الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٨ صباحاً
صحفي يمني يكشف عن وجود (386) شخصاً ما زالوا عبيد حتى هذه اللحظة في اليمن
مقترحات من

صحفي يمني يكشف عن وجود (386) شخصاً ما زالوا عبيد حتى هذه اللحظة في اليمن

قد يعجبك أيضا :

انطلاق منصة (مال) للعملات الرقمية المشفرة برؤية إسلامية

الحوثيون يستنجدون باحفاد بلال لرفد الجبهات...ماذا يحدث؟

مصدر ميداني يكشف حقيقة سيطرة الحوثيين على الجوبه!

شاهد الصور الأولية للحوثيين من أمام منزل مفرح بحيبح بمديرية الجوبه عقب سيطرتهم عليها

عاجل...التحالف العربي يعلن تدمر مسيرة حوثية

يث عن الرق والاستبعاد كقضية أو ظاهرة في العقد الثاني من الألفية الثالثة ، يولّد صدمة أخلاقية وعودة بالزمن إلى الماضي ، ولأن قضية الرق والعبودية لا تكاد تذكر في معظم دول العالم – وإن وجدت ولو على نطاق محدود – فإنها جريمة إنسانية وامتهان لأدمية وكرامة وحرية الوجود الإنساني بعد كل هذا التطور الحضاري والقيمي للإنسان المعاصر ، لكن – للأسف -  مازالت هذه الظاهرة  موجودة في بعض مناطق الجمهورية اليمنية وتحديداً في محافظتي الحديدة وحجة ومازال مواطنون يمنيون عرضة للبيع والشراء على مرأى ومسمع من الجهات الرسمية والأحزاب السياسية والمجتمع اليمني والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان – وعلى كثرتها – لم تقدم أي شيء للحد من الجريمة (الظاهرة) التي باتت تهدد المجتمع اليمني وتوازنه الاجتماعي , ومع ذلك فالحكومة والجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان أُذن من طين وأخرى من عجين رغم تفشي الظاهرة واتساع نطاقها في بعض مديريات الجمهورية اليمنية.

ولعل من المهم التذكير هنا أن أول أهداف الثورة اليمنية هو التحرر من الاستبداد والاستعمار وإقامة حكم ديمقراطي عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف ، لكن الاستبداد والاستعباد والرق ما زال قائماً حتى هذه اللحظة .

ما هو الرق ؟
عرفت  الاتفاقية الخاصة بالرق الصادرة عن الأمم المتحدة المكونة من 12مادة والتي بدأ نفاذها في  9 مارس 1927م وعدلت بالبرتوكول المحرر في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في 7 ديسمبر 1953م وبدأ نفاذ الاتفاقية المعدلة في 7 يوليو1955م وهو اليوم الذي بدأ فيه نفاذ التعديلات الواردة في مرفق برتوكول 7 ديسمبر 1953م  - عرفت "الرق" بأنه حال أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية ، كلها أو بعضها ,  أما "تجارة الرقيق فتشمل جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو احتيازه أو التخلي عنه للغير بقصد تحويله إلى رقيق ، وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتياز رقيق ما  بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي بيعاً أو مبادلة عن رقيق تم احتيازه بقصد بيعه أو مبادلته ، وكذلك عموماً ، أي اتجار بالإرقاء أو نقلهم " .

خلفية تاريخية عن الظاهرة :
منذ بداية الحضارة الإنسانية والعبودية إحدى المشكلات التي مازالت تؤرق تاريخ وجود الإنسان واستقراراه في التاريخ الإنساني ، وهذه قضية حاولت الأديان الخروج منها ، لكنها لم تحرمها ، تحريم إلى درجة التجريم ، فقد كان التعاطي معها يجري على مستوى محدود يخفف منها أو يطالب بتحسين التعامل مع المستعبد – بفتح الباء – أو الرقيق بعبارة أدق ضمن الجماعة أو الديانة أو العرق أو الجنس ، لكنه تعاطٍ خجول .

أيام الإمبراطورية المغولية بقيادة جنكيز خان كان من أهم أهداف هذه الإمبراطورية أن لا ُيستعبد المغول ، وهو هنا تعاطٍ مع جنس أو ما يمكن تسميته قومية الحاكم أو الامبراطور, إعادة تراتيب العبودية .

وبالعودة إلى التراكم التاريخي للتعاطي مع تاريخ الرق والعبودية ، نجد الإنسان الشرقي رغم أنه شكّل أقدم المستوطنات البشرية في تاريخ الاستيطان البشري ، لكن سجله الإنساني التراكمي، لم يكن تطوري بشكل كبير في التعامل الإنساني بين المجموعات البشرية ، رغم ما كتب التاريخ عن التعامل الروماني مع الرق والعبودية من القساوة المرعبة حين تحول البشر إلى أدوات التسلية لأنهم رقيق ، فقد شكلت أوروبا ما بعد الثورة الصناعية حالة متقدمة في التاريخ الإنساني هي الأكثر نضوجاً للسجل الأخلاقي لحقوق الإنساني المرتبطة بالرقي القيمي والكرامة الإنسانية ، فقد كان لتاريخ الخروج من رحم الثورة الزراعية التي ولدت الاستقرار البشري إلى الثورة الصناعية رغم الفارق الزمني الكبير – نقلات في تاريخ السجل الأخلاقي للإنسان ، وعلى الرغم من الازدهار الذي شهدته تجارة الرقيق من أفريقيا إلى العالم الجديد بعد الكشوف الجغرافية ، فإن المتغيرات ما بعد الثورة الفرنسية التي كانت ثورة قيمية لا تضاهى في التاريخ , زلزلت قناعات البنى الفكرية والثقافية في الحضارة الغربية ، لتأتي بعدها عمليات إيقاف تجارة الرقيق ، وهي المقدمات لقرنين من التحولات التي خلقت مفاهيم جديدة ، أصّلت لتراكم سجل أخلاقي حقوقي للإنسان الحالي ، فتاريخ التطور التراكمي لبنية حقوق الانسان القانونية والقيمة القائمة كان نتاج تضحيات قائمة على قناعات ثقافية دفع عظماء التاريخ الإنساني ثمنها.

