيح : وقف وقف وقف .

ودعته بسلام خاطف ،،، ركبت السيارة وقفلت راجعا ،،، وقد علق في قلبي غبارا من وجع الرجل .