الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٧ صباحاً
يهود اليمن في إسرائيل.. حنين العودة للفردوس المفقود
مقترحات من

حفاظاً على الهوية ومقاومة الذوبان

يهود اليمن في إسرائيل.. حنين العودة للفردوس المفقود

قد يعجبك أيضا :

انطلاق منصة (مال) للعملات الرقمية المشفرة برؤية إسلامية

الحوثيون يستنجدون باحفاد بلال لرفد الجبهات...ماذا يحدث؟

مصدر ميداني يكشف حقيقة سيطرة الحوثيين على الجوبه!

شاهد الصور الأولية للحوثيين من أمام منزل مفرح بحيبح بمديرية الجوبه عقب سيطرتهم عليها

عاجل...التحالف العربي يعلن تدمر مسيرة حوثية

�رانيم حنين ترسلها اليهودية اليمنية المقيمة بإسرائيل نجاة النهاري‮ ‬لوطنها اليمن‮ ‬يملأها الشوق ولوعة الغربة لبلد احبتها وسكنت روحها وحملتها بقلبها في‮ ‬رحلة البعد‮ ‬،‮ ‬تتحدث نجاة النهاري‮ ‬عن اليمن بكلمات‮ ‬يغلب عليها اللوعة ومرارة الفراق عن ما تراها‮ ‬غلطة اقترفتها حينما‮ ‬غرر بها لترحل عن وطن لم تدرك عظم عشقها له إلاّ‮ ‬عندما فارقته‮ ‬،‮ ‬كما تروي‮ ‬حكايات عن حياة اليهود اليمنيين بإسرائيل وحفاظهم على كل ما‮ ‬يربطهم باليمن من عادات وتقاليد أو الأزياء والممارسات اليومية‮.‬

اليمن أصل
‮‬نجاة النهاري‮ ‬مهندسة معمارية رحلت من اليمن مع اسرتها عام‮ ‬1993م تناهض عنصرية إسرائيل وتتألم مع كل رصاصة تنطلق نحو صدر عربي‮ ‬،‮ ‬وتتمنى أنها لم تكن هاجرت‮ ‬يوما من موطنها الأصلي‮ .. ‬تقول‮ : ‬يهود اليمن هم أكثر‮ ‬يهود العالم اعتزازاً‮ ‬بوطنهم ويقدمون الانتماء إليه على الانتماء للدين‮ ‬وحتى من هاجروا إلى إسرائيل مازال اغلبهم متشبثين بكل شيء‮ ‬يمني‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الحجاب‮.‬

أتعرفون لماذا هذا الاختلاف؟ لآن اليمن هي‮ ‬أصل العرب ومن الصعب تغيير الأصلي‮ ‬لأنه مثل جذور الشجرة العملاقة متوغلة في‮ ‬عمق الأرض ولاتمتص المياه السطحية الملوثة بل المياه النقية‮.. ‬وإذا كنت سأنتمي‮ ‬إلى دولة‮ ‬يهودية فإن هذا الانتماء‮ ‬ينتهي‮ ‬إذا‮ ‬غيرت قناعتي‮ ‬وقررت اعتناق الإسلام أو المسيحية،‮ ‬وحينئذ أصبح بلا وطن‮ ‬،‮ ‬لكن الانتماء لوطن ما‮- ‬كاليمن‮ - ‬يعني‮ ‬أنني‮ ‬أنتمي‮ ‬إلى أرض محددة،‮ ‬وتاريخ طويل‮ ‬يستحيل لأحد إلغائه‮. ‬وإلى تراث ثقافي‮ ‬اشترك فيه مع جميع أبناء شعبي‮. ‬وإلى حضارة لها معالمها التي‮ ‬أعتز بها لكونها مما أنجز آبائي‮ ‬وأجدادي‮ ‬وأسلافهم‮ ‬،‮ ‬فالانتماء لليمن‮ ‬يعني‮ ‬انتماء إلى سلالة بشرية لها صفات وملامح معروفة،‮ ‬تمنحنا جميعاً‮ ‬الألفة،‮ ‬خلافاً‮ ‬للإحساس الذي‮ ‬ينتابك حين تقف بين صيني‮ ‬وروسي‮ ‬وبريطاني‮ ‬وافريقي‮ ‬وتدعي‮ ‬أننا شعب واحد لكون الجميع‮ ‬يهوداً‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬لايفهم كل منكم لغة الآخر،‮ ‬ولا‮ ‬يشابه أحدكم الآخر‮.‬