ولعل الحرب الأهلية الأمريكية في جزء منها تاريخ هذا النضال العالمي لتحرير العبيد وتحريم الرق، فقد كانت أحد نتائجها في أمريكا تحرير العبيد وتجريم الرق ، لكن محاولات بعض الطغاة – كما فعل نابليون- أعاد التاريخ إلى الوراء بقرار إعادة الرق فسقط في المستعمرات الفرنسية ولم يصمد لأنه ارتداد على رمزية الألوان الثلاثة في العلم الفرنسي التي كانت تعني الحرية والإخاء والمساواة ، وهنا نجد أننا أمام تغير قيمي ، فما تم إلغاؤه لا يمكن اعادته في التطور القيمي ، لكن يمكن التراجع المؤقت عنه ليعاد دفعه إلى الأمام بكل قوة متحولاً من قناعات فكرية خجلة إلى واقع إباحة غير ملزم إلى أن يتحول إلى نص دستوري وقانوني وفعل مجرم قانوناً متبوع بعقوبات تتدرج شدتها مع تقادم صدور القانون زمنياً ، ومزيد من التطور الاقتصادي والاجتماعي والقيمي والقانوني للمجتمع يقود إلى تشديد العقوبات في المسائل الخاصة بحقوق الانسان .

وكانت السويد والبرتغال أول دول العالم تحريما للرق عام 1761م , ثم اسكتلندا عام 1776م وقد أجاز البرلمان الإنجليزي قانون إلغاء تجارة الرقيق في 25 مارس 1807م وفي عام 1827م زاد البرلمان في صرامة القانون واعتبر تجارة الرقيق نوعاً من القرصنة , وجعل عقوبتها الإعدام .

وفي عام 1833م منعت بريطانيا الرق في جميع مستعمراتها ، أما فرنسا فقد الغت امتلاك العبيد عام 1794م ، لكن نابليون أعاد الرق كما كان في عام 1802م ، لكن فرنسا الغت الرق نهائياً في العام 1848م في فرنسا وفي مستعمراتها ،  وكان يوم 10 مايو يوم محاربة الرق في فرنسا ومستعمراتها ، ومنعت أمريكا تجارة الرقيق عام 1775م وبالتحديد في فيلادلفيا لوجود جماعة دينية تعتبر الرق مناف لمعتقداتها وألغيت العبودية في نيويورك عام 1799م ، وأصدرت الحكومة الفيدرالية قانون منع تجارة الرقيق وإلى الأبد عام 1808م .

وعقدت الدول الأوروبية  معاهدة منع تجارة العبيد عام 1814م وعقدت بريطانيا معاهدة ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1848م بمنع تجارة الرقيق وفي عام 1906م عقدت عصبة الأمم مؤتمر العبودية الدولي وقُرر منع تجارة العبيد وإلغاء العبودية بشتى إشكالها ، وفي 25 سبتمبر 1926م تم توقيع المعاهدة الدولية الخاصة بالرق والإتجار بالرقيق من قبل عصبة الأمم المتحدة ، وتم إقرار بدء النفاذ من يوم 9 مارس 1927م ، وخصصت الأمم المتحدة يوم 23 أغسطس من كل عام يوماً عالمياً للتذكير بظاهرة الرق والإتجار بالبشر لحث العالم على القضاء على هذه الظاهرة ، وكانت دول قارة آسيا متأخرة في إقرار الاتفاقية ، فالصين أقرته في العام 1910م , وكانت الدول العربية والإسلامية متأخرة سواء في التوقيع على الاتفاقية أو تنفيذها .

فقد ألغت مصر الرق عام 1865م بفضل الخديوي إسماعيل الذي حارب الرق فيما كان يعرف بالسودان والتي كانت جزءاً من مصر يومها ، لأن الدول العربية الأخرى كانت تحت الاستعمار الغربي ؟

وأقرت بريطانيا إنهاء الرق عام 1924م ، لكنه ظل كواقع ممارس وألغت موريتانيا الرق بواسطة الفرنسيين عام  1905م وأرجع إلها الرق ثانية وألغي منها بعد الاستقلال عام 1961م ، وحدثت تعديلات على الاتفاقية في عام 1953م في الأمم المتحدة بنيويورك على أن يكون التنفيذ عام 1955م .

