الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٥١ مساءً

فاستخف قومه فاطاعوه ..

محمد حمود الفقيه
السبت ، ١٩ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١١:١٥ صباحاً
ينسب على اي إنسان مستبد في هذه الأرض ، على انه فرعون .. نسبة الى الفرعون المصري الذي حكم مصر و ادعى الإلهية والربوبية ، هاتان الصفتان التي هي من صفات الله تعالى وحده جل في علاه .

فقال فرعون آنذاك : { لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } فالأنسان المتسلط الذي منح القوة والقدرة على الضعفاء ، لا يمكنه ان يستمع الى أحد أو ان يسمع نصيحة أحد ، ولذلك نجد استخفاف فرعون بقومه وصل الى حد كبير ، الى حد انه فرض بقوته وجبروته على الناس البسطاء والعامة بأنه الرب وانه الإله في زمانه ، كل هذا حدث نتيجة الغرور الذي وصل بصاحبه و الكبرياء الذي غمر قلب فرعون أمام قومه فاخذته العزة بالإثم حتى وصلت به الى قتل الأبناء والآباء ، والاستحياء بالنساء ، فكان لا يرى حقيقة ما يفعله من جرم بحق الانسان الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ، بل كان بأعماله القبيحة يظن انه على الصراط المستقيم وكل هذا طنا منه بالبقاء والخلود لأجل بقاءه وخلوده في هذه الأرض .

هذه هي حكمة الله جل وعلى في خلقه ، فإذا أصبحت حياة الانسان رهينة بيد غيره ممن يحملون سلوك الإجرام فقد تكون معرضة للخطر في أي وقت ممكن بلا هوادة ، وعندما ينتزع الحياء والضمير من داخل بني آدم وتحل محل هاتين الخصلتين الشهوة والأهواء فإن ذلك يدفع هذا الانسان الى قاعدة _ إذا لم تستح فاصنع ما شئت _ من هنا تصبح الأعمال الجريئة كالقتل والسفك والهتك للعرض كمن يشبع رغبته في الماكل والمشرب وغيرها .

لم نسمع في التاريخ القديم ولا حتى الجديد ان ديكتاتوريا على وجه هذه الأرض حكم حتى مات في فراشه !فالظلم .. يقف ضده العدل ، والعدل أساس الجياة ، لذا فإن الفراعنه والدلاله هنا على الجور والظلم نراهم في النهاية يواجهون مصير الهلاك ، كيف لا وقد أهلك الله فرعون وقذف به في أليم ليكون عبرة لمن كان فرعونا بعده ، فالهلاك نوع من أنواع العذاب ، قال تعالى : {فاهلكناهم أجمعين} .

نأتي الى قضية الاستخفاف .. فيحدث الاستخفاف حينما يشعر المستخف بضعف المستخف منه ، والنتيجة تكون الطاعة المطلقة للمستخف وغياب الحرية يسبب طول فترة الاستخفاف ، وهكذا استخف فرعون قومه فاطاعوه حتى جاء أمر الله تبارك وتعالى ، إذا فالضعيف لا وجود له في محيط الفراعنة والقوي هنا قوي الارادة ، فالارادة في مثل هذه الحالة مطلوبة وبشدة ، ومثال على ذلك ارادة القلب التي بدأت تظهر في ذلك الرجل الذي يسمى رجل فرعون الذي كتم إيمانه وكتم تأييده لموسى عليه إليسلام ، كانت بداية قوة الارادة لدية بأنه أمن بموسى وبما جابه من الحق وترك ماهم فيه آل فرعون من الكفر ، وبالتالي عندما يبدي الانسان مراجعة لنفسة حول ما يحاط به من حق وباطل ، فإنه لا شك سيصل في النهاية الى الأمر السيديد ، هكذا حال كثير من قادة التغيير الإيجابي الذي يدفع نحو صلاح الدنيا والآخرة ، فالأنسان بالتأكيد مخير وليس مسير قال تعالى: { وهديناه النجدين }،
من هنا لابد من وجود من يقف في وجه الطغاة والفراعنه ، ولا بد ان يتمتع هؤلاء بالأرادة القوية والوقود الحيوي كي يقودوا العوام الى بر التحرر والاستقلال من التبعية المقيته .

فالحاكم إذا كان بعيدا عن الاستخفاف بمن يحكمهم ، فإنه يفتح المجال أمام مشاركتهم آرائهم والعمل التعاون معه فهو بالأول والأخير بشر وليس من صفاته الكمال .. فعند إتاحته فرص المشاركة لقومه ، بالتالي فإن الأمر يرجع في النهاية اليهم ،وقد لمسنا هذا في ملكة سباء في اليمن عندما قالت لقومها : {فانظروا ماذا تامرون }بعد ان كان جاءها أمر من سليمان يدعوها للإسلام .

فإن كان الحاكم قد أقام الحق والعدل بين بين الناس فهذا ما يصبوا اليه الناس جميعا ، وان زاغ عن طريق الحق والهدى ، حينها يجب ان يأتي دور الارادة القوية وتتمثل بإبعاد هذا الحاكم من منصبه وسحب الثقة عنه من قبل من يحكمهم بالطرق المشروعة ، وبهذا يتم استبداله عن طريق الاختيار الحر المستقل .

لا يختلف كثير من حكام هذا العصر عن ما كان عليه فرعون ، إلا ان الفرق ان هؤلاء لم يجرئوا ان يدعون الألوهية والربوبية كما فعل فرعون ، فنستطيع ان نسميهم _ فراعنة مسلمين _ مارس هؤلاء الحكام الاستبداد والظلم وجحدوا في حق شعوبهم وسلبوهم الأموال والحقوق بعد ما سلبوهم الحقوق السياسية والاقتصادية المشروعة ، أخذ البعض منهم على تنصيب الحيل و المغالطات تجاه شعوبهم ، من هذه الحيل تسمية الحكم على انه جمهوري يحكم الشعب نفسه بنفسه ومن هذه المغالطات الإعلان عن ما سمي بالديمقراطية بين الناس ، غير ان هذه وتلك ليست إلا صورة من صور الاستخفاف الذي لا يراه كثير من الناس أو يشعر به ،خدع الكثير من الرعية بهذه التسميات والشعارات الكاذبة مما جعلهم ينقادون الى طاعة الحاكم المطلقة ، لكن مع طول زمن هذا الاستخفاف اتضحت هذه الممارسات لدى الكثير من الناس وظهرت حقيقة الحاكم المستبد ، وأخذ الناس يرجعون الى أنفسهم نادمون عن ما يحصل لهم طوال حياتهم من التظليل ، والممارسات السيئة تجاههم ، وان أكثر شعوب الأرض الذين حرموا من حقوقهم الشعوب العربية ، ولذا فإن من الأسباب الرئيسية التي أدت الى تأخر العرب عن ركب الحضارات الانسانية المختلفة هو المصادرة المتعمدة لحريتهم ، والخداع الذي أصيبوا به من قبل حكاههم ، فالحاكم العربي عندما فكر بأن يكون رئيسا أو ملكا أو سلطانا ، لم يصعد الى كرسي الحكم مملوء بالأهداف السامية تجاه شعبة وما يمتلكون من طموحات تجاه بلادهم ، فلا يملك الحاكم العربي إذنى نوع من الطموح غير انه يسعى دائما نحو البقاء جاثما في كرسيه متربعا على عرشه ، لا يمنعه من ذلك إلا ان يموت .