هذه الحقيقة لسنا وحدنا من‮ ‬يقولها عن أنفسنا بل هي‮ ‬الحقيقة التي‮ ‬آمن بها اليهود الصهاينة مثل‮ (‬الاشكناز‮) ‬وعلى أساسها‮ ‬يمارسون التمييز العنصري‮ ‬ضد‮ ‬يهود اليمن منذ هجرتهم الأولى لأنهم واثقون أن الأصل صعب تغيير عناصره وخواصه‮.‬

حفاظاً‮ ‬على الهوية
‮❊ ‬أبرز ما‮ ‬يميز‮ ‬يهود اليمن في‮ ‬إسرائيل هو انهم تكتلوا مع بعضهم البعض في‮ ‬مناطق معينة واعتمدوا على أنفسهم في‮ ‬صناعة حياتهم دون أن‮ ‬يسمحوا حتى للحاخامات بإدارة دور عبادتهم‮ ‬،‮ ‬لذلك انتقلت كل تفاصيل حياتهم في‮ ‬اليمن إلى مدنهم في‮ ‬إسرائيل بينما المجتمعات الأخرى اختلطت وذابت ببعضها حتى أن طائفة‮ "‬الشاكناز‮" ‬اليهودية المتطرفة منذ أكثر من ستة عقود وصفت المهاجرين اليمنيين بـ"شعب الحلبة‮"‬،‮ ‬استحقارا حتى صار بعض الجنود والموظفين الإسرائيليين عندما‮ ‬يمر بقربهم‮ ‬يمنيون‮ ‬يغلقون أنوفهم ويسخرون‮ "‬أووووف حلبة‮"‬

❊ ‬وتروي‮ : ‬العم‮ "‬علياهو اسحق‮"- ‬أحد كبار السن‮- ‬أخبرني‮ ‬أن ذلك لم‮ ‬يكن فقط للنظر لدونية اليهود اليمنيين وانما ايضاً‮ ‬لدفعهم إلى التخلي‮ ‬عن عاداتهم وتقاليدهم وكل ما‮ ‬يمت لوطنهم الأصلي‮ ‬بصلة بقصد بلورة هوية ثقافية جديدة لهم ويريدون أن‮ ‬يصبح‮ ‬يهود اليمن‮ "‬خدما‮" ‬لليهود الأوروبيين الأكثر تحصيلا للعلم والثروة،‮ ‬وحاولوا استغلال حالة الفقر لاستقطاب الشباب والفتيان في‮ ‬المدارس الدينية والصهيونية‮.. ‬لكنهم اصطدموا بمجتمع عنيد،‮ ‬ظل‮ ‬يقاوم ظروفه والسياسات العنصرية ويكابد في‮ ‬تعليم صغاره،‮ ‬حتى نجح في‮ ‬الارتقاء بنفسه ومنافسة بقية المجتمعات اليهودية في‮ ‬إسرائيل‮. ‬ويقول العم‮ "‬علياهو‮": ‬لولا أن اليمنيين تكاتفوا مع بعض ووحدوا كلمتهم وموقفهم كقبيلة واحدة لكانوا اليوم خدما لإسرائيل‮!!‬

ويروي‮ ‬أن بيوت اليمنيين في‮ ‬مدينة‮ "‬ريحوفوت‮" ‬مازالت لا تخلو حتى من‮ "‬الطبون المدر‮"‬،‮ ‬وعندما فتح أحد الأفران فرعاً‮ ‬له في‮ ‬المنطقة لبيع‮ "‬التوست‮"- ‬نوع من الخبز‮- ‬ومعجنات أخرى لم‮ ‬يصمد أكثر من شهرين حتى أغلقه لأن الأسر اليمنية تعمل حتى‮ "‬الملوج‮"!!‬

أعراس‮ ‬يمنية في‮ ‬إسرائيل
‮❊ ‬تؤكد نجاة النهاري‮ ‬أن الأعراس اليهودية ظلت كالأعراس اليمنية فالعروس لا تتمسك فقط بالحلي‮ ‬الفضية والعقيق واليلو والملابس المطرزة بخيوط الفضة،‮ ‬وعادات ليلة الحناء والشكمة فحسب،‮ ‬وانما حتى الأغاني‮ ‬التي‮ ‬ترددها النساء هي‮ ‬نفسها التي‮ ‬تردد في‮ ‬صنعاء وتغنى باللهجة الشعبية اليمنية وليس باللغة العبرية‮ ‬،‮ ‬ونظرا لجمال الزي‮ ‬اليمني‮ ‬وتطريزاته أصبحت أكبر معارض الأزياء في‮ ‬إسرائيل مؤخراً‮ ‬تقلده وتستعرض به كموضة آخر صرخة‮. ‬ونتيجة للإقبال الشديد عليه تخصصت بعض معارض الأزياء ببيع الطراز اليمني‮ ‬فقط‮.. ‬أي‮ ‬أن اليهود اليمنيين هم من أثروا بثقافة‮ ‬يهود إسرائيل ولم‮ ‬يذوبوا فيهم‮ ‬،‮ ‬وكذلك الأمر بالنسبة للحلي‮ ‬الفضية والمطعمة بالعقيق التي‮ ‬ساعد على انتشارها هجرة الحرفيين اليهود الذين كانوا مشهورين في‮ ‬اليمن‮.. ‬مشيرة إلى أن تمسك‮ ‬يهود اليمن بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم هو وراء الكراهية لهم من قبل الطوائف اليهودية المتطرفة والتمييز العنصري‮ ‬ضدهم‮.‬