وفي أواخر الخمسينيات وقعت اليمن على اتفاقية منع تجارة الرقيق من القرن المنصرم وصادقت عليها في 9/2/1987م أي قبل ما يزيد عن ربع قرن من الزمن، وصدر أهم إعلان في تاريخ التطور القيمي والأخلاقي للحضارة الإنسانية بعد الحرب الكونية الثانية أنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يُعد أهم وثيقة تحفظ الكرامة الإنسانية للإنسان ، وتؤصل للتشريع القانوني في جميع الدول الموقعة عليه ومسند إلى هيئة الأمم المتحدة عبر مكاتبها المعنية سلامة احترام التقيد بأحكام هذه الوثيقة الإنسانية وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر 1948م والذي احتفينا بمرور أربعة وستون عاماً على صدوره في العاشر من ديسمبر 2012م رغم مرارة الرق والعبودية والاتجار بالبشر التي يعاني منها جزء من اليمن , والذي منع وجرم الرق والعبودية والاتجار بالبشر في مادته الرابعة ، وقبل كل ذلك فقد كان الإسلام سباقاً في إلغاء تجارة العبيد بعد أن ترسخت قيمه ومبادئه على يد الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وأله وسلم وخلفائه الراشدين ، وليس أدل على ذلك إلا القول الشهير للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه للقبطي " أضرب ابن الأكرمين " بعد أن ضربه ابن عمرو بن العاص حين سبقه في الخيل وأطلق قولاً شهيراً لعمرو بن العاص " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " ولنا في تاريخنا الإسلامي دلائل كثيرة عن المساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان لكنها في تتلاشى تدريجياً, وخاصة في بلدان عربية مثل اليمن ، وموريتانيا والسودان وبعض الدول الأفريقية ، وكان المفترض في ظل التقدم العلمي وعصر الحرية والانترنت أن تكون الدول العربية على وجه أخص قد تجاوزت مرحلة عصر الجاهلية والبدايات الأولى للإسلام الذي حرر العبيد لاحقاً , لكن دولاً عربية ومنها اليمن مازالت تعيش عصر الجاهلية ، أو في بداية عصر الإسلام ، ولم تتجاوز ذلك رغم مرور اكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن .

ظاهرة العبودية في اليمن
في العام 2008م كشف المرصد اليمني لحقوق الإنسان – وهو منظمة حقوقية غير حكومية – كشف عن حالة رق مثبتة بشكل رسمي في إحدى محاكم محافظة حجة – تبعد عن العاصمة صنعاء 200كم تقريباً – إذ حصل المرصد على وثيقة بيع إنسان مقابل نصف مليون ريال - حوالي (2330) دولارا أمريكيا في مديرية كعيدنة بمحافظة حجة مسجلة بسجل البصائر برقم 98/1429هـ ، وجاء في وثيقة البيع المحررة من أمين المحل والمعمدة من المحكمة والشهود عليها بشاهدين عدلين ، أن أحد الأشخاص اشترى من شخص أخر (العبد المسمى) قناف بن (الجارية سيارة) هكذا أسمها – بيعاً صحيحاً شرعياً نافذاً ، بإيجاب وقبول من المشتري بماله ولنفسه بمبلغ خمسمائة ألف ريال يمني (2330$) النص من ذلك مائتان وخمسون ألف ريال يمني (1165$) . هذا نص وثيقة البيع والشراء ، وكانت صحيفة المصدر الأهلية أول من ألقى حجراً في مياه ظاهرة الرق والعبودية ، والتي أثارها أحد زملاء المهنة – عمر العمقي – في العام 2010م . والتقطت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) – وهي منظمة غير حكومية – خيط القضية لتحيلها إلى حملة وطنية لاجتثاث هذه الآفة المتجذرة ، لكن ومنذ ثلاثة أعوام بعد إثارة الظاهرة ، انتهت الحملة وسكت الجميع تماماً وتناسوا الظاهرة تدريجيا لأن التفاعل مع القضية (الظاهرة) كان تفاعلاً لحظياً ، لكن منظمة حديثة النشأة وهي منظمة غير حكومية – مؤسسة وثاق للتوجه المدني – إعادة فتح القضية من جديد هذه المرة  وأصدرت تقريرا عن الرق والعبودية في اليمن في 5 ديسمبر 2012م في محافظتي حجة والحديدة ، وهو تقرير من واقع ميداني ، كشف التقرير عن وجود رق وعبودية ورصد (190) حالة رق منها (13) حالة في مديرية كعيدنة و(116) حالة استعباد منتشرة في مديرية خيران المحرق و(61) حالة استعباد في مديرية أسلم والمديريات الثلاث في محافظة حجة، وتبين خلال الرصد ومقابلة الضحايا أن حالات الاستعباد والرق موجودة بشكل واضح في المناطق التي استهدفها التقرير وهي على نوعين ، ضحايا يتم ممارسة كافة اشكال الاستعباد ضدهم وامتهان كرامتهم بما في ذلك بيعهم والاتجار بهم فهم مملوكون بشكل كامل ، وضحايا يتم إطلاقهم ظاهرياً بينما يمارس ضدهم كافة أنواع الاستعباد والامتهان لأدميتهم وإنسانيتهم عدى البيع والاتجار بهم ، وبالعودة إلى المستعبد – بفتح الباء – قناف بن الجارية سيارة فلم يكن يصدق نفسه أنه امتلك حريته بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الاستعباد وقال عند مقابلته في صنعاء أنه فرح للغاية، لكنه أبدى قلقاً من واقع جديد لم يألفه وهو حياة الحرية والكرامة – لكن الخوف كان بادياً عليه ماذا بعد ؟ بمعنى كيف سيتحصل على عمل ، ومن سيتكفل بذلك ، وللأسف بعد ثلاثة أعوام من تحريره من مستعبده عاد إليه ثانية يطلب هذه المرة بنفسه طوعاً  ان يعود الى العبودية من جديد , ولعل السبب بسيط للغاية هو غياب الدولة التي لم تستطع أن توفر له عمل يقتات منه وأسرته ، ما أضطره إلى العودة إلى حالة العبودية من جديد ومع ذات الشخص الذي باعه قبل ثلاثة أعوام .

