الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٤ صباحاً

في مذبحة الكرامة... هكذا نكل (صالح) بالممرضة الهندية وقتل طفلها؟!

عمر عبدالله الخياري
الأحد ، ٢٢ مارس ٢٠١٥ الساعة ١١:٠٠ صباحاً
ذرفت دموع الشوق الممزوجة بعبير الفرح وهي تهاتف والدتها في الهند، وبعد أن هنأتها بالجمعة وعدتها بلقاء قريب يطوي سنين الغربة التي كابدتها بعيدا عن أحضانها.

بادلتها الأم نفس المشاعر وأوصتها أن تهتم أكثر بجنيها الذي بلغ شهره السابع مؤكدة لها أنها قد هيأت غرفة استقباله واشترت حاجيات الوضع ومستلزمات الولادة...
لم تمض دقائق على إنهاء تلك المحادثة حتى تلقت اتصالا من مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا يطلب منها الحضور فورا إلى المستشفى وأن الوضع لا يحتمل بقاءها إلى الرابعة عصرا موعد دوامها الوظيفي لذلك اليوم.
لملمت أدواتها على عجل، وهرعت صوب المستشفى وهي ترى السماء معتمة حمراء يبدوا عليها السخط، والفضاء طفحٌ بسموم دخان أسود كثيف يحمل نتنا كذلك الذي ينبعث من إحراق إطار السيارات، والكون يسدله هدوء مريب إلا من ضجيج البنادق وونين سيارات الإسعاف.

بدت عليها آثار الدهشة، وازداد خفقان قلبها بشكل غير معهود، وبدأت تحدث نفسها أي مصير يكنه لها قدر ذلك اليوم الاستثنائي الذي لم تكن تعلم أنه يوم فاصل في تأريخ الكرامة الإنسانية واليمنية على وجه أخص!!.
أخذت نفسا عميقا قبل أن تلج قدماها عتبة المشفى، وما هي إلا لحظات حتى فجعت بمشاهد مهولة لم تتبادر إلى مخيلتها من قبل!!

ماذا رأت؟!
لقد رأت الطفولة وهي تذبح!!
والإنسانية وهي تسلخ!!
والبراءة وهي تسحق!!
والأحلام وهي تؤد!!
رأت دماء نازفة، وجروحا غائرة، ووجوها مشوهة، وأشلاء مبعثرة، وأعينا مفقوعة، وجثثا منهوشة كأنها آتية من غابة ملأَى بالوحوش؟؟!!.
لم يخطر ببالها يوما أن هناك وحوشا من بني البشر تفترس بني جلدتها!!
لم تتوقع أبدا أن يصل الجرم ببني الإنسان إلى هذا المستوى المتوحش!!
تمنت أنها لم تعرف مهنة التمريض التي أحبتها من قبل كثيرا، وليس ذاك فقط ، بل تمنت أنها لم تعرف الحياة أبدا، أو كانت نسيا منسيا.
كانت الممرضة "أم محمد" تحمل في أحشائها جنينا قد جاوز عمره السبعة أشهر، وقد حاولت المقاومة والصمود لعلها تنقذ روحا أو تدارك جريحا إلا أن هول المناظر أفزعتها، وأنات المجروحين أبكتها، وآهات المكلومين حيرتها وها هم أطفال في عمر الزهور يتساقطون بين يديها بكل سهولة وهي عاجزة كل العجز أن تصنع لهم شيئا
نعم..بدأت "أم محمد" تنهار شيئا فشيئا، بشرتها السمراء قد اصفرت، ودموعها المنسكبة قد جفت، اهتز كيانها، وارتعد جسمها، وتفاجئت بآلالام المخاض تأتي إليها قبل موعدها، وتسري في جسمها المنهك المفجوع، وما هي إلا لحظات وإذا بجنينها قد أصبح شهيدا آخر سيشهد يوما ما على جرم وحوش تدعي الإنسانية!!
ربما فضل جنينها الموت على الحياة في عالم تنتهك فيه الآدمية، ويسود فيه المجرمون والقتلة.

لقد صار هذا الجنين الذي نفخ الله فيه من روحه، ضحية من ضحايا التسلط والاستبداد، مثبتا للعالم أن إجرام المخلوع وعصاباته في جمعة الكرامة لم يصب اليمنيين فحسب بل وصل حتى إلى المغتربين وضيوف اليمن.
لقد سجل التأريخ أن جمعة الكرامة لم يكن ضحاياها فقط من الشباب والأطفال فقط بل قتلت فيها حتى الأجنة في بطون أمهاتهم وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.
"أم محمد" وجنينها الشهيد قصة من قصص جمعة الكرامة التي لم تنشر بعد، فقد عانت "أم محمد" بعد مأساة الكرامة اضطرابات نفسية سلبت النوم من عينيها لأيام، ولا تستطيع إلى يومنا هذا أن تتمالك نفسها عند تذكر تلك المشاهد، رغم مرور أربع سنوات على تلك الذكرى المؤلمة.


وقبل الختام أؤكد أن "أم محمد" لم تتمكن من السفر في 2011م لملاقاة أمها وأسرتها في الهند واضطرت إلى أن تبقى في اليمن إلى منتصف 2013 حتى من الله عليها بجنين آخر ثم سافرت إلى الهند لتضع مولودها هناك وتلتقي بأسرتها، أي أن الإجرام لم يقتصر على قتل ولدها فحسب بل باعد بينها وبين أسرتها عامين أخريين لأن ظروفها الاقتصادية لم تكن لتسمح لها بالسفر في 2013 لو كانت سافرت في 2011م...وهكذا الحال بالنسبة لزوجها، وهكذا لا تنتهي تبعات وآثار الإجرام...


تلكم جوانب من مكابدة جارتي الهندية التي ضحت بالكثير في جمعة الكرامة دون أن يتطرق إليها الإعلام من قبل، وما تزال الممرضة حية ترزق وتعمل في نفس المستشفى إلى اللحظة، وحري بالمختصين أن يضموا سيرة هذه العائلة في تأريخ جمعة الكرامة ؟، ويضيفوا ما تعرضت له في ملف مجزرة الكرامة الذي لم يطوى بعد.

لا أملك إلا أن أقول:
شكرا أيتها الممرضة الرحيمة.
شكرا لتضحيتك.
شكرا لإنسانيتك.
والشكر موصول ـ كذلك ـ لعشرات الحوامل اللاتي نالهن نفس مصير "أم محمد" من هول ما شاهدنه في ذلك اليوم العصيب –خصوصا- الحوامل اللائي فجعن بقتل وجرح بعض أقاربهن.