2012/07/04
تساؤل: لما لا يصاب الفقراء ببعض الأمراض الشائعة؟

إذا كانت البشريّة باجتهاداتها الفلسفية والقانونيّة تحاول تحقيق العدالة والحدّ من التفرقة والتمييز والطبقيّة، فإنّ مشكلة كبرى تكمن في أن بعضاً من هذا "التمييز" متأصّل في سنن الحياة ونواميس الكون، في الطبّ مثلاً، هناك أمراض "أرستقراطيّة" تفضّل الملوك والرؤساء والأثرياء، وأخرى لا ترافق سوى الفقراء وسكّان العشوائيّات، هناك أمراض تختار الإناث، وأخرى متعصّبة للذكور، هناك أمراض عنصريّة تميّز بين ضحاياها حسب لون بشرتهم، بعضها يصيب "السود"، وبعضها الآخر لا يحلو له إلا البيض ..!!

الربو مثلاً من الأمراض "الأرستقراطيّة" التي ترتبط بالمال والبحبوحة ويندر أن تصيب الفقراء، يشابهه في ذلك معظم أمراض الحساسيّة كالتهاب الأنف التحسسي والاكزيما التحسّسيّة وغيرها، إلا أنّ سرّ هذا الارتباط مايزال مبهماً علمياً، تجهد الأبحاث والدراسات في فكّ شيفرته.

لأجل هذا الهدف قام علماء من جامعة "برستول" منذ حوالي العامين بمجموعة أبحاث لدراسة الفروق بين الشخص الذي يتربّى في بيئة نظيفة وصحيّة وبين من ينشأ في بيئة قرويّة وفقيرة، فكان من جملة خلاصاتهم أنّ "الجراثيم" التي تعيش عادة في الأمعاء وتقوم بوظائف حيويّة هامّة تقلّ في الأيام الأولى من العمر عند الأشخاص الذين يتربّون في بيئة نظيفة، وهو ما أدّى بالدراسة لنتيجة مفادها أنّ لهذه الجراثيم أهميّة في تشكّل الجهاز المناعي، ونقصانها يؤدّي لاختلالات مناعيّة والإصابة بالربو.

هذه الإجابة المبدئيّة لم تشف غليل العلماء، فتابعوا تجاربهم ليدرسوا الاختلالات المناعيّة التي تنشأ بسبب البيئة النظيفة والمعقّمة، فلاحظوا في "الخزعات المعويّة" انخفاضاً في عدد نوع من الخلايا المناعيّة اللمفاويّة التي تلعب دوراً في ضبط الاستجابة المناعيّة والحد من الالتهاب، تسمّى اللمفاويّات التائيّة المنظّمة، بينما تزيد نسبة هذه الخلايا عند من يعيش في بيئة قرويّة.

قامت هذه الدراسة - المنشورة في مجلّة Pediatric Allergy and Immunology - على مجموعة من "الخنازير" مستغلّة التشابه المناعي والاستقلابي بينها وبين الإنسان، وقد علّقت الدكتورة "ماريا لويس" مؤلّفة الدراسة على نتائجها بقولها : 'حتّى هذه اللحظة لا يمكننا الجزم عن سبب قدرة الخنازير التي تنشأ في المزارع على تنظيم مناعتها مقارنة بتلك التي تنشأ في بيئة معزولة، إلا أنّ دراستنا السابقة تقترح أن يكون للجراثيم المعويّة التي تكتسبها من الطبيعة خلال أيام حياتها الأولى دور هام في ذلك'

ليست مستغربة إذاً نداءات أطبّاء الأطفال التي تدعو الأمّهات إلى عدم المبالغة في عزل أطفالهم عن العالم الخارجي، إذ أنّ تعرّضهم للجراثيم وإصابتهم ببعض الأمراض المعدية أثناء طفولتهم قد يقيهم من خطر الإصابة بالأمراض التحسّسية في المستقبل، بل إنّ بعض الدراسات تذهب إلى أبعد من ذلك، إنّ تعرّض الأم الحامل للحيوانات المنزليّة يقلل من خطر إصابة ابنها المستقبلي بالأمراض التحسّسيّة، كما قالت دراسة سابقة نشرت في مجلّة Allergy and Clinical Immunology .

ليس في كلّ ذلك دعوة "للفقر" ولا لترك النظافة، ولا حتى لتربية الحيوانات المنزليّة، لكنّها محاولة لفهم هذا العالم.

تم طباعة هذه الخبر من موقع يمن برس https://yemen-press.net - رابط الخبر: https://yemen-press.net/news10751.html