حين كشف "العبد قناف" عن قضية استعباده وتحريره عن طريق القاضي هادي عساج رئيس محكمة حجة الابتدائية – فُصل القاضي لاحقاً من القضاء بعد أن حرر بصيرة  البيع – طلب النائب العام السابق عبدالله العلفي قناف إلى مكتبه ، قناف قال إن النائب العام سبله صك عتقه الذي كان بحوزته بدون أي مبرر ، وتركه يعيش في منزلة بين منزلتين ، بين منزلة العتق ومنزلة الرق ، وأجبره على العيش بعيداً عن نفوذ مشايخ القبيلة التي ينتمي إليها وكأنه "عبد آبق" فار من سلطة سيده.

تصرف النائب العام هذا فسره قانونيون بأنه ربما جاء محاولة للحفاظ على "سمعة الدولة" في حال انكشف أمرها بوجود عمليات استعباد وظاهرة رق في اليمن ، خاصة وأن الدستور والقانون اليمني يجرمان ويحرمان نظام الرق ويجرمان عمليات البيع والاتجار بالبشر ، ولذا اعتبر تصرف القاضي الذي اعتق (قناف) جريمة قانونية، وأُلغيت لذلك عملية شراء العبد قناف ليُجبر على البقاء على وضعه السباق، وفقاً للقانون اليمني ، وفي حين يعتبر حراً وفقاً للشريعة الإسلامية التي تُعتبر مرجعية للقضاء اليمني .

صحيح أن (العبد قناف) وأفراد أسرته (أمه سياره وأخوه فيصل ، وشقيقته شعيه وبقية إخوته) عرف المجتمع اليمني ومنظمات المجتمع اليمني عنهم , إلا أنهم مازالوا (مستعبَدين) بفتح الباء – من قبل مستعبِدين – بكسر الباء – وهم شيوخ القبائل وأصحاب رؤوس الأموال الذين ورثوا هؤلاء المستعبَدين – بفتح الباء – أباً عن جد مثلهم مثل بقية الموروثات المنقولة كالأموال والحيوانات والأرضي وغير ذلك ، لكن أحداً لم يقدم لهم شيئاً مثلهم مثل الحكومة والدولة التي لم تتعامل مع الظاهرة حتى هذه اللحظة , وكأن شيئاً من هذا الامتهان للكرامة الإنسانية لم يكن وبين هؤلاء المستعبدين – بفتح الباء – أطفال كثر مستعبدون مع أمهاتهم لم تعرف أقدامهم طريقاً الى مقاعد الدراسة , كما أن كثيراً منهم لا يعرفون من هم آبائهم ويسمون علي الاغلب بأسماء أمهاتهم .

نسيم حجوري .. عقدين من العبودية
دلف قبل أيام الى بداية عقده الثالث من العمر , بعد ان امضى كل عمره بين براثن الرق والعبودية , هو وكل افراد اسرته مستعبدون – بفتح الباء- عند شيخ يدعى عبدالمجيد الذي ورثه واسرته – امه واخوته- عن ابيه تماما مثلما يرث الأرضي والمواشي وكل المنقولات .

 في 6 ديسمبر التقيت "بالعبد نسيم مزيد سعد حجوري " (20عاما) من مديرية كعيدنة بمحافظة حجة – وهو أحد ضحايا الرق في منطقته وأسرته المكونة من أربعة إخوته وأخته ووالدته ، كلهم ما زالوا مستعبدين- بفتح الباء - باستثناء نسيم - الذي حرره عضو مجلس النواب (محمد عبدالإله القاضي) في نوفمبر 2012 م بمبلغ ثمانمائة ألف ريال حوالي (3725) دولاراً أمريكياً بوساطة وتفاوض طويل من قبل رئيس احدى منظمات المجتمع المدني , مع الشيخ الذي يستعبده  وقبل أيام توفي أحد إخوته بسبب لدغة أفعى قاتلة ، والده هرب قبل سنوات إلى المملكة العربية السعودية وتركهم مع أمهم ، وعاد مؤخراً إلى المنطقة لكنه لا يسكن معهم خشية من العودة إلى الاستعباد ثانيةً , هرب الاب من العبودية لكنه ترك اسرته لما خاف من الاستمرار فيه, انها العبودية المتوحشة والرق الفاجر.

نسيم وأسرته مستعبَدين – بفتح الباء – لشخص من كعيدنة بحجة ورثهم عن أبيه – كما اسلفت- بعد توزيع التركة وكان نسيم وأسرته جزء من هذه التركة التي آلت إلى أحد الأبناء المستعبِدين – بكسر الباء – ويدعى عبدالمجيد , تحرر نسيم قبل أيام قلائل , لكن اسرته الى اليوم مازالت ترزح تحت براثن العبودية المقيتة.

يقول نجيب السعدي رئيس مؤسسة وثاق للتوجه المدني – وهي منظمة غير حكومية-  تعمل في مجال الحقوق والحريات – إنه خاض مفاوضات طويلة مع عبدالمجيد ودفع بالوساطات لديه من أجل تحرير نسيم الذي كان متخوف كثيراً ، وبعد وساطة أصدقائه وأصحابه - يقول نجيب- وافق على تحرير نسيم شريطة إلا يظهر لوسائل الإعلام ، وعدم ذكر اسمه لأي جهة ، يضيف السعدي , قبلنا بالشروط ووقعنا أمام إشكالية قانونية وهي عند تحرير نسيم سنكون معرضون للمساءلة القانونية بتهمة الاشتراك في بيع وشراء إنسان ، لذلك - والكلام للسعدي - قام عبدالمجيد بتحرير وثيقة عتق لنسيم أمام شهود ووقع عليها على أساس أنه اعتقه لوجه الله ودفعنا له ثمانمائة ألف ريا ل - حوالي (3725) دولاراً أمريكياً بدون أي وثيقة استلام ، والآن نسيم يدرس في المعهد المهني بصنعاء (تكييف وتبريد) ويسكن في المعهد وتتكفل مؤسسة وثاق للتوجه المدني  بمصاريفه إذ لا يوجد جهة تكلفه غيرها , فيما اسرته بالكامل لازالت مستعبدة حتى هذه اللحظة.

