الدخول الإيراني عبر بوابة الجماعات المسلّحة والانفصالية، يجعل الوصف الأقرب للعلاقات، بين البلدين "حرب من طرف واحد"، هو إيران، باعتبار أن أقصى ما يفعله اليمن توجيه العتاب والاتهامات.
تستدعي محاولة استقراء العلاقة بين صنعاء وطهران، العودة قروناً من الزمن، لقراءة التراكمات النفسية لهذه العلاقة. البداية من استعانة القائد اليمني الحميَري، سيف بن ذي يزن بـ"فارس" لدحر الأحباش من اليمن، قبل بعثة النبي محمد. تلك الاستعانة التي انتهت بمقتل ذي يزن على يد الجنود الفرس أنفسهم، وعرفت سلالة الجنود تلك بـ"الأبناء" حيث حلت في اليمن وأقرها الخليفة، أبوبكر على حكم صنعاء ما أشعل سلسلة من حروب الردة السياسية اعتراضاً على قرار يثرب.
يشير مؤرخون يمنيون إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب، استعان بمعارضي الوجود الفارسي باليمن، في معركة القادسية، التي أسقطت عرش كسرى، ما دفع متعصبي الأسرة الساسانية المطاح بها في "المدائن"، إلى حمل حقد دفين على اليمن واليمنيين.
واستطاع "الأبناء الفرس" بعد ذلك، الاندماج التام في المجتمع اليمني، وصاروا جزءاً منه لكن دولة الإمامة الزيدية، استقوت بفارس غير مرّة، في حقب متباعدة، وخصوصاً أثناء الصراع الصفوي العثماني على منطقة الشرق الأوسط.
وبعدما أطاحت ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، بدولة الإمامة في صنعاء، وقفت إيران الشاه ضد الحكم الجمهوري، الذي قام على أنقاض الإمامة، وتأخّر اعتراف طهران بنظام الجمهورية في شمال اليمن لسنوات. ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، مطلع الثمانينيات، وقفت صنعاء مع بغداد ضد إيران ــ الخميني، وأرسلت ألوية للمحاربة الى جانب الجيش العراقي. في المقابل عزّزت طهران علاقاتها بنظام جمهورية اليمن الجنوبي، الذي كان آنذاك ضمن "جبهة الصمود والتحدي" المتقاربة مع إيران.
تقارب لم يكتمل
وبتوتر العلاقات اليمنية السعودية على هامش أزمة الخليج الثانية 1990، بدأت العلاقات بين صنعاء وطهران تتحسن تدريجياً، إذ سارعت طهران إلى سد أماكن الفراغ التي خلّفتها الرياض في اليمن، وكان هذا التحسّن يتم برضى من الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح. نتيجة هذا التقارب، أمكن لتنظيم الشباب المؤمن (أنصار الله لاحقاً) أن يتشكّل، برعاية حكومية، على مقربة من الحدود مع السعودية.
وتؤكد مصادر محلية أن "سفير طهران في صنعاء، كان يقوم بزيارات متوالية إلى صعدة، وفي هذه الفترة أيضاً. وقد تم ابتعاث العديد من أفراد الشباب المؤمن، وغيرهم للدراسة في قُم ومشهد". وتكلّل التقارب اليمني الإيراني، بزيارات متبادلة بين رئيسي البلدين، علي عبدالله صالح لطهران عام 2000، ومحمد خاتمي لصنعاء عام 2003.
وكان لتداعيات الغزو الأميركي لبغداد 2003، تأثير سلبي على علاقة صنعاء بكل من طهران وتنظيم الشباب المؤمن، الذي آلت قيادته إلى النائب البرلماني، حسين بدر الدين الحوثي، وتطور الخلاف مع السلطات إلى توجيه حملة عسكرية على معقل الحوثي، في صعدة صيف 2004.
منذ ذلك الحين حتى اليوم، شهدت العلاقات بين طهران وصنعاء تدهوراً بطيئاً، ولكنه لم يصل إلى حد القطيعة، رغم ضخامة الاتهامات التي تسوقها صنعاء ضد طهران. وقد شهدت الخمس السنوات الأخيرة معطى جديدأً في سجل الاتهامات اليمنية لطهران، دعمها لنائب الرئيس اليمني السابق، علي سالم البيض الذي يتزعم تياراً قوياً في الحراك الجنوبي يسعى للانفصال. وأعاد الاتهام الموجه لطهران بدعم انفصال جنوب اليمن، إلى الأذهان، مقولة وردت على لسان وزير خارجية إيران زمن الخميني، قطب زاده، الذي صرح لصحيفة "النهار" اللبنانية، في عددها الصادر بتاريخ 4 أغسطس/آب 1980، بأن "عدن وبغداد تابعتان لنا".
وخلال السنوات العشر الأخيرة، بقي موضوع إيران، مادة يستخدمها قادة صنعاء تارة لتخويف السعودية، وطوراً للتقرُّب منها. كل ذلك، بهدف انتزاع دعم سعودي ضد "المد الإيراني في المنطقة". وينطبق هذا الأمر على "صالح" و"هادي" على حد سواء، وإن كان التناقض بين التصريحات والأفعال، هو السمة الأبرز حتى الآن، في سياسة الرئيس هادي تجاه إيران وأصدقائها الحوثيين.