الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٨ مساءً

حول التفاهم التركي السعودي وتداعياته على المنطقة

ياسر الزعاترة
الاربعاء ، ١١ مارس ٢٠١٥ الساعة ١٢:٤٧ مساءً
لم يلتفت كثيرون في سياق الحديث عن زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى السعودية إلا للبعد المتعلق بالشأن المصري، بخاصة في ظل تزامن زيارة الرجل مع زيارة السيسي، وإن لم يحصل لقاء بينهما، فضلا عن تزامنها أيضا مع زيارة لأمير قطر الذي يصنف كحليف لأردوغان.

لا شك أن البعد المصري له أهميته في السياق؛ ليس فقط بسبب الاشتباك المتواصل بين أردوغان والنظام الجديد في مصر، بل أيضا لأن مصر هي الدولة العربية الأكبر عمليا، وهي التي ينبغي أن تقود العرب في الإقليم إذا شئنا أن نتحدث عن محور هو الأكبر إلى جانب محورين آخرين هما إيران وتركيا (المحور الصهيوني قصة أخرى لا يمكن تصنيفها ضمن محاور المنطقة الثابتة، لأن الصراع معه لا ينبغي أن يتوقف حتى زواله نهائيا). المشكلة التي تواجهنا في هذا السياق هي أن مصر اليوم ليست في وضع عافية يسمح لها بتصدر الوضع العربي، وهو ما جعل السعودية راهنا هي القائد الفعلي للوضع العربي، والدولة الأكثر تأثيرا، بدليل حجيج الزعماء إليها، الأمر الذي لا يمكن تفسيره فقط بوجود قائد جديد هناك، مع أنه بُعد مهم بطبيعة الحال.

وفي حين كان الاشتباك ظاهرا وواضحا بين السعودية من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى خلال العهد السابق، وإن تمت تسويتها نسبيا في المرحلة الأخيرة، فإن الأمر لا ينسحب كما يبدو على العهد الجديد، وهو ما يمكن رده لاعتبارات شخصية تتعلق برؤية كل زعيم، في ذات الوقت الذي يمكن رده لاعتبارين آخرين: الأول ذلك المتعلق بتراجع هواجس الربيع العربي التي حكمت سلوك القيادة الراحلة، أما الثاني فيتعلق بتصاعد التحدي الإيراني على نحو يفرض جعله أولوية سياسية، والسياسة أولويات كما يعلم أهل الرأي على هذا الصعيد.

نعم؛ السياسة أولويات، فحين كانت الأولوية هي مواجهة الربيع العربي وما يُعرف بالإسلام السياسي السنّي الذي تصدر الربيع، كان التحدي الإيراني يُهمَّش عمليا، لكن الموقف صار مختلفا تماما الآن، وصار الثاني هو الأولوية، بل إن الأول لم يعد تحديا في واقع الحال، لأن الحالة الإخوانية لا تريد الاشتباك مع السعودية، سواءً كانت -أعني الحالة الإخوانية- في السلطة أم كانت في المعارضة، أم كانت مطاردة ومستباحة كما في الحالة المصرية، وربما ساحات أخرى بدرجات متفاوتة.

الآن يزور أردوغان الرياض مرتين خلال أسابيع، وقد يسافر العاهل السعودي إلى تركيا قريبا، ما يشير إلى أن التحدي الإيراني قد أصبح أولوية محسومة للطرفين، ويمكن لهما إذا أحسنا إدارة المعركة أن يعيدا صياغة مجمل المعادلات في المنطقة، ويفرضا على إيران أن تعيد النظر في حساباتها، بحيث تدرك أنها لن تتجاوز حضورها كقوة ثالثة إلى جانب المحورين الآخرين بعيدا عن روحية التمدد والهيمنة، وتدرك أيضا أن إصرارها على التصرف كدولة راعية لمذهب تتمدد حيث وُجد؛ يعني أن الحرب ستطول وستكون كلفتها عالية جدا على الجميع.

أما العلاقة المصرية التركية، فيمكن أن تتطور، أو تهدأ في أقل تقدير، وسيعتمد ذلك أيضا على مواقف نظام السيسي مما يجري في المنطقة، فإذا أصرَّ على العمل لحساب آخرين، أو حاول التقارب مع إيران (موقفه المجامل لنظام بشار نموذجا)، فإن الموقف منه سيكون مختلفا، أما في حال انسجم مع الموقفين التركي والسعودي الرامي إلى إعادة التوازن لكل المنطقة بإعادة إيران إلى حجمها، فإن العلاقة ستكون مرشحة للتحسُّن حتى لو كان مزاج أرودغان الشخصي يرفض ذلك، فكيف إذا انطوى التطور الجديد في مصر على تغير داخلي يتعلق بمصالحة ما، مع أن مؤشرا على ذلك لا يبدو متوفرا في الأفق؟

أيا يكن الأمر، فهذا التطور في العلاقة التركية السعودية هو مما يثير الارتياح، ويبشر بلجم غرور إيران، الأمر الذي سيصبُّ في مصلحتها أيضا، لأن مغامراتها الراهنة لم تعد، ولن تعود عليها وعلى الأمة بغير الكوارث، وشعبها أولى بأموالها التي تبذرها على تلك المغامرات بلا حساب.

ويبقى أن مصير اتفاق النووي مع أميركا سيكون حاضرا هنا، وقد تجد طهران في تمريره ملاذا للهروب من دفع استحقاق الجوار الحسن مع محيطها العربي والإسلامي، لكن ذلك لن ينفعها أيضا، فهذه الأمة تقاوم بأيديها وأسنانها ولا تحتاج أميركا، وغالبيتها السنيّة هي من هزم مشروع الغزو الأميركي للعراق، وليس حلفاء إيران، وإن جنوا هم الثمار، أقله في الظاهر حتى الآن.

"العرب القطرية"