ثمة مشكلة كبيرة يعاني منها من يتم تحريرهم ، إذ لا يجدون من يعولهم ويتكفل برعايتهم وتأهيلهم بعد التحرير كي يتم دمجهم بالمجتمع ، وهذه الجهة لم توجد بعد ، بعد غياب كامل للدولة والحكومة التي مازالت تتهرب من الاعتراف بالظاهرة كي لا تتحمل مسؤوليتها القانونية والإنسانية تجاه هؤلاء المستعبَدين - بفتح الباء - وثمة طرقاً ودية لتحرير العبيد - يضيف نجيب السعدي - وهي تطمين مالكي العبيد - المستعبِدين - بكسر الباء - وعدم ابتزازهم باسم القانون ، شريطة كفالة الضحايا بعد تحريرهم وهي مشكلة كبيرة لعدم توفر الإمكانيات المادية لتحريرهم وتأهيلهم بعد التحرير .
رفض نسيم حجوري رفضاً قاطعاً إعطاءنا صورة شخصية له ومنعنا من التقاط أي صورة ، خشية من أن تتسرب هذه الصور إلى جهات لا يرغب أن تصل إليها ، لا بل أن نشر صورته في وسائل الإعلام يعني التشهير به – حد قوله - خاصة وأن لا أحد يعرف عنه شيئاً سوى محيطه الصغير وأسرته ومستعبديه فقط وهذا هو عالمه .
حين تجلس معه لا يتكلم كثيراً ويشعر إن اختلاطه بأُناس غير الذين تعود عليهم طيلة 20 عاماً يعني أنه "آبق" بمعنى أنه خرج عن طاعة سيده وعن عالمه الصغير ، وأنه يشعر بالخوف من العودة والتعرض للضرب والإهانة  والتعذيب وغيرها من ضروب الإساءة والمعاملة القاسية واللاإنسانية  من مستعبده لأنه غادر منطقته دون إذن ، ولم يكن يدرك قبل إٍخباره إنه حر طليق – وأنه لن يعود ثانيةً إلى العبودية ، وهو اليوم في أحد المعاهد المهنية بالعاصمة صنعاء يتعلم حرفة يستطيع أن يقتات منها بعد إكمال دراسته ، لكن ثمة مشكلة مازالت  تؤرقه , إذ أن أمه وأربعة من إخوته – أحدهم توفى بسم أفعى قبل شهر تقريباً – مازالوا مستعبدين - بفتح الباء - في منطقة في كعيدنة في محافظة حجة ، ويرسل لهم جزء من المبلغ الذي يتحصل عليه من رئيس مؤسسة  وثاق التي كانت سبباً في تحريره من العبودية ، وهو اليوم يسكن في المعهد ويأكل ويشرب فيه , وهذه المعضلة التي ما زالت تؤرقه طلب عبرنا من منظمات المجتمع المدني وقبلهم الدولة تحرير أسرته  وطلب من مستعبدهم عدم المبالغة في طلب المال اذا وجد من سيحرر بقية اسرته من براثن العبودية , وكذا إيجاد فرص عمل له ولإخوته كي يتمكنوا من العيش بكرامة وان يتمتع بقية عمره وأسرته بالحرية التي حصل عليها قبل أيام قليلة ولم يتحصل عليها بقية أفراد أسرته حتى الان .

لا أحد يعرف من زملاء  نسيم في المعهد المهني أنه كان مستعبداً – بفتح الباء - وإن كانت بشرته السمراء تثير فضول بعض زملائه , إلا أنهم لم يعرفوا ولن يعرفوا - بالتأكيد - أنه كان مستعبداً - بفتح الباء - لأنه ببساطه هو لن يتحدث عن ذلك وبالتأكيد لن يتحدث أحد منا الذين التقينا به وسمعنا منه وتابعنا لحظة بلحظة عملية تحريره من العبودية .
  ثمة أشخاص من رجال المال والأعمال لديهم الرغبة في تحرير المستعبدين - بفتح الباء  - من قبضة  المستعبدين – بكسر الباء- لكن الأمر هنا يتطلب تواصل منظمات المجتمع المدني معهم واقناعهم بتحرير المستعبدين – دون ذكر أسمائهم أن كانوا لا يرغبون بذلك – لأن الدولة والحكومة غضت الطرف عنهم ـ بل أنها مازالت تكابر أو تنكر أو تنفي وجود مستعبدين - بفتح الباء - ومستعبدين - بكسر الباء – إلى اليوم .
عندما تم تحرير المستعبد – بفتح الباء- قناف بن الجارية سيارة في العام 2010م أنكرت وزيرة حقوق الإنسان في الحكومة السابقة – وجود عبيد وجواري ، وحين تأكد لها ذلك رفضت تشكيل لجنة من الوزارة ومنظمات المجتمع المدني لتقصي الحقائق والنزول الميداني إلى مديريات كعيدنة – أسلم – خيران المحرق – في محافظة حجة ومديرية الزهرة بمحافظة الحديدة – رفضت الوزارة هذا المقترح وقالت أنها ستشكل لجنة من الوزارة وبعض الوزارات المعنية ، لكن هذا لم يتم ، ما دفع بمؤسسة وثاق للتوجه المدني – على الرغم من أنها حديثة النشأة – الى تشكيل فريق تقصي الحقائق وجمع المعلومات عن العبيد في هذه المديريات واكتشف الفريق وجود أكثر من (386) مستعبداً – بفتح الباء – موجودون في هذه المديريات وما هو ما عرَّى الحكومة والجهات الرسمية ووجه لها صفعة قوية وأظهرهم كاذبون أمام المجتمع اليمني الذي يستغفلونه دائماً في كثير من القضايا ، هذه على رأسها .
واليوم لا تنكر وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور وجود مستعبَدين ومستعبِدين لكنها تتذرع بعدم وجود الإمكانيات المادية وهو عذر لا يعفيها ووزارتها والحكومة من العمل على تحرير العبيد من مستعبديهم لأنها وصمة عار في جبين الحكومة اليمنية وفي جبين المجتمع اليمني أن ظل ساكتاً على هذه الظاهرة (الجريمة) أياماً أخرى .