تتكفن بالزي‮ ‬الصنعاني
‮❊ ‬تحكي‮ ‬النهاري‮ ‬بألم عن اليمن فتقول‮ : ‬بعد فترة قصيرة من وصولنا إسرائيل بدأت أسمع أمي‮ ‬وهي‮ ‬تعمل أول الصباح تردد‮ (‬يمن‮ ‬يمن ما كنتي‮ ‬لي‮ ‬بخاطر‮ - ‬واليوم على حسي‮ ‬عشي‮ ‬وباكر‮) ‬وتغنيها بلحن حزين،‮ ‬ثم أراها بعد لحظات تمسح دمعة فرت من جفنها إلى خدها ثم تمضي‮ ‬دقائق شاردة الذهن كعاشقة جافاها الحبيب‮.‬

سألتها ذات‮ ‬يوم،‮ ‬لماذا تبكين‮ ‬يا أمي؟ فتنهدت بقوة ومسحت رأسي‮ ‬بكفها وانصرفت وظل الصمت هو ردها الوحيد كلما وجدت دمعاً‮ ‬على خديها‮...‬

مرت سنوات وفوجئت بنفسي‮ ‬فجر أحد الأيام أردد بصوت هاديء‮ (‬يمن‮ ‬يمن ما كنتي‮ ‬لي‮ ‬بخاطر‮ ‬
‬واليوم على حسي‮ ‬عشي‮ ‬وباكر‮)‬

‬ودمعات تنساب على خدي‮ ‬دونما أدري،‮ ‬حتى نبهتني‮ ‬أمي‮ ‬وهي‮ ‬تسألني‮: "‬ويش فيك بنتي‮ ‬تبكين؟ عسى مافي‮ ‬شرّ‮"!! ‬فقلت‮: "‬أمي‮ ‬إني‮ ‬مخنوقة راح أطق‮.. ‬رجعونا لصنعاء أنا فدالش‮ "..‬

ضمت رأسي‮ ‬إلى صدرها،‮ ‬وشعرت بدمعات ساخنة تسقط على رأسي‮ ‬وتشق طريقها بين شعري‮. ‬يومها فقط عرفت لماذا كانت أمي‮ ‬تذرف الدموع كلما ذكرت اليمن‮ ‬،‮ ‬فقد‮ ‬غلبها الحنين،‮ ‬وقهرتها الغربة،‮ ‬وسلمت أمرها للأحزان‮. ‬كانت مشغوفة بسرد ذكرياتها،‮ ‬وتتلهف لمجالس النساء عصراً،‮ ‬كي‮ ‬يسترجعن ذكريات أيام زمان‮ ‬،‮ ‬يوم كانوا‮ ‬يعيشون حياة‮ ‬يمنية بسيطة لكنهم كانوا قنوعين بها،‮ ‬وسعداء بكفاحهم في‮ ‬الحياة‮..‬

وتستطرد في‮ ‬سبتمبر‮ ‬2009م توفيت أمي،‮ ‬وفوجئت أنها قبل أن تموت‮ ‬غيرت ثوبها ولبست ثوب قطيفة قديم كانت تلبسه‮ ‬يوم‮ ‬غادرت صنعاء وظلت تحتفظ به في‮ ‬خزانتها طوال هذه السنوات فحملت رائحة وطنها إلى قبرها وأبت أن تفارقه حتى بعد الموت‮.‬

