الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٤ مساءً

أين صوت الآخر؟

عارف أبو حاتم
الخميس ، ١٥ يناير ٢٠١٥ الساعة ١٢:٠٩ مساءً
لايزال صوت الآخر هو الغائب الأبرز في ثقافتنا العربية التي غلبت عليها الانفرادية والتوحُّش منذ حقبة الاستعمار والكولونيالية، وأصبحت تتخذ مواقف متباينة بين الرفض المتصلّب والانبهار المتفلّت، وقليل من يستوعب الآخر ويحاوره، ويتقبله، وأحياناً يتجاوزه إلى ما هو أكبر منه قيمة وأعمق رؤية.

يتخذ المتصلّبون مواقف متشدّدة ترى في الآخر استعمارياً كولونيالياً، يبحث عن مثالب وثغور يدخل منها لهدم ثقافتنا وقيمنا وتشويه ديننا، والحفاظ علينا كمجتمعات مستهلكة للمعرفة بقدر استهلاكها للمنتجات الصناعية، وهذا التيار هو من يغوص في نظرية المؤامرة، ويضيع لحظة النهوض التي بين يديه لأنه منشغل بالدفاع عن المتخيل واللا مرئي..وعلى النقيض يعيش المنبهرون بحضارية وقيم المنتصر ونمط وأسلوب حياته، ويريدون نقلها كلّها إلى مجتمعاتهم ذات الخصوصية الشرقية، وهذه الأخرى هي ردّة فعل أشد بؤساً من الأولى؛ لأنها ستدفع في اتجاه هدم قيم وثقافة ومعتقدات هي جزء أساس من حياة الناس.

وما بين التيارين يعربد الحاكم العربي، ويدخل المثقفين تحت رحمته أو تحت قبضته، يمنحهم معرضاً للكتاب ولا يمنحهم فرصة لإنتاج المعرفة، ويعطيهم موافقة لاحتضان عاصمة الثقافة العربية، ولا يمكّنهم من بنية تحتية تبنى عليها مداميك الفعل الثقافي، يعطيهم قانوناً لحرية الصحافة ويوقف الصحف، يتحدّث عن حرية النشر والتعبير، ويترك المراقبين في المطابع ودور النشر، ويجعل تشريعاً لحق الحصول على المعلومات ويعطّل تفعيل القانون..!!.

حتى المثقفين والمعنيين بتحسين أداء الفعل الثقافي يمارسون ذات التضليل، فهم مثلاً يتحدّثون عن “الآخر” بتسامح وانفتاح ويطالبون بضرورة استيعاب الآخر، فيما دور النشر والمكتبات فارغة من كتب الآخر، ونادراً ما تجد الكتاب الأجنبي بلغته الأم، وقليلاً ما تجد الكتاب المترجم..!!.

في كل معرض كتاب لن تجد دار نشر أجنبية واحدة، كلّها عربية المنشأ والمضمون والتوجُّه، نحن بحاجة إلى قراءة الآخر وسماع صوته ومعرفة كيف يفكر وماذا يقول.