الموقف الرسمي من الظاهرة
قبل أكثر من عقدين ونيف من الزمن حاولت الدولة تحرير العبيد من مالكيهم بالقوة فأرسلت حملات عسكرية لتحريرهم ولم تستطع فعل شيء سوى الدخول بصدام مع المالكين ما زاد من معاناة المستعبَدين، واليوم تؤكد وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور إنها ووزارتها مهتمة بالموضوع , بل وتتفاعل معه , لكنها تتذرع بعدم وجود الإمكانيات المادية التي ستساعدها في حصر أعداد المستعبدين – بفتح الباء- وأماكن الاستعباد ومن هم مستعبديهم، فضلاً عن المبالغ التي ستدفع لهم لتحرير المستعبدين , والأهم من هذا ما بعد التحرير إذ يتطلب هذا أموالاً كبيرة لتأهيل وتدريب وإيجاد فرص عمل للمحررين حتى لا يعودوا إلى الاستعباد من جديد ، وهذا العمل يتطلب أموالاً كبيرة جداً والتزام أخلاقي تجاه هذه الأسر التي تزيد عن (190) اسرة من حجة ويبلغ الإجمالي مع محافظة الحديدة - حسب وثاق (386) شخصاً موزعين على كعيدنة ، أسلم ، خيران المحرق في حجة والزهرة في محافظة الحديدة , وثمة تكتم شديد أيضاً من قبل مالكي العبيد – المستعبِدين ومن الضحايا أنفسهم ، فالملاك يرفضون التعاون خوفاً من العقوبة والابتزاز من قبل الدولة والضحايا يرفضون خوفاً من مستعبديهم وخوفاً من التحرير ليذهبوا إلى المجهول لأنهم لا يحصلون على عمل ، فضلاً عن حرمانهم من الحصول على البطاقة الشخصية والعائلية – لكنهم يملكون بطائق انتخابية – ويصوتون بحسب رغبة مالكيهم ، وهي وثيقة مهمة في العمل إذ لا يقبل أرباب العمل أي شخص دون وجود هوية ووجود ضامن عليه في حال تحصل على فرصة عمل .

 وينفي قضاة يمنيون وجود عبيد وأرقاء – يقول أحد القضاة – رفض ذكر اسمه ، أن هذه الظاهرة انتهت منذ عقود وأن المستفيدين من هذه الظاهرة هم المعارضون للنظام لأنهم يريدون تشويه سمعته أمام الخارج وأمام المنظمات الدولية , لأن الدستور اليمني والقوانين جرمت وحرمت الاستعباد وهو أحد أهداف الثورة اليمنية، ولذلك لا يوجد - حد قوله - أي عبيد في أي محافظة ، وما يشاع عن وجود عبيد في اليمن هو اقوال صحف ومنظمات تريد تصفية حساباتها مع النظام السابق.

هذا الكلام بالتأكيد غير دقيق , لأننا التقينا بعديد أشخاص ما زالوا إلى اليوم عبيداً ومنهم قناف ونسيم وأسرتيهما وغيرهم الكثير، وبالتالي فإن إنكار وجود الظاهرة في اليمن هو إجحاف بحق المستعبَدين , يضاف إلى حقهم في الحرية والعيش الكريم.

يقول المحامي عبد الرحمن برمان – المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) أن ظاهرة الاستعباد والرق موجودة في بعض مناطق محافظتي حجة والحديدة، وثمة أسر لا تعرف الحرية منذ عشرات السنين ولا تعرف إلا مستعبديهم، وهم محرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية – مثل الحصول على البطاقة الشخصية , فضلاً عن بقية الحقوق المكفولة في الدستور والقوانين النافذة والحقوق المكفولة في القانون الدولي لحقوق الإنسان ، إذ يمتلك العديد من مشايخ القبائل في المناطق الساحلية عبيداً وجواري يخدمون في منازلهم وفي حقولهم ومزارعهم ويورثونهم لأبنائهم كجزء من ممتلكاتهم الشخصية ومن تركتهم بعد وفاتهم .