جرأة‮ ‬يمنية
‮❊ ‬وعن قصص اليهود اليمنيين تروي‮ ‬نجاة النهاري‮ ‬قائلة‮: ‬من‮ ‬يصدق أن ثمة امرأة مهاجرة لا تملك‮ ‬ثمن قوت‮ ‬يومها تجرؤ على الوقوف أمام الكنيست الإسرائيلي‮ ‬وتصرخ بوجوههم‮: "‬اللعنــــة عليكـــم وعلى إسرائيــل‮" ‬تلك الجرأة لا‮ ‬يملكها‮ ‬غير اليمنيين،‮ ‬وتلك السيدة لم تكن إلاّ‮ ‬يهودية‮ ‬يمنية تدعى‮ "‬نعيمــة النهاري‮"‬،‮ ‬وتم تغيير إسمها إلى‮ "‬لــوزة‮"‬،‮ ‬وهي‮ ‬و‮(‬12‮) ‬من أفراد أسرتها كانوا من ضحايا الخداع والتغرير الأمريكي‮ ‬بالهجرة من اليمن عام‮ ‬2004م‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬2006م انفجرت لوزة النهاري‮ ‬بوجه لجنة الاحتواء بالكنيست الإسرائيلي‮ ‬صارخة‮: (‬نادمون على تركنا أوطاننا والمجيء إلى إسرائيل‮.. ‬نريد العودة إلى اليمن‮.. ‬لا نريد منكم أكثر من شراء تذاكر سفر لنا‮.. ‬اللعنة عليكم وعلى إسرائيل‮!!).‬

ووأصلت لوزة النهاري‮ ‬رواية مأساتها بدءاً‮ ‬من منطقة‮ "‬ريدة‮" ‬بمحافظة عمران،‮ ‬ثم الهجرة إلى الولايات المتحدة عن طريق السفارة الأمريكية بصنعاء عام‮ ‬2004م،‮ ‬ثم الترحيل السري‮ ‬إلى إسرائيل حيث مركز الاستيطان في‮ "‬عسقلان‮" ‬عام‮ ‬2006م،‮ ‬وانتهاء بطلب الوكالة اليهودية منها إخلاء مسكنها بحجة وصول مهاجرين جدد أولى بالمنزل منها،‮ ‬فيما السبب الحقيقي‮ ‬كان رفضها دفع ابنائها إلى مدارس صهيونية متطرفة‮.‬

سعيد بن إسرائيل دهاري،‮ ‬هاجر من‮ "‬ريدة‮" ‬بمحافظة عمران اليمنية إلى إسرائيل في‮ ‬فبراير‮ ‬2009م،‮ ‬وكان أول ما قاله في‮ ‬مطار بن‮ ‬غوريون لوسائل الإعلام الإسرائيلية هو ما‮ ‬يلي‮: ‬

»‬نحن لسنا أبناء اليوم في‮ ‬اليمن‮. ‬اليهود موجودون في‮ ‬هذا البلد الطيب منذ عشرات القرون‮. ‬نحن‮ ‬يمنيون منذ خراب البيت الأول‮ (‬هيكل سليمان‮) ‬قبل أكثر من ألفي‮ ‬سنة‮. ‬وعلى الرغم من المضايقات التي‮ ‬تعرضنا لها من فترة إلى أخرى،‮ ‬لكن هذا لا‮ ‬يغير شيئاً‮ ‬من‮ ‬يمنيتنا‮. ‬بل إن الانتماء إلى اليمن‮ ‬يسري‮ ‬في‮ ‬عروقنا مثل الدم،‮ ‬غلاوة هذا الانتماء مثل‮ ‬غلاوة‮ ‬يهوديتنا‮. ‬نحن لنا حضور بارز في‮ ‬تاريخ اليمن وحضارته،‮ ‬منذ مملكة سبأ‮. ‬فلا‮ ‬يمكن شطب هذا التاريخ‮«.‬

حكايات حنين
‮❊ ‬مازالت نجاة النهاري‮ ‬تتذكر حكايات كثيرة عن اليمن فتروي‮ ‬ما إن قضمت قليلاً‮ ‬من قطعة‮ "‬قفوعة‮"- ‬نوع من الخبز‮- ‬حتى بدأت الفتيات في‮ ‬الفصل بالصياح‮: ‬فاطر،‮ ‬فاطر،‮ ‬فاطر‮.. ‬وسخرن مني‮ ‬لأني‮ ‬آكل في‮ ‬رمضان‮. ‬وعندما وصل الخبر لأمي‮ ‬شدت شعري‮ ‬حتى كادت تنزع فروة رأسي‮ ‬وهي‮ ‬تؤنبني،‮ ‬وأصبحت كل‮ ‬يوم تفتش شنطة كتبي‮ "‬وهي‮ ‬لم تكن سوى كيس قماش‮" ‬لئلا أكون أخذت معي‮ ‬أكلاً‮ ‬للمدرسة‮ .‬

المسلمون‮ ‬يصومون،‮ ‬وأمي‮ ‬تتوقف عن الطبخ،‮ ‬وتغدينا بخبز وقهوة،‮ ‬وتحذرنا في‮ ‬كل مرة من الأكل في‮ ‬الشارع‮. ‬وكنت دائماً‮ ‬أقول مع نفسي‮: ‬نحن‮ ‬يهود مادخلنا من رمضان‮.. ‬لكنني‮ ‬فهمت في‮ ‬سنوات أخرى أن ذلك من باب احترام مشاعر الآخرين‮.‬

