الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠١ مساءً

سنحاصرك عشرين سنة ويوما

مروان الغفوري
الخميس ، ١٧ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
عندما استيقظ غريغوري من نومه وجد نفسه وقد مسخ إلى صرصار. يعتقد نقاد كثيرون أن هذه العبارة، التي افتتح بها كافكا رائعته "المسخ"، كانت أشهر جملة روائية في القرن العشرين..

وفيما يبدو فإن جملة سردية مشابهة ستكون هي الأشهر في أدبيات السياسة اليمنية في القرن الجديد: فعندما ذهب عفاش إلى صلاته في مسجد النهدين وجد نفسه وقد مسخ إلى غولة متوحشة.، تبتلع أبناءها.
كان الكاتب السوري المرموق صبحي حديدي قد استخدم تعبير "الغولة التي تبتلع أبناءها" في الإشارة إلى بشار الأسد. وقد كان متأثراً على نحو مذهل بلوحة كلاسيكية حملت العنوان ذاته. ولا داع للغرابة فإن التحولات البنيوية، على صعيد السلوك والسمات النفسية، التي تكتسح القادة المزمنين قد تفضي في الأخير إلى اعتقادهم بألوهيتم. حدث كثيراً أن خرج الربّ الساكن في كل بشر، كما يعتقد الغزالي، وأعرب عن نفسه. لكن، نادراً ما تجد ذلك القائد الشجاع الذي يقتل الغولة بضحكة واحدة، ويسفّه الآلهة الجديدة باستلقائه على قفاه، ويكون ذلك كافياً. استمع أحد قادة الاسكندر المقدوني إليه بعد عودته من رحلته إلى الشرق. قال الاسكندر: لقد اكتشفت هنالك بالفعل إني ابن الإله، وأريد منكم أن تسجدوا لي على طريقة الفرس لملوكهم. فقهقه القائد اليوناني حتى استلقى على قفاه. ولم يعد الاسكندر لمثل هذه الترهات، بعد تلك الضحكة، أبداً. ولكي لا يشعر الرب المقدوني المهزوم بالحزن العميق فقد أسروا إليه بنصيحة: عندما تشتاق لسجود الرعايا سافر إلى فارس، دعهم يسجدوا لك ثم عُد إلينا.


هاهي الغولة تطل مرّة أخرى على أذرعتها القاتلة وتبلغهم: لدينا من المال والسلاح ما يكفي للحرب عشرين عاماً. ولا يمكننا سوى أن نقول لهذا المسخ، نحن الذين واجهناه أمام أبواب الجامعة وليس في مكان آخر: أما نحن فلدينا من التاريخ والشكيمة والرؤية ما يكفينا لحصارك (عشرين سنة ويوم). لقد قاتلتنا بالمال والسلاح 33 وعاماً، ولن نسمح لك أن تعُد من جديد عشرين عاماً. لذلك ليكن معلوماً لديك أنه بقي لك من الزمن يوم واحد يعتمد طوله وقصره على "قدرة قرون استشعارك" ونصيحة مخلصة من عيني زرقاء اليمامة. لديك منافذ عديدة للهرب. ولدينا معبَر وحيد للدخول إلى الحضارة: على أنقاض ماضيك. لن ندخل إلى المستقبل بصحبة ماضيك وأيامك، وهذا هو الخط الأحمر الوحيد للثورة، وبالمطلق النهائي الأزلي، سيدي المسخ.

كتبت قبل شهر:

سينجر الشعب اليمني ثورته على الطريقتين الليبيتين: حاصل جمع عمر المختار ومصطفى عبد الجليل. لن ترحل السلطة، بنظامها ورابطة مصالحها، كنظام حكم استبدادي محلي، بل على طريقة المستعمر الخارجي.
مرة أخرى:
صالح ليس ديغول. وهذا الشعب المنهك، 62% أمية و55% تحت خط الفقر و70% ريف، ليس هو "الثورة الطلابية الفرنسية 68م". وشوية الأفندية، من أبو طربوش ومقال، لن يكونوا أبداً كلود ليفي شتراوس وميشيل فوكو. نحن خرجنا مرّو واحدة لانعدام اليقين والأمل، ولن نرجع إلا بأحدهما على الأقل. هل تفهم هذه النهايات سيدي المسخ؟
صالح ليس واحداً. إنه نسخ عديدة. إذا اقتنع بفكرة، بصعوبة بالغة، سرعان ما سيرفضها أحمد وعلي صالح ومهدي ويحي وطارق وعمار، ثم سيأتي الدور عليه في جلسة النقاش لكي يقتنع بكل أسباب "عائلة الطغيان" لرفض الحل السياسي ... إلخ. لذلك، تبدو المواجهة مع عائلة الطغيان، هذه، شارع من اتجاه واحد فقط.
إنه يعيش في ظلام دامس: تحيطه الدسائس والوشايات والضلالات والمعلومات الناقصة والرغبة في الانتقام. سرداب بلا نور، إذا أخرج صالح يده - وهي مغطاة على كل حال- لم يكد يراها.
عندما عاتب أفلاطون صديقه "فريدريك الأكبر" حاكم بروسيا، أشهر مستبد عادل في التاريخ، حول فكرته المجنونة في اقتحام النمسا رد عليه الملك فريدريك: يا أفلاطون، لدي جيش قوي، وأخشى أن يكون أداة بلا فائدة. ما الضير من استخدامه. همس أحد مستشاريه في أذنه: ولكن هذا العمل سيعد غير أخلاقي؟ رد عليه الملك: ومتى كانت الفضيلة معوقاً للملوك!
ولصالح جيش، من غير المعقول أن لا يجربه. صالح لا يعبأ بالروح البشرية، وليس لديه أي مرجعية أخلاقية بالمطلق العريض. لقد أكلت غولة الدسائس والدم كل الإنسان الذي ولد بداخله قبل سبعين عاماً. ولم يتبق منه الآن سوى آلة متوحشة لا تتردد لثانية واحدة عن إطلاق قذيفة مدفعية تجاة ثلاث فتيات، لكي يستخدم أرواحهن كورقة تكتيكية على الطاولة: إيقاف العنف أولاً.
عاصمة الثورات العربية، اليمن، أنجزت مهمتها تقريباً. قدمت أروع ثورة في التاريخ البشري. أسقطت النظام الأوتوقراطي الأوليجارشي الفاسد داخلياً، خارجيا، أخلاقياً. وحصلت الثورة على قرار أممي بحقها في استرداد الدولة من المسخ المتوحش، الذي ابتلع أبناءها. وكل كذلك لم يكن كل الثورة. لا نزال في البدايات، وسننجز ثورتنا، الرسولة بشعرها الطويييييل حتى الينابيع، كما يقول تعبير شعري لأنسي الحاج.

الثورة لن تتوقف ولا لرمشة عين، ولا مجال للتفكير ببقاء أي "حوش" من أسرة صالح ولا لرمشة عين في هذه البلدة. وعلى المجتمع الدولي أن يستعد للدفاع عن الأمن العالمي، والروح البشرية، على الأقل لكي يموه على حساباته تجاه إيران وسوريا بحيث تبدو كما لو كانت بالفعل لمصلحة "الإنسان المقهور".