  وكانت منظمة (هود) دعت السلطة ومنظمات المجتمع المدني والدولي إلى تمويل وتسهيل عمليات العتق، وتوفير السكن والخدمات ومصادر الدخل للذين يحصلون على حريتهم، ومساعدتهم مع بقية اسرتهم والعمل على إلغاء التمييز العنصري تجاههم، وتمكينهم من امتلاك البطاقة الشخصية وجواز السفر والالتحاق بالتعليم وامتلاك قطعة أرض يستطيعون زراعتها والاقتيات منها بعيداً عن التسول والبقاء في دائرة العبودية والرق.

  إن الأحزاب السياسية اليمنية لم تحرك ساكناً، كما لم تحرك منظمات المجتمع المدني على كثرتها – أكثر من سبعة آلاف منظمة – لم تحرك ساكناً حيال قضية الرق والاستعباد مُذ كشف عن الظاهرة ، وتعاطف كثير من الصحفيين والحقوقيين وبعض منظمات المجتمع المدني مع من يمارس بحقهم الرق والعبودية باعتبار هذه الجريمة وبقاؤها مخالف للشرع والدستور والقوانين النافذة والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الجمهورية اليمنية والتزمت بها أمام المجتمع الدولي، وتعهد هؤلاء الصحفيون والحقوقيون والناشطون بمواصلة الحملة ضد من يمارس الاستعباد إلى أن يتحرر كل المستعبَدين من المستعبٍدين , لكن هذا التعهد لم يعد له وجود إذ مضى على هذا التعهد أكثر من ثلاثة أعوام ولم يحرك هؤلاء ساكناً تجاه هذه الظاهرة التي تؤرق أصحاب الضمائر الحية وأصحاب الإنسانية الطاغية.

جذور ظاهرة الرق والعبودية
تعود جذور ظاهرة الرق والعبودية في بعض مناطق اليمن إلى عوامل اجتماعية أبرزها نظام السلطنات الذي كان سائداً في المحافظات الجنوبية – الشطر الجنوبي سابقاً - حتى قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م التي الغت نظام الاستعباد، إضافة إلى النظام الشبيه بالإقطاعي الذي يسود عديد مناطق ساحلية وقبلية في المحافظات الشمالية ، ويلعب الفقر أيضاً دوراً مهماً في بقاء واستمرار ظاهرة العبودية في اليمن ، فضلاً عن البطالة المتزايدة في صفوف اليمنيين وانتشار الجهل والأمية وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية , وكذا التباهي والتفاخر والنظرة الاستعلائية لدى الجيل الحالي المتشدق بالماضي الذي عاشه أباؤه وأجداده وتركاتهم العائلية التي رفض عديد منهم التفريط فيها .

الترتيب الطبقي في اليمن
ثمة تصنيف وترتيب طبقي للأسر اليمنية فقد أفرز الواقع اليمني طبقة "الهاشميون (السادة) – القضاة –  الشيوخ - القبائل – المزاينة – الأخدام – والعبيد" وهذا الفرز الطبقي لاشك أنه أحدث خللاً في النسيج الاجتماعي اليمني وأظهر التمايز الطبقي الذي أفرز هذا التصنيف المخالف لكل الشرائع السماوية والدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية وكرس هذا التمايز غياب الدولة وانتشار الأمية والجهل والفقر وعدم وجود الخدمات الاجتماعية والعمل الذي يحد كثيراً من هذا التمايز الطبقي البغيض.

الحاجة إلى قانون
صحيح إن التشريعات  اليمنية (الدستور والقوانين ) تضمّنت مواداً غير تمييزية ، مواد تكفل لكل المواطنين الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي والعمل والمساواة بين المواطنين وغيرها من الحقوق والحريات المستقاة من الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الجمهورية اليمنية ، إلا أننا بحاجة ماسة في اليمن إلى قانون خاص يلغي ظاهرة الرق والعبودية ومعاقبة من يمتهن هذه الظاهرة وتضمين هذا التشريع تحمّل الدولة مسؤولياتها القانونية والإنسانية  تجاه العبيد بعد تحريرهم وتوفير الخدمات لهذه الشريحة مثل التعليم والتطبيب والعمل والعيش الكريم وإعادة تأهيلهم وتدريبهم على الأعمال المهنية والحرفية كي يتمكنوا من الانخراط في المجتمع ، كي تتلاشى هذه الظاهرة تدريجياً من المجتمع اليمني ، ليتسنى لهم الانخراط في المجتمع والاندماج معه كي تتلاشى الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع اليمني بعيداً عن السيد والعبد التي باتت اليوم تتسع بدلاً من ان تتلاشى وهذا هو الرهان المعول على المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والتي يمكن لها أن تبدأ بوضع مسودة مشروع قانون لإلغاء ظاهرة الرق والعبودية في اليمن كي ندلف إلى العالم المتحضر ونحن على الأقل قد تجاوزنا هذه الجريمة الشنعاء  والمطالبة بتعويض الضحايا , واذا لم تتمكن المنظمات من تمرير القانون فعليها ان تضغط  لتضمين مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية انصاف المستعبدين –بفتح الباء- وتعويضهم التعويض العادل عن سنوات العبودية والرق التي قضوها عند مستعبديهم .

جريمة ضد الانسانية
في العاشر من ديسمبر من كل عام يحتفي العالم بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحتفي بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة والتحرر من العبودية والرق، لكننا في اليمن لن نحتفي بهذا الإعلان الجميل مع شعوب العالم ، لأننا مازلنا - وسنظل - نندب حظنا ونقلب مواجعنا، طالما ونحن الى اليوم نتحدث عن عبيد ورقيق، عن مستعبَدين ومستعبِدين – رغم أن العالم اليوم دلف الألفية الثالثة ، ولا يبدو في الأفق إن اليمن دلفت إلى هذه الألفية إلا بمواجعها وإرثها البغيض المكبل بموروث انتهاكات حقوق الإنسان وامتهان كرامتهم وتقييد حريتهم، إذ مازلنا في عصر تجارة العبيد والرقيق الذي انتهى من العالم ليس في الأيام الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل منذ أكثر من ثلاثة قرون من الآن.