كنت استمتع عصراً‮ ‬بالذهاب إلى‮ "‬المقشامة‮" ‬القريبة حيث‮ ‬يأتي‮ ‬ناس كثيرون لشراء‮ "‬البقل‮" ‬ويحدث مزاح وكلام ظريف استمتع لسماعه‮.‬

ومع أننا‮ ‬يهود كان معظم الجيران المسلمين‮ ‬يرسلون لنا أكلاً‮ ‬من فطورهم،‮ ‬وكنت أفرح لما‮ ‬يكون بينه‮ "‬قديد‮" ‬أو‮ "‬رواني‮" ‬وكنت استغرب لماذا لا‮ ‬يرسلون لنا لحماً‮ ‬بين الأكل‮.. ‬حتى اخبرتني‮ ‬أمي‮ ‬بأنهم‮ ‬يعرفون أن اليهود لا‮ ‬يأكلون اللحم إلا الذي‮ ‬يذبحه العيلوم‮!‬

كان الناس‮ ‬يسهرون في‮ ‬رمضان وأصوات المساجد لا تنقطع،‮ ‬وصنعاء تبقى في‮ ‬حركة حتى وقت الفجر،‮ ‬ويسمح لنا أهلنا بالبقاء في‮ ‬الليل خارج البيت نلعب‮.‬

كانت الحياة جميلة،‮ ‬ورغم أن الناس كلهم تقريباً‮ ‬بسطاء ليسوا أثرياء لكنني‮ ‬كنت أشعر انهم مرتاحون وراضون بعيشتهم،‮ ‬وكرماء جداً‮.. ‬وقلما كانت تحدث خصومات بين الناس،‮ ‬وحتى عندما تحدث‮ ‬يتسامحون في‮ ‬نفس اليوم وتعود الحياة طبيعية‮..‬

ذكريات المدرسة‮ ‬
‮❊ ‬وفي‮ ‬رواية ثانية تسرد نجاة النهاري‮ ‬كنت في‮ ‬الثالث الابتدائي‮ ‬بمدرسة أروى في‮ ‬صنعاء،‮ ‬وكنت أجلس على حجر ألتهم قطعة خبز وفجل على عجل من شدة الجوع حين طلبت مني‮ ‬زميلتي‮ "‬خديجة‮" ‬قطعة من الفجل فرفضت‮ ‬،‮ ‬غضبت مني‮ ‬وصاحت‮ "‬يهودية،‮ ‬يهودية الله‮ ‬يلعنك‮"‬،‮ ‬وإذا بطالبتين أخريين‮ ‬ينضمان إليها ويصرخن معاً‮ "‬يهودية،‮ ‬يهودية،‮ ‬يهودية‮.."‬،‮ ‬وبدأت أخريات‮ ‬يتجمعن حولي‮ ‬ويضحكن فيما أنا شعرت بالقهر وانفجرت باكية بدموع‮ ‬غزيرة لم تمنعهن عن مواصلة السخرية مني‮.‬

فجأة وثبت الأستاذة رجاء المصنعي‮ ‬وأمسكت بخديجة وأخرى وبدأت تصرخ عليهن وتشتمهن وتضربهن على ظهورهن‮ ‬،‮ ‬ثم التفتت إليّ‮ ‬ومدت‮ ‬يدها لتكفكف دموعي،‮ ‬وهي‮ ‬تهدئني‮ ‬بكلمات أم حنونة وتسحبني‮ ‬إلى الإدارة لتعطيني‮ ‬نصف كعكة‮ ‬،‮ ‬وأخذت تمازحني‮ ‬حتى ضحكت،‮ ‬وطلبت مني‮ ‬لو أي‮ ‬واحدة سخرت مني‮ ‬أن أخبرها‮. ‬فغمرتني‮ ‬السعادة،‮ ‬ولم أكن أتوقع أن تقوم معلمة مسلمة بمعاقبة فتيات مسلمات من أجل طفلة‮ ‬يهودية،‮ ‬وبعد ستة أعوام من ذلك تقريباً،‮ ‬أصبحت في‮ ‬منزل صغير في‮ ‬إحدى ضواحي‮ "‬تل أبيب‮"‬،‮ ‬وضاقت عيشتنا لضآلة المساعدات التي‮ ‬يمنحوها لأبي،‮ ‬وذات‮ ‬يوم سمعته‮ ‬يحدث أمي‮ ‬عن سوء المعاملة التي‮ ‬عاملوه بها في‮ ‬احدى الجهات الحكومية في‮ ‬تل أبيب،‮ ‬وقال‮: ‬إن السبب لأنهم عرفوا أنه‮ ‬يمني،‮ ‬وكنت أشعر بمرارة حديثه وحجم ألمه وهو‮ ‬يبوح لأمي‮ ‬بما حدث‮..‬