إن الحديث عن ظاهرة الرق والعبودية في اليمن ليس كشفاً لسر , لأن ثمة أشخاص بين ظهرانينا لا يزالون مستعبَدين - للأسف الشديد -  الى اليوم وعلى مرأى ومسمع من الحكومة التي صادقت على منع تجارة الرقيق منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمن، لكن المصادقة شيء وما يمارس على أرض الواقع شيء أخر.

 إن الخوف كل الخوف ان يعود  نسيم الى العبودية من جديد اذا أوقفت المنظمة التي تتكفل بدفع مصاريفه الدراسية , مثلما عاد قناف ابن الجارية سيارة الى العبودية بعد ان يأس من وجود فرصة عمل ولم يجد من يتكفل بمصاريفه , فعاد الى مستعبِده الأول كي لا يموت من الجوع.

قد لا ُتلام الحكومة وحدها في تجاهل ظاهرة / جريمة الرق والعبودية التي باتت تؤرق المجتمع اليمني، نلوم أكثر من سبعة آلاف منظمة غالبيتها ذيلت أسمها بالدفاع عن حقوق الإنسان، ولا ندري عن أي إنسان هذا الذي يدافعون عنه إذا لم يكن المستعبَدين على رأسهم.

كيف يمكن لنا بعد أن عرفنا أن ثمة أُسر بالعشرات يزيد عدد أفرادها عن ثلاثمائة إنسان كلهم مستعبدون – كيف يمكن لنا أن ُنظهر وجوهنا للعالم ومازال ثمة عبيد وأرقاء، كيف تستطيع ما يُسمى منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان – على كثرتها- أن تقابل العالم وتتحدث عن تحسن وضع حقوق الإنسان في اليمن وهي تعلم جيداً أن التراجع والتدهور في هذا المجال يزداد يوماً عن يوم وأن الهامش الإنساني الذي ُبح صوتنا ونحن ننادي بتوسيعه بات اليوم يضيق أكثر وأكثر.

وإذا كان ثمة صحف وصحفيين – على قلتهم – قد رموا حجراً في مياه العبودية الراكد، فإننا هنا في هذا التحقيق نرمي أحجاراً إضافية، علنَّا نوقظ ضمائر كثير من الناس ربما شبعت موتاً.

إن المئات من أهالي كعيدنة، أسلم، خيران المحرق بمحافظة حجة والزهرة بمحافظة الحديدة، وربما في أماكن أخرى مازالوا مستعبَدين حتى هذه الثانية، إنها جريمة وقضية وخطيئة القرن الحادي والعشرين في اليمن وهي جريمة تفطر القلب وتدمي الضمائر الحية وتجرح الأدمية والكرامة والإنسانية - إن كان ثمة ضمائر حية وإنسانية – مازالت موجودة بعد فضيحة ظاهرة الاستعباد والرق في بلد الايمان والحكمة كما يقولون .

 آه .. كم هو الإنسان اليمني رخيصاً في نظر نظامه وحكومته , إن اليمن مازالت غارقة بعد (64) عاماً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصف قرن من ثورة 26 سبتمبر 1962م التي ينص هدفها الأول على التحرر من الاستبداد والاستعمار، وما يقارب العامين على ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية التي ثارت ضد كل هذه الظواهر السلبية وضد الظلم والاستبداد والعبودية والرق وانتهاك حقوق الإنسان واختزال الدولة في عائلة واحدة ، حقاً إنها لمفارقة عجيبة.

ويمكن رفع الصوت الآن عالياً لمنادات الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمجتمع بأكمله لنُسمعهم صوت الحرية وصوت آنات العبيد والجواري الذين لا يجدون من يتحدث عنهم أو باسمهم أو ينظر إلى معاناتهم الإنسانية التي ستظل تنتظر قلوباً رحيمة وضمائر حية وإنسانية طاغية تخرجهم من الرق والعبودية إلى عبق الحرية التي لم يتنفسوها إلى هذه اللحظة , ولا أحد يدري متى يمكن لهم تنفسها وتذوق طعمها والعيش في كنف الحق والعدل والحرية الدائمة بعيدا عن العبودية والرق , هذه الظاهرة التي تشكل جريمة ضد الإنسانية في الالفية الثالثة مازالت تُرتكب ضد المئات في رقعة من العالم كانت تُسمي ذات يوم باليمن السعيد .

صحفي وناشط حقوقي يمني
التغيير نت

الخبر التالي : كلية المجتمع بصنعاء تحتفل بتخرج دفعة «قادة التميُّز» لتخصص (بكالوريوس إدارة نظم معلومات الأعمال)

الأكثر قراءة الآن :

هام...قيادي بارز في المجلس الانتقالي يُعلن استقالته(الإسم)

رئيس مجلس الشورى يحث واشنطن على ممارسة ضغط أكبر على الحوثيين !

منظمة ميون تجدد مطالبتها للحوثيين بفك الحصار على مديرية العبديه

بحوزة سعودي ومقيم...السلطات السعوديه تحبط تهريب شحنة مخدرات ضخمة

الخدمة المدنية تعلن يوم الخميس اجازة رسمية

مقترحات من