شعرت أنا أيضاً‮ ‬بالحزن والألم،،‮ ‬ولا أدري‮ ‬كيف وجدت ذاكرتي‮ ‬تسترجع تفاصيل الموقف بمدرسة أروى بصنعاء،‮ ‬وكيف اقتصت الأستاذة رجاء المصنعي‮ ‬لفتاة‮ ‬يهودية من طالباتها المسلمات رغم أنها مسلمة أيضاً‮.. ‬فبكيت مجدداً‮ ‬وأنا أقارن ذلك في‮ ‬مخيلتي‮ ‬بمعاملة اليهود في‮ ‬إسرائيل لأبي‮ ‬واستهتارهم به لمجرد أنه من أصل‮ ‬يمني‮ ‬،‮ ‬ما زلت أتذكر الأستاذة رجاء وأحفظ صورتها وأشتاق لها لحد البكاء،‮ ‬وأتذكر جيراننا وكرمهم ومواقفهم مع أبي،‮ ‬وطيب معاملتهم لنا‮.. ‬وكلما تذكرت شيئاً‮ ‬من حياتنا في‮ ‬اليمن أشعر أننا دفنا أنفسنا في‮ ‬إسرائيل‮!!‬

لذلك كنت كلما أحدث صديقاتي‮ ‬عن اليمن أجدني‮ ‬أكرر كلمة‮ (‬اليمن‮ ‬غــير‮)‬،‮ ‬حتى جعلن منها موضوع مزاح،‮ ‬فأجدهن ونحن منهمكات بحديث عن العمل‮ ‬يقلن‮: "‬اليمن‮ ‬غير‮ ‬يا ست نجاة‮"!!!!!‬

روايات‮ ‬يهود
‮❊ ‬يعيش اليهود من اليمنيين الذين وصلوا في‮ ‬التسعينيات حالة من الإحباط في‮ ‬إسرائيل،‮ ‬فهم‮ ‬يحنون إلى الوطن الأم‮ ‬،‮ ‬وقد نشرت‮ "‬نيويورك بوست‮" ‬تقريراً‮ ‬عنهم،‮ ‬وأوردت على لسان‮ "‬يحيى تسفاري‮" ‬قوله عن جيرانه المسلمين في‮ ‬اليمن‮: "‬إنهم كانوا‮ ‬يقدمون لنا سلال الفواكه من دون مقابل،‮ ‬ويتعاملون معنا بصدق وإخلاص،‮ ‬واذا كان اليهودي‮ ‬محتاجاً‮ ‬لنقود كان‮ ‬يدينه العربي‮ ‬المسلم من دون مشكلة،‮ ‬حتى انه لم‮ ‬يكن‮ ‬يطالب بنقوده إلى أن نعيدها‮. ‬هناك في‮ ‬اليمن كانت الحياة هادئة نزرع الأرض ونعتاش منها‮. ‬لم نشعر‮ ‬يوماً‮ ‬بضائقة اقتصادية مع اننا كنا نعمل نصف‮ ‬يوم‮".‬

‮"‬يونا‮" ‬زوجة‮ ‬يحيى تسفاري،‮ ‬تتمنى اللحظة التي‮ ‬تتاح لها فرصة العودة إلى اليمن،‮ ‬والسبب كما تقول في‮ ‬التقرير انها لم تعد قادرة على تحمل طبيعة الحياة اليومية في‮ ‬إسرائيل حيث قالت‮: "‬انا لا أستمتع إلا بخبز الطابون‮- ‬التنور‮- ‬في‮ ‬ساحة البيت‮. ‬هذا الأمر أزعج الجيران،‮ ‬وسبب لنا المشاكل،‮ ‬مما اضطررنا إلى إحضار طابون‮ ‬غاز داخل البيت‮. ‬ثم أن الطحين في‮ ‬إسرائيل‮ ‬غير صحي‮ ‬كما هو في‮ ‬اليمن‮. ‬لقد اشتقنا لرائحة الخبز المنتفخ‮. ‬هناك كل شيء بسيط وصحي،‮ ‬حتى المياه التي‮ ‬كنا نأخذها من البئر افضل ومفيدة اكثر من الأنابيب هنا التي‮ ‬لا تجلب إلاّ‮ ‬الحجارة للجسم‮".‬

هجرة التسعينيات
‮❊ ‬تؤكد نجاة النهاري‮ ‬انه خلال حكومة‮ "‬إسحق شامير‮" ‬مارست جمعيات‮ ‬يهودية‮ ‬يمنية في‮ ‬إسرائيل برئاسة‮ "‬افيغدور كهلاني‮" ‬ضغوطاً‮ ‬على حكومة شامير لاستقدام بقية اليهود اليمنيين‮. ‬فانتهزت الولايات المتحدة إنشغال اليمن بالأزمة السياسية بين حزبي‮ ‬المؤتمر والاشتراكي‮ ‬التي‮ ‬تأججت عام‮ ‬1992م ثم تطورت إلى حرب‮ ‬،‮ ‬فقامت خلال الفترة‮ (‬1992‮- ‬1995م‮) ‬بترحيل نحو‮ (‬800‮) ‬يهودي‮ ‬يمني‮ ‬إلى إسرائيل‮- ‬بينهم أسرتنا‮- ‬ومعظم من تم تهجيرهم تم تسكينهم في‮ ‬حي‮ "‬اوشيوت‮" ‬من مدينة‮ "‬رحوفوت‮".. ‬وقد تحول هذا الحي‮ ‬خلال الأعوام الماضية إلى نموذج مصغر لقرية‮ ‬يمنية،‮ ‬لا تفارق بيوتها‮ "‬المداعة‮"‬،‮ ‬ومقايل القات،‮ ‬والقنوات الفضائية اليمنية والعربية‮.. ‬وظلوا‮ ‬يمارسون طقوسهم اليمنية بحذافيرها حتى اليوم بما في‮ ‬ذلك عادة منع تعليم الفتاة بمدارس مختلطة،‮ ‬أو ارتدائها ملابس الموضة‮ ‬غير المستورة‮.‬

إقامة جبرية
‮❊ ‬وحول عدم عودة اليهود اليمنيين إلى وطنهم تقول‮ : ‬عادة ما تتم هجرات اليهود من بلدانهم عبر وكالات أو جمعيات‮ ‬يهودية تتبنى ترتيب كل شيء لهم‮- ‬من وثائق ونفقات‮. ‬وبالمقابل تقوم هذه الجهات بتجريد المهاجرين من جميع الوثائق التي‮ ‬يحملونها والصادرة من بلدانهم الأصلية‮.. ‬وعليه‮ ‬يعجز المهاجر إثبات جنسيته الأصلية أمام الجهات الرسمية لبلده الذي‮ ‬يعتزم العودة اليه‮.‬

بالإضافة إلى أنه عندما‮ ‬يصل المهاجرون اليهود إلى إسرائيل أو أمريكا لا‮ ‬يحصلون على المساعدات المالية مالم‮ ‬يدعي‮ ‬المهاجر أمام اللجنة أنه كان‮ ‬يتعرض للاضطهاد والتمييز وكل المعاملات السيئة من قبل حكومة البلد الذي‮ ‬قدم منه ومن المسلمين أبناء البلد ويتم تثبيت ذلك بمحضر وتوقيعه عليه‮ ‬،‮ ‬كإجراء احتياطي‮ ‬قانوني‮ ‬تدحض به إسرائيل مستقبلا اي‮ ‬ادعاء بأن هؤلاء تم تهجيرهم قسرياً،‮ ‬وأنهم قدموا فارين بحثاً‮ ‬عن العدالة الإسرائلية وإنسانيتها‮.‬

والحقيقة الأهم هي‮ ‬أن عودة اليهودي‮ ‬المهاجر إلى وطنه الأم لها بعد سياسي‮ ‬يعارض الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على إنشاء دولة من تجميع‮ ‬يهود العالم في‮ ‬فلسطين وتسهيل العودة‮ ‬يعني‮ ‬تفكيك أسس الدولة‮ .‬

‬احترم الإسلام
‮❊ ‬تقول نجاة النهاري‮ ‬أنا‮ ‬يهودية لكنني‮ ‬أحترم الإسلام وأجد فيما‮ ‬يحدثني‮ ‬عنه المسلمون دستوراً‮ ‬عظيماً‮ ‬للحياة الانسانية،‮ ‬وتمسكي‮ ‬بعقيدتي‮ ‬ليس كفراً‮ ‬كما‮ ‬يعتقد البعض،‮ ‬فقد بعث لي‮ ‬أحد الأصدقاء بنص من القرآن‮ ‬يؤكد أنه لم‮ ‬يكفر أصحاب الأديان الأخرى وقد بدأت أقرأ دراسات عن القرآن وكل‮ ‬يوم تزداد حيرتي‮ ‬أكثر وأبقى أسأل نفسي‮: ‬لماذا إذن العالم الإسلامي‮ ‬وصل إلى هذا الحال رغم أن لديه دستوراً‮ ‬دينياً‮ ‬رائعاً‮ ‬ونبياً‮ ‬عظيماً‮ ‬كان‮ ‬يجعل اليهودي‮ ‬يتبعه بسلوك صغير قبل معرفة مافي‮ ‬القرآن بينما اليوم‮ ‬ينظر‮ ‬غير المسلمين إلى المسلم بريبة وخوف‮!!‬؟

مبدعون
‮❊ (‬آشينوم نيني‮) ‬فنانة‮ ‬يهودية من أصل‮ ‬يمني‮ ‬تم تصنيفها عالمياً‮ ‬بين أشهر الناشطات الإسرائيليات‮. ‬ويصفونها بأنها‮ (‬رسول السلام‮) ‬لأنها كرست فنها للدعوة للسلام مع الشعب الفلسطيني‮. ‬وقد عرفت بجرأتها في‮ ‬انتقاد السياسة الصهيونية ضد الفلسطينيين وفي‮ ‬عام‮ ‬2009م مثلت‮ "‬نيني‮" ‬إسرائيل رسميا في‮ ‬المهرجان الأوروبي،‮ ‬وقدمت مع الفنانة‮ "‬ميرا عوض‮" ‬أغنية‮ (‬يجب أن‮ ‬يكون هناك طريقاً‮ ‬آخر‮) ‬وغنتها باللغات العربية والعبرية والانجليزية لتوجه من خلالها دعوة للإسرائيليين والفلسطينيين بأن الدماء والحروب والمعتقلات لن تحل المشكلة ولابد لهم والعالم امتلاك الجرأة في‮ ‬اقرار التعايش السلمي‮ ‬للشعبين‮.‬

(‬أشينوم نيني‮) ‬جعلت السلام‮ ‬قضية عمرها وغنت لأجله في‮ ‬كبرى القاعات العالمية في‮ ‬نيويورك،‮ ‬وباريس،‮ ‬وروما‮ ‬،‮ ‬ولندن،‮ ‬وسان فرانسيسكو‮. ‬ومهرجانات رافينيا في‮ ‬شيكاغو،‮ ‬ومونترو لموسيقى الجاز،‮ ‬وباليو الموسيقى في‮ ‬سويسرا،‮ ‬وبالاو دي‮ ‬لا ميوزيكا في‮ ‬برشلونة،‮ ‬وقاعة كاريه في‮ ‬هولندا،‮ ‬ومهرجان ستوكهولم للمياه في‮ ‬السويد،‮ ‬فضلا عن العديد من الجولات الناجحة من الأماكن والمهرجانات في‮ ‬جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وكندا والبرازيل واليابان‮.‬

❊ ‬رافيد كحلاني،‮ ‬يمني‮ ‬في‮ ‬إسرائيل أسس الفرقة الرائعة‮ "‬يمن بلوز‮" (‬Yemen Blues‮)‬‭ ‬ويقول حول ذلك‮: "‬منذ قديم الأزل‮ ‬يعيش اليهود في‮ ‬اليمن‮": ‬ويرى أن اليهود اليمنيين كانوا جزءاً‮ ‬لا‮ ‬يتجزأ من الثقافة اليمنية،‮ ‬وان‮ "‬اليهود اليمنيين هم‮ ‬يهود عرب‮. ‬

في‮ ‬فرقته‮ "‬يمن بلوز‮" ‬يمزج كحلاني‮ ‬بجرأة بين أنواع مختلفة من الموسيقى،‮ ‬مثل الجاز والفَنك والسول،‮ ‬بل وأيضا موسيقى الغريوت من‮ ‬غرب أفريقياً،‮ ‬والتراث اليهودي‮ ‬القديم والعربي‮ ‬الإسلامي‮ ‬في‮ ‬شبه الجزيرة العربية‮.‬

أسس كَحَلاني‮ ‬فرقةً‮ ‬تواصل السير على درب تراث الأناشيد التي‮ ‬تتردد منذ مئات السنين في‮ ‬المعابد اليهودية اليمنية وتراث الموسيقى العربية التقليدية‮.

الخبر التالي : عدن: سقوط سيارة أجرة في البحر بسبب حفرة على الخط البحري

الأكثر قراءة الآن :

هام...قيادي بارز في المجلس الانتقالي يُعلن استقالته(الإسم)

رئيس مجلس الشورى يحث واشنطن على ممارسة ضغط أكبر على الحوثيين !

منظمة ميون تجدد مطالبتها للحوثيين بفك الحصار على مديرية العبديه

بحوزة سعودي ومقيم...السلطات السعوديه تحبط تهريب شحنة مخدرات ضخمة

الخدمة المدنية تعلن يوم الخميس اجازة رسمية

